لا صوت يعلو على دويّ «أوبنهايمر».. التحفة السينمائية تكتسح الأوسكار
أحدث «أوبنهايمر» الدويّ الذي كان متوقعاً له في احتفال توزيع جوائز الأوسكار الـ96، أول من أمس، إذ انتزع جائزة أفضل فيلم وفاز في ست فئات أخرى.
رجل سحقه الشك من أجل اختراع غيّر تاريخ البشرية.. هي قصة «أوبنهايمر» عن سيرة مبتكر القنبلة الذرية الذي حصد أبرز مكافأة سينمائية في هوليوود.
تشبه تحفة كريستوفر نولان الفنية هذه النمط السينمائي القديم: طاقم تمثيلي مميز، وميزانية ضخمة، ورهانات عالية.
ويتبع الفيلم الذي يمتد على أكثر من ثلاث ساعات، اللحظات الأساسية في حياة روبرت أوبنهايمر، الفيزيائي الذي أدخل الكوكب إلى العصر النووي، وعجّل بنهاية الحرب العالمية الثانية قبل أن ينتابه الشك بشأن ابتكاره الذي استحال أداة تدميرية فتاكة.
ويغيّر هذا الفيلم البالغة ميزانيته 100 مليون دولار، الاتجاه السائد في السنوات الأخيرة المتمثل بمنح جائزة أوسكار أفضل فيلم لإنتاجات مستقلة بكلفة إنتاجية أصغر.
وقالت منتجة الفيلم إيما توماس: «لقد حلمتُ بهذه اللحظة منذ زمن بعيد، لكن بدا من غير المرجح أن يحدث ذلك على الإطلاق. السبب وراء ظهور هذا الفيلم بالشكل الذي ظهر به هو كريستوفر نولان. إنه فريد من نوعه، إنه رائع»، مشيدة بكريستوفر نولان الذي فاز أيضاً بجائزة أفضل مخرج عن «أوبنهايمر».
ولغايات التصوير، أمر نولان بإعادة بناء لوس ألاموس في سهول جنوب غرب الولايات المتحدة، وقد صُوّرت المشاهد الرئيسة في الفيلم الذي يعيد إنتاج أول انفجار نووي في يوليو 1945، باستخدام متفجرات حقيقية.
وكانت هذه التركيبة فعالة، إذ نجح الفيلم في إقناع النقّاد والجمهور على السواء.
وحقق الفيلم إيرادات بلغت 960 مليون دولار في أنحاء العالم، كما حصد جوائز كبرى كثيرة في عالم السينما، وصولاً إلى تتويجه بأبرز مكافأة سينمائية عالمية.
حلم وكابوس
وشرع كريستوفر نولان، الذي يحفل رصيده السينمائي بإنتاجات ضخمة بينها «إنسبشن» وثلاثية باتمان «ذي دارك نايت»، في المشروع بعد قراءة سيرة روبرت أوبنهايمر الذاتية المتعمقة، بقلم كاي بيرد ومارتن شيروين.
وتحمل السيرة في طياتها عناصر درامية قوية: شخصية فريدة تنجرف في مأساة تجمع بين «الحلم والكابوس»، بحسب المخرج، فبعد أن عرف المجد بوصفه «عرّاب القنبلة الذرية»، أصبح روبرت أوبنهايمر غارقاً في الندم على عواقب اختراعه، واستحال بعدها داعية لنزع السلاح النووي إلى أن دُفع للتنحي جانباً بسبب تعرضه للملاحقة للاشتباه في تعاطفه مع الشيوعية.
وقال كريستوفر نولان: «ليست هناك إجابة واضحة لقصته، فهي تحتوي على مفارقات رائعة».
وأصبحت صورة العالِم واضعاً يده على جبهته وهو يحدق في الفضاء، مسترسلاً وسط هذه التناقضات اللامتناهية، أيقونة الفيلم الروائي الطويل.
مزيج ذكي
بُني الفيلم حول مزيج ذكي من ثلاثة أنواع: القصة البطولية، وأفلام السطو، والدراما القانونية.
من هنا تتعاقب المشاهد في العمل حول السباق لصنع القنبلة الذرية بمواجهة النازيين، وإقامة فريق من الخبراء لتنفيذ المشروع، ومحاكمة عبقري أصبح هدفاً لاتهامات بالتآمر والخيانة.
واختار كريستوفر نولان لأداء الدور الرئيس في الفيلم كيليان مورفي، وهو ممثل إيرلندي معروف لدى المخرج، فاز هو الآخر بجائزة أوسكار أفضل ممثل. وبمواجهته في العمل الذي تدور أحداثه في واشنطن حين كانت تسودها أجواء مناهضة للشيوعية في خمسينات القرن الماضي، روبرت داوني جونيور الذي فاز بأوسكار أفضل ممثل بدور ثانوي.
ويزخر الفيلم بطاقم تمثيلي قوي يشمل أسماء لامعة بينها إميلي بلانت، ومات ديمون، وفلورنس بيو، وكينيث برانا، وغاري أولدمان، ورامي مالك.
ويعود النجاح التجاري الهائل لهذا الفيلم أيضاً إلى ظاهرة «باربنهايمر»، إذ كان طرح العمل الدرامي عن مبتكر القنبلة الذرية والكوميديا الأنثوية «باربي» في اليوم نفسه من يوليو الماضي خلال فترة إضراب هوليوود، بمثابة حافز لآلاف المتفرجين للتعرّف إلى الفيلمين المختلفين تماماً. وبمواجهة الدمية الشهيرة كانت هناك حاجة لاستقطاب الجمهور إلى فيلم طويل يمزج بين التساؤلات التاريخية والفيزياء النووية وجلسات المحاكمة المليئة بالبيروقراطية.
ولم يوقف أي شيء مذاك مسيرة «أوبنهايمر» الناجحة، إذ حصد في الأشهر الأخيرة جوائز مرموقة كثيرة أبرزها في حفلات غولدن غلوب، وبافتا البريطانية، وحتى جوائز نقابة ممثلي الشاشة (ساغ) قبل أن يتوّج هذا المسار أول من أمس في حفل الأوسكار.
لحظات امتزج فيها الجدّ بالمزاح
إلى جانب هيمنة «أوبنهايمر»، شهد حفل توزيع جوائز الأوسكار بنسختها الـ96 سلسلة لحظات امتزج فيها الجدّ بالمزاح، فيما لم تغب السياسة والمستجدات العالمية عن الحدث، بما يشمل مواقف عن الحرب في غزة ودعابات عن دونالد ترامب.
وحصد «أوبنهايمر» العدد الأكبر من جوائز الأوسكار هذا العام مع سبع مكافآت، لكن الحفل سلط الضوء أيضاً على الفيلم الرئيس الآخر في شباك التذاكر لسنة 2023 «باربي». في عرض كان منتظراً أثناء الأمسية، أدى راين غوسلينغ، ببزة وردية مطرزة، أغنية «آيم جاست كن» التي تضمنها «باربي» وتسخر ضمنياً من مفاهيم الرجولة المسمومة.
وأمطر مضيف الأمسية جيمي كيميل الحفل بنكات لاذعة. وقرأ رسالة نشرها للتو المرشح الجمهوري المحتمل للانتخابات الرئاسية الأميركية، الرئيس السابق دونالد ترامب، على شبكة «تروث» الاجتماعية الخاصة به، منتقداً المذيع الذي وصفه بأنه «شخص دون المعدّل». وفي بلد يشهد انقساماً عمودياً حاداً، ينظر المحافظون عموماً إلى هوليوود على أنها تقدمية للغاية.
ورد كيميل في نهاية الحفل قائلاً: «شكراً لك الرئيس ترامب. أنا مندهش أنك لاتزال هنا، ألم يحن الوقت للذهاب إلى السجن؟»، في تلاعب بالكلمات يجمع بين المتاعب القضائية التي يواجهها ترامب، وفكرة الخلود إلى النوم نظراً لتأخر الساعة.
واتخذ الاحتفال طابعاً أكثر جدية عندما أدلى المخرج البريطاني اليهودي جوناثان غلايزر الفائز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عن فيلم «ذي زون أوف إنترست» الذي يتناول الهولوكوست، كلمة مقتضبة انتقد فيها الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وقال «نحن نرفض السماح بإساءة استخدام يهوديتنا والمحرقة من أجل احتلال تسبب في الكثير من المعاناة للعديد من الأبرياء».
ووضع عدد من النجوم، بينهم مارك روفالو وبيلي ايليش ورامي يوسف والممثل الفرنسي سوان أرلو، دبوساً على ملابسهم يدعو إلى وقف إطلاق النار.
• الفيلم حقق إيرادات بلغت 960 مليون دولار في أنحاء العالم، كما حصد جوائز كبرى كثيرة في عالم السينما.