زينب سديرة.. صانعة أفلام تُحيي القصص المنسية
حول توثيق الذاكرة والبحث عن القصص المنسية والمهددة بالاختفاء والزوال، كرّست الفنانة المعروفة زينب سديرة خبرتها في مجال السينما لصناعة أفلام تناقش قضايا الهوية والهجرة والخصوصية الثقافية، كما في أعمالها التي ضمها معرض «طريقة للبقاء، طريقة للحياة»، الذي تم افتتاحه مساء أول من أمس، في المجمع الثقافي بأبوظبي، ويستمر حتى 8 مارس 2025.
وتسعى سديرة، التي وُلدت في عام 1963 لأبوين جزائريين ونشأت في فرنسا وتحمل الجنسيتين الفرنسية والجزائرية، إلى البحث في التاريخ الشفاهي عن قصص منسية لتجسيدها في أفلامها التي تمزج فيها بين التاريخ الرسمي والقصص الشخصية والعائلية، ما يخلق سرديات متعددة الأصوات تجمع بين الحقيقة والخيال، وهو ما يعبر عنه عنوان المعرض الذي يجسد رؤيتها للفن كطريقة للبقاء والحياة. موضحة خلال جولة إعلامية في المعرض، أن البحث في المواد الأرشيفية يتطلب فكراً ووعياً بأهمية هذا التاريخ وكيفية تقديمه بأسلوب يجسد هذه الأهمية ويجذب الجمهور للتعرف إلى هذه الصفحات المنسية من ذاكرة المجتمعات.
4 أفلام
يضم المعرض أربعة أفلام قدمتها سديرة في مراحل مختلفة من مسيرتها، بداية من فيلم «الأحلام ليس لها عنوان»، وهو عرض سينمائي شامل، وتم عرضه لأول مرة في الجناح الفرنسي في بينالي البندقية الـ59 في عام 2022، حيث تحول بهو المجمع الثقافي إلى عمل تركيبي يتضمن صندوق سينما بالحجم الكامل، ومزوداً بكابينة تذاكر ولافتات ودفتر تذاكر تاريخي، وهو ما يستدعي سينما «جان فيغو» و«ليه فاريتيه جينفيلييه» في فرنسا. كما يتضمن العمل تركيباً عبارة عن تصميم لمجموعة قديمة من بكرات الأفلام مستوحاة من مشهد من فيلم «F for fake» لأورسون ويلز، ويتضمن العبارة الأيقونية «هذا الفيلم يتمحور حول الخداع».
ويتناول فيلم الأحلام ليس لها عنوان، الحائز جوائز عدة، حياة سديرة الشخصية وتاريخ السينما المناهضة للاستعمار في الجزائر في سياق التحرّك ما بعد الاستعمار. وباستخدام أسلوب السيرة الذاتية، تتناول سديرة تجارب حياتها الشخصية على خلفية السينما التجريبية الطليعية وسرديات الشتات، فتستعرض لحظات محورية في حياتها، تتداخل مع مواقع وشهادات توثق معاناة الجزائريين من ممارسات الاستعمار، وموضوعات التحرير والتضامن في مواجهة هذه الممارسات.
نقل الذاكرة
أمّا الفيلم الثاني فهو «اللغة الأم»، الذي يُعد واحداً من أكثر الأعمال التركيبية شهرة لسديرة، وهو عرض ثلاثي الشاشة، يُعرض على كل منها حوارات مع ثلاثة أجيال من النساء: هن الفنانة نفسها ووالدتها وابنتها. حيث تظهر سديرة تتحدث الفرنسية على الشاشة الأولى مع والدتها التي تتحدث العربية باللهجة الجزائرية، وعلى الشاشة الثانية تظهر مع ابنتها التي تتحدث الإنجليزية نظراً لأنها وُلدت في لندن، أمّا الشاشة الثالثة فتعرض محادثة بين الحفيدة التي تتحدث الإنجليزية والجدة التي تتحدث العربية ويبدو الحوار بينهما مضطرباً، ليعكس العمل كيفية تطور نقل الذاكرة نتيجة تحوّل اللغات عبر الأجيال.
أمّا فيلم «حافظو الصور»، فيتناول حياة المصور الجزائري محمد قواسي وأعماله الفنية، والتي تزداد أهميتها لكونه كان المصور الجزائري الوحيد في تلك الفترة وقام بتسجيل الأحداث بعيون وطنية، ويصور الفيلم أرملته صفية وهي تتحدث عنه من خلال مقابلة مؤثرة، تدمج بين الحياة الشخصية والمهنية.
والفيلم الرابع هو فيلم «ميز أون سين»، وهو تجميع لقطات من الأرشيف للأفلام المناهضة للاستعمار في الجزائر خلال ستينات القرن الماضي، ويقدم سرداً جديداً يسلط الضوء على اللحظات التاريخية المحورية للجزائر والروح التعاونية لصانعي الأفلام المناضلين. فيما جاء الطابع المؤثر للفيلم، حسب سديرة، نتيجة لانعكاسات الزمن على الفيلم الأصلي، أو كما وصفته بأنه بمثابة استعارة لتآكل الذاكرة وتحديات الحفاظ على الأرشيف.
وأشارت سديرة إلى أن «ميز أون سين»، يضم مقاطع من أول فيلم جزائري بالألوان بعد تحرير الجزائر وتم عرضه في ذلك الوقت ثم اختفت نسخه، فقامت بالبحث عنه وعثرت عليه وحولته إلى نسخة رقمية ثم إلى أنالوج مرة أخرى، حيث ترى أن الأنالوج هو الشكل الأكثر استمراراً وقدرة على البقاء عبر الزمن.
• أفلامها تمزج بين التاريخ الرسمي والقصص الشخصية والعائلية، ما يخلق سرديات متعددة الأصوات تجمع بين الحقيقة والخيال.