«ريتريبيوشن» يخفق في تجاوز عقدة البطل الأميركي
مازلنا نعيش موجة أفلام أكشن الرجل الكهل/ العجوز التي أطلقها فيلم Taken عام 2008 من بطولة ليام نيسن، الذي تمتع بمجموعة مهارات قتالية، ثم رأيناه يقاتل الذئاب في The Grey عام 2011، وفي العام نفسه يواجه مؤامرة غامضة في Unknown.
من 2014 إلى 2022 صارع الإرهاب في طائرة Non Stop، ثم واجه عصابة في «الهرب طول الليل»، وحل جريمة غامضة في The Commuter، وواجه عصابة أخرى في الثلوج في Cold Pursuit، وواجه عملاء FBI فاسدين في «اللص الشريف»، ثم عاد إلى الثلوج مجدداً في «طريق الثلج»، ثم مؤامرة أخرى في الحكومة في «بلاكلايت»، واليوم في Retribution أو «القصاص» يواجه مجنوناً يريد قتله من أجل المال.
نيسن العجوز (71 عاماً) جالس خلف مقود سيارته آخذاً ابنه المراهق وابنته إلى المدرسة ليرده اتصال من إرهابي مجنون يقول له إنه زرع قنبلة تحت مقعده، ولو نهض ستنفجر القنبلة. هل هذه فكرة جديدة؟ بالطبع لا.
يمزج الفيلم فكرتي فيلم Locke وSpeed مع بعضهما من ناحية، ومن ناحية أخرى هو إعادة / اقتباس من فيلم إسباني بالعنوان نفسه صدر عام 2015. وبالطبع هوليوود لها تاريخ طويل جداً من الإخفاقات في صنع الاقتباسات أو أمركة الإنتاجات الأوروبية. بكلمات أخرى، الفيلم الإسباني أجمل بكثير من هذا الفيلم المتواضع والذي هو إنتاج أوروبي - أميركي مشترك.
مات تيرنر (نيسن) موظف أميركي كبير في مصرف في العاصمة الألمانية برلين، يعيش مع زوجته هيذر (إمبيث ديفيدتز) وابنيها المراهقين زاك (جاك تشامبيون) وإيميلي (ليلي أسبيل)، وهذه الأخيرة أي الابنة المراهقة هي الشخصية الملازمة لبطل الأكشن العجوز سواء كان نيسن أو غيره.
من البداية نرى مات مشغولاً جداً بعمله ولا يعير عائلته اهتماماً، وزوجته تتوسل إليه أن يأخذ الابنين إلى المدرسة، والمراهقان يتشاجران من البيت وحتى ركوب السيارة. ثم يرن هاتف من تلك الهواتف الرخيصة كان مخبأ في مكان ما في السيارة.
يجيب مات، فإذا برجل يتحدث خلال جهاز يضخم الصوت بغرض تغطية نبرته. ونعلم أن قنبلة مزروعة تحت مقعد مات ومع الوقت نعلم أن مات ليس الرجل النزيه، وإنما هو يستخدم الحيلة في وظيفته ليقنع المستثمرين بوضع أموالهم في مشروعات هو يعلم أنها على الأرجح خاسرة. لكن المتصل ليس مستثمراً فقد أمواله كما في الفيلم الأصلي، إنما إرهابي مجنون يريد فدية.
يتمتع نيسن بحضور جيد على الشاشة وهذا سبب اختياره للدور بلا شك، وهو كنجم يتمتع بكاريزما أكثر من الممثل الإسباني لويس توسار، وهذا ليس تقليلاً من الأخير الذي قدم أداءً رائعاً في الفيلم الأصلي، لكن نيسن يبقى محسوباً على هوليوود وهو الأشهر عالمياً والوجه المعروف من طوكيو إلى لوس أنجلوس. وتبعاً لهذه القاعدة، فإن هذا الفيلم هو الأكبر وهو الذي سيكون الأهم كلما أرادت الجماهير مشاهدته، لأنهم يريدون البطل نيسن وليس ذلك الوجه الذي لا يعرفونه.
لكن نيسن أسير معادلة البطل الأميركي الذي يتجاهل الشرطة ويتولى زمام الأمور لينتقم من الشرير، وهي لا تتمتع بصدقية في حالة هذه الشخصية هنا. هذا ليس عميل «إف بي آي» ولا مارشال أمن ولا ضابط مخابرات، هذا ممول أو خبير مالي. ومهما رغبت الجماهير في مشاهدة بطلها ينتقم من الشرير، فإن هذه الجزئية تنسف الفيلم برمته لأنها لم تنفذ بشكل حكيم ومتقن.
لا يحذف الفيلم شيئاً من الفيلم الأصلي، وإنما يقلبه أو يعكسه، فهناك الفتاة أكبر من شقيقها وهنا الفتى أكبر من شقيقته. هناك يشتبه البطل في سائق درّاجة نارية ويصطدم به، وهنا يدوس على بدال فرامل سيارته لتصطدم الدرّاجة به من خلفه. هناك الفتاة لها صديق وهنا الفتى له صديقة والصديق والصديقة هما راكبا الدرّاجة النارية. الغريب جداً والذي لا نجد له تفسيراً منطقياً أن المخرج الهنغاري الأميركي نمرود أنتال - (أخرج Vacancy وArmored وPredators) والفيلم الأخير هو الأشهر - لا يتقن تنفيذ مشاهد الأكشن والمطاردات، رغم خبرته وفي رصيده أفلام أكشن أكثر من مخرج الفيلم الإسباني داني دي لا توري، الذي نفذ مطاردة مثيرة حابسة للأنفاس تنتهي بحصار سيارة البطل بين دوريات الشرطة من الخلف ومروحية من الأمام.
دوافع الإرهابي المؤنسن بشكل أفضل في النسخة الإسبانية واضحة ومقنعة أكثر من إرهابي نيسن هنا. في الحقيقة إرهابي نيسن لا يظهر سوى في مشهدين، وغالباً لهذا السبب هو غير مقنع، وعندما يفسر أسباب أفعاله فإن المشاهد لا يهتم. بعكس إرهابي النسخة الأصلية الذي نراه من منتصف الفيلم إلى آخره ويشع غضباً ولا يضحك ساخراً كما يفعل هذا الأبله هنا، والذي لا نريد أن نذكر من هو لأن أنتال أراده أن يكون مفاجأة المشهد الأخير.
المشكلة نفسها في شخصية قائدة وحدة تفكيك المتفجرات، إلفيرا منغس تتمتع بكاريزما رهيبة في الفيلم الأصلي كادت تسرق المشاهد من بطل الفيلم. بينما هنا الجنوب إفريقية نوما دوميزويني، لا تبث أي حياة في شخصيتها وكأنها روبوت. من أجمل مشاهد الفيلم الأصلي لقطة تفجير سيارة زميل البطل، لأنها تتمتع بعنصر المفاجأة، بينما هنا نعلم بالضبط متى ستنفجر وحتى لو كان المشهد متقناً، فإن تأثيره أضعف عندما يخلو من عنصر المفاجأة.
كذلك النهاية وهنا نعود إلى ما قلناه في فقرة سابقة: «إذا كان البطل رجل الشارع العادي وأراد أن يتولى زمام الأمور، فإن المخرج يجب أن ينفذ المشهد بشكل حكيم ومتقن، فهذا ليس رجلاً مدرباً على هذه المواقف، إنما هو أنا وأنت أي رجل الشارع العادي».
نهاية الفيلم الإسباني مقنعة أكثر ومشوقة حابسة للأنفاس، ومؤنسنة إلى أبعد الحدود. بينما هنا نيسن يخرج من مأزقه مظفراً وكأنه مر بأزمات كثيرة قبل هذه حاله حال شخصياته السابقة في الأفلام التي ذكرناها في بداية هذا الموضوع.
شاهد هذا الفيلم لو كنت من محبي ليام نيسن وليس لأي سبب آخر، لأنك تعلم أنك تريد مشاهدة بطل أميركي وليس قصة تحترم عقلك.
• «شاهد هذا الفيلم لو كنت من محبي ليام نيسن وليس لأي سبب آخر، لأنك تعلم أنك تريد مشاهدة بطل أميركي وليس قصة تحترم عقلك».
• مهما رغبت الجماهير في مشاهدة بطلها ينتقم من الشرير، فإن هذه الجزئية تنسف الفيلم برمته، لأنها لم تنفذ بشكل حكيم ومتقن.
• نهاية الفيلم الإسباني مقنعة أكثر ومشوقة حابسة للأنفاس، ومؤنسنة إلى أبعد الحدود.
للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.