«حورية البحر» تسبح إلى موسكو و«تيرا نوفا» يغرق بالدماء
فيلمان روسيان تحملهما مسابقة الشرق الأوسط للأفلام الروائية، الأول يغوص في البحر ويخرج علينا بـ«حورية البحر» الاسم الذي اختارته المخرجة الروسية آنا ميليكيان لثاني أفلامها، بينما يحمل الثاني عنوان «تيرا نوفا» لألكساندر ميلنيك، حيث المستقبل يزيد من جرعة الوحشية، ويضفي على البدائية أبعاداً جديدة ليس للزمن أن يمحوها بقدر ما يعززها.
فيلم «حورية البحر» دعوة للاحتفاء بالطفولة، بالحكاية المبنية من أولها إلى آخرها حول أليسا وتحولاتها ذات اللمسة السحرية، فهي كانت سمكة في رحم أمها كما قالت لها، لا لشيء إلا لأن الفيلم يبدأ مع امرأة بدينة جداً، تمضي إلى البحر لتسبح به عارية، فإذا ببحار ينتظرها على الشاطئ، وعليه يترتب على علاقتها العابرة به، والتي تحدث داخل البحر، ابنة اسمها أليسا لن ترى والدها أبداً، كونه جاء بها إلى هذا الكون واختفى. ومضت أليسا الصغيرة تنتظره مع قدوم كل باخرة، تبحث عنه بين البحارة، وتحلم في الوقت نفسه أن تصير راقصة باليه، إلا أن أمها تفوّت عليها الفرصة، فتضعها في كورس غنائي، وغير ذلك مما يمضي بأليسا إلى أن تتوقف عن الكلام تماماً بملء إرادتها. أليسا تحرق بيت أمها لأن هذه الأخيرة تقيم علاقة مع بحار ظنته أليسا للوهلة الأولى أنه والدها.
تمتلك أليسا شيئاً من السحر، تبصق على البحر فيثور ويتحول الأمر إلى إعصار لا يبقي شيئاً من بيتها على الشاطئ، وعليه تنتقل مع أمها وجدتها إلى موسكو، وتكون قد بلغت الثامنة عشرة، وعليه صارت تعمل أعمالا بسيطة وعجيبة، منها أن ترتدي مجسم هاتف متحرك دعائي، وتمضي تراقب الناس من خلفها، وفي مقاربة لموسكو كما صارت إليه حيث الإعلانات في كل مكان، ونمط الحياة الحديث طاغ، وغير ذلك مما يترافق مع صمتها وفصول حكايتها التي قسمتها ميليكيان كاتبة السيناريو أيضاً حسب المراحل العمرية لأليسا.
قصة الحب التي تعيشها أليسا تنهل من أسطورة مفادها أنها إن رمت نفسها في البحر من أجل حبيبها فإنها ستتحول إلى حورية، وهذا ما يحدث عند تكون واقفة على الجسر ويأتي شاب ويرمي نفسه في البحر فترمي نفسها خلفه، وليكون حبها على قدر هائل من الأسى، وملاحقة هذا الشاب الذي يملك شركة لبيع الأراضي على سطح القمر.
فيلم «حورية البحر» يحمل جماليات كثيرة، وتترافق فصول حياة أليسا مع توثيق لموسكو الآن، للحياة الجديدة التي يمكن لها أن تضيق بسحر آليسا وعاديتها في آن معاً، ولتكون أيضاً على ما يلتقي مع«إميل بولان» فيلم جان جين بيير جانوت.
بالانتقال إلى «تيرا نوفا» فإن الحديث هنا سيمسي مغايراً، وستكون المساحة مفتوحة أمام الكثير من الدماء المراقة، لا بل إن الفيلم وبما يشكل أغلب فصوله مفتوح أمام القتل والصراع بكل أشكاله، كون الفكرة المستقبلية التي صاغها كاتب السيناريو أريف أليف تكمن في تصوير ما توصلت إليه البشرية في عام 2013 من قرار مفاده إلغاء عقوبة الإعدام في جميع أرجاء العالم، والاستعاضة عنها بترحيل المحكومين بهذا الحكم إلى جزيرة قطبية نائية اسمها «تيرا نوفا»، حيث يتركون هناك مع مؤن كثيرة.
يبدأ الفيلم مع 200 سجين روسي يلقون هذا المصير، ولعل القسوة والوحشية تبدأ من اللحظة الأولى، ومن كون كل هؤلاء القتلة والأشرار والمتوحشين يعيشـــون على جزيرة واحدة، وعليه تنشب صراعات لا متناهية بين السجناء، ويراق من الدم ما يكفي ليصبغ البحر بالأحمر، إلى أن تنتصر فئة على أخرى، ويقوم المنتصرون باحتجاز الآخرين وتحويلهم إلى سجناء، ومنع الأكل عنهم، عدا جثث من يقتل منهم، كون آخر من يدخل المهجع يقتل ومن ثم يقطع ويشوى ويقدم إلى السجناء.
على مسار مواز لكل ما تقدم، يبقى التركيز قائماً على إيفان جيلين «قسطنتين لافرونينكو» الذي ومع وصوله إلى الجزيرة يحزم أمتعته ويمضي للعيش وحيداً، وتحت قسوة المناخ، وتعرضه هو نيقولاي (أندريه فيسكوف) الذي ينضم إليه لشتى ضروب العذاب من جوع وعطش، يعود كلاهما إلى من تركوهم وليصبحوا من السجناء.
جيلين ينجح بدهاء في الانقلاب على القرد «بافيل سبورشيكوف» والذي يقتل كونه طاغية هذه الجزيرة، وهو الذي صنع ما صنع من قتل وفتك. يكتشف جيلـــين في الجزيرة طائرة محطمة، وعليه يحلم بالهرب بعد إصلاحها والطيران بها، خصوصا أنه طيار سابق. فيلم ميليك حافـــل بكل ما له أن يأتي من طبيعة إنسانية مبنية على انتصار القوي، والرغبة المتواصلة في التملك، والثنائية الحاضـــرة دائماً «سيــد/عبد»، وله أيضـــاً أن يكون أيضاً محاولة لقراءة المقبل على هدي النظام العالمي الجديد وخاصة مــع وصول السجناء الأميركان في نهاية الفيلم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news