بطيء ويفتقد التشويق والمنطق

«ذا إيكويلايزر 3».. كاريزما دينزل واشنطن تستحق المشاهدة

صورة

مصادفة جميلة أن يأتي فيلم «The Equalizer 3» بعد «ريتريبيوشن»، الذي شاهدناه الأسبوع الماضي. أي إننا مازلنا في موجة أفلام أكشن الرجل الكهل/ العجوز. لكن دينزل واشنطن أقوى اسماً من ليام نيسن.

شاهدنا جزأين من «ذا إيكويلايزر» عامي 2014 و2018 في عز حقبة الموجة المشار إليها في الفقرة السابقة، وكان الفيلمان السابقان في مدينة بوسطن الأميركية. الأول ممتع جداً، والثاني أقل مستوى منه، أما الثالث فهو جيد جداً كفيلم يختم السلسلة وليس عملاً قائماً بحد ذاته، لأننا هنا نرى شخصية روبرت مكول الإنسان وليس المقاتل.

سلسلة أفلام «ذا إيكويلايزر» مقتبسة من المسلسل الشهير بالعنوان نفسه في الثمانينات بطولة إدوارد وودوورد. وهو عن عميل مخابرات سابق متقاعد يسخّر نفسه لمساعدة الأبرياء من ضحايا المجرمين.

في المسلسل كانت الشخصية واسعة الحيلة في قلب الطاولة على المجرمين، ويلجأ إلى العنف لو اضطر، ولكنه لم يكن آلة قتل مثل نسخة واشنطن في الأفلام. بلغت أفلام «ذا إيكويلايزر» مستوى شديداً وجديداً من العنف لم نرها منذ أفلام فريدي كروغر ومايكل مايرز في السبعينات والثمانينات.

في الحقيقة نحن نشاهد عنفاً أكثر من أكشن، والعنف الذي نراه مستعار بالكامل من أفلام رعب الذباح Slasher. وهذه الإضافة الجديدة لكليشيه عميل المخابرات الأميركية المتقاعد.

معادلة مهترئة

يبدأ الفيلم بلقطة جثث أشخاص نحن نعلم أنهم استحقوا الموت لمجرد أن قاتلهم هو المقتص مكول. وكأن مخرج الأفلام الثلاثة أنتوان فوكوا يتلذذ بها. المعادلة وهي مرتبطة بأفلام المقتص خصوصاً، التي يتبعها الفيلم مهترئة، وإن كانت مسلية ويزيّنها أداء واشنطن. هي معادلة تعود جذورها إلى فيلم «أمنية موت» بطولة تشارلز برونسون عام 1974.

واشنطن نجم قدير في رصيده جائزتا «أوسكار» ومؤهلاته أعلى من هذا الفيلم الذي بالكاد يتطلب أداء. وبسبب الكاريزما التي يتمتع بها فإنه يجعل الفيلم مستحقاً للمشاهدة.

العنصر الجديد في هذا الفيلم هو أن أحداثه في جنوب إيطاليا على ساحل أمالفي، حيث يأخذ البطل فترة نقاهة بعد إصابته برصاصة في ظهره. وهذه جزئية تستحق التوقف عندها، إذ إن إصابة شخصية مثل هذه تجعلها تبدو كأنها فقدت براعتها. لكن من وجهة نظر معاكسة، فإن الإصابة تكسر التصور العام بأن هذه الشخصية هي آلة قتل وتؤنسنها.

يعتني الدكتور إنزو (ريمو جيرون من فيلم فورد ضد فيراري لمن لا يتذكره) بمكول ولا يبلغ الشرطة بأمره، بل يستضيفه في بيته ويطعمه بنفسه.

بعد أن يستجمع قواه، ويستكشف محيطه وهي القرية التي يعيش فيها الطبيب، يجد نفسه قد عشقها بسبب أهلها الطيبين. تقتحم القرية عصابة كامورا وهي من المافيا الإيطالية، التي تنفذ عمليات تهديد وتخريب كحرق المنازل وضرب شرطي أمام زوجته وابنته.

وهنا يغضب مكول ويقرر التدخل قائلاً لزعيم العصابة: «لن أسمح لك بسلب السلام مني.» ولا يلام الرجل فقد جاء للتقاعد في هذه البلدة الهادئة. يسرد الفيلم قصته بالطريقة التي تتوقعها، حيث يضرب البطل خصومه واحداً تلو الآخر، ويقضي على كل واحد بضربة أو اثنتين فقط متبوعة بطعنة سكين دون أن نرى حبة عرق على وجهه.

ممثل بارع

الفيلم بطيء نوعاً ما ولا وجود للتشويق فيه، وبالطبع لا مكان للمنطق، فإذا دخل مكول إلى بيت زعيم العصابة فلا تعرف من أين دخل ولا أين مشى ولا أين اختبأ ويطعنهم طعناً واحداً تلو الآخر ولا نعلم كيف درس المكان وحفظه عن ظهر قلب.

لكن الرجل يعرف متى يغضب ومتى يبتسم للجماهير، هذا ممثل بارع يعرف كيف يوظف أدواته. الفيلم ليست به سوى ثلاث لقطات قتالية وليس مجنوناً مثل «جون ويك»، الذي يتسيد القتال مشاهده من أول دقيقة إلى آخر ثانية.

فإذا لم تكن من عشاق القتال والعنف وإراقة دماء المجرمين المصحوبة بموسيقى تقشعر الأبدان لها ولا نعرف لماذا اختارها فوكوا للفيلم لأنها لأفلام الرعب وليست لهذا الفيلم، فإنك حتماً ستكون من محبي الحوارات الظريفة، وهنا نجد مشهداً بحوار ممتع بين واشنطن وداكوتا فاننغ في دور عميلة المخابرات الأميركية. (يلتقيان للمرة الأولى بعد 20 عاماً حيث كانت تلك الطفلة ذات 10 أعوام معه في فيلم Man on Fire لمن لا يتذكرها).

أجواء مسمومة

واشنطن من الممثلين القلائل الذين يستطيعون أداء الطيب والشرير ببراعة، وليس مثل توم كروز الذي لا يتقبله الجمهور في دور شرير. يصبح واشنطن مخيفاً بشكل استثنائي عندما يتقمص دور الشرير، وبالطبع الشر جلب له «أوسكار أفضل ممثل» في فيلم Training Day عام 2001.

وبالنظر إلى موجة أفلام أكشن الرجل الكهل/ العجوز، نلاحظ أن جزءاً كبيراً منها أخذ قالب أفلام «المقتص»، أو البطل الذي يطبق العدالة بيده بعيداً عن مؤسسات الدولة الأميركية. وازدهرت أفلام المقتص للمرة الثانية بدخول الألفية الجديدة، وكما ذكرنا كانت موجتها الأولى بفيلم «أمنية موت» عام 1974، وبما أن لدينا موجتين فالسؤال: لماذا عادت؟

لو أردت أن تفهم هوليوود فانظر إلى ما يحدث في المجتمع الأميركي. يعيش هذا المجتمع حروباً ثقافية باستمرار، ففي الخمسينات حاربت أميركا المد الشيوعي على أراضيها، وفي السبعينات خدع الرئيس نيكسون الشعب الأميركي بشأن حرب فيتنام المكروهة شعبياً، وخرج تيار النسوية يطالب بحقوقه، إلى جانب حركة الحقوق المدنية، وازدادت جرائم القتل وعجز النظام القضائي الأميركي عن تحقيق العدالة. وفي هذه الأجواء المسمومة بزغت أفلام المقتص الذي يأخذ حقه بيده وعلى رأسها «أمنية موت» و«هاري القذر».

اليوم المجتمع الأميركي منقسم على نفسه أكثر من أي وقت مضى، فهذا المجتمع المحافظ بطبيعته يواجه جماعات تهدد المنظومة الأخلاقية للطبقة المحافظة، وتروّج للتلاعب بالهوية الجنسية، إضافة إلى الصراع القائم بين مؤيدي ومعارضي تعديل قانون امتلاك السلاح، والفساد في بعض الدوائر السياسية، وعنف الشرطة، ونتيجة لذلك برزت أفلام المقتص الحديثة وامتزجت مع الأبطال الخارقين مثل «باتمان» و «سبايدر مان». هاتان الشخصيتان مقتصتان على صفحات القصص المصورة قبل السينما. وازدهرت الموجة الحديثة إلى درجة طرح نسخة محدثة من «أمنية موت» عام 2018 بطلها بروس ويليس.

للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

• دينزل واشنطن من الممثلين القلائل الذين يستطيعون أداء الطيب والشرير ببراعة، وليس مثل توم كروز الذي لا يتقبله الجمهور في دور شرير.

• العنصر الجديد في الفيلم هو أن أحداثه في جنوب إيطاليا على ساحل أمالفي، حيث يأخذ البطل فترة نقاهة بعد إصابته برصاصة في ظهره.

• 3 لقطات قتالية فقط في الفيلم الذي نشاهد فيه عنفاً أكثر من أكشن.

تويتر