«في غاية السعادة».. قتل بمنتهى الحب
ضع البشر في عزلة وسترى، ولتكن المسافة هي من يقرر القوانين والأعراف، مسافة تبتعد عن كل شيء، هذا إن كان من شيء يحدث، إنها السكينة والهدوء، وبالتأكيد الوقت المتوقف الذي إن تحرك فإنه سيمضي على إيقاع خاص يقرره.
مقدمة سريعة لفيلم دنماركي عرض ضمن أفلام مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في الدورة الثانية لمهرجان الشرق الأوسط في أبوظبي أخيراً، ولها ـ أي هذه المقدمة ـ أن تكون صالحة لفيلم أميركي مثل «فارغو» أو أفلام أخرى تتخذ من المكان المنعزل وسكانه مساحة لتقديم قصة تنسج وفقاً لخصوصية مناخية أو جغرافية يكون البشر مطبوعين بها.
فيلم «في غاية السعادة» الذي أخرجه هنريك غيتز، يمضي في هذا السياق، ويجعل من قدوم شرطي جديد إلى بلدة نائية في الريف الدنماركي، بداية لقصته، التي ستجعل من هذا الشرطي روبرت (جاكوب سيدرغرين) الذي يتعرض لعقوبة تأديبية، عاملاً خارجياً نكتشف معه قوانين تلك البلدة، ومع تورط روبرت مع انغلريس زوجة واحد من أكثر سكان البلدة مهابة، يتضح كل شيء، وتمضي عقدة الفيلم إلى الحل وفق املاءات ما يبدو خافياً في البداية.
يحمل الفيلم شيئاً ملتبساً دائماً، ولعله يتحرك ضمن هذه الصفة، ليقدم شيئاً جديداً، فهو لا يقول الأشياء بصوت عال بل همساً ، بمعنى أن قصة الحب التي تنشب بين روبرت وانغلريس تبنى أمام أعيننا بصمت ورقة وهدوء، ومع تعرض انغلريس للضرب دائماً من قبل زوجها، فإن هذا الفعل لا يبدو ظاهراً بالمعنى المادي، بل تبدو آثاره على وجهها حين تلجأ إلى روبرت بوصفه شرطياً أو الشرطي الوحيد في القرية، ومن ثم عشيقاً لا نشهد فصول عشقهما، وأثناء تعرض انغلريس للضرب، نرى ابنتها الوحيدة تتجول في البلدة تجر عربة يصدر عن عجلاتها صرير عال.
كل ما يحيط بروبرت يكون غريباً ومثيرا للريبة، جميع الشخصيات المحيطة به تشتمل على قدر من الغرابة، الزمن معطل، حفنة منهم يمضون يومهم في الحانة، وآخرون لا يتوقفون عن لعب الورق، وما من مشاكل تحدث هنا، سوى إقدام طفل على سرقة قطعة شوكولا، وبالتالي يستدعى لمعاقبة هذا الطفل الذي يحتجزه صاحب المتجر، وحين يوبخه فقط، يقول له صاحب المتجر إن هذا لا ينفع هنا إذ عليه أن يضربه بقوة، وهذا ما يفعله روبرت في المرة الثانية.
ذروة قصة الفيلم تحدث لدى ذهاب روبرت إلى بيت انغلريس، بعد أن يأتي زوجها ويأخذها من قسم الشرطة مبدياً أسفه على ضربها، لكن وعندما يرى روبرت ابنة انغلريس تتجول بعربتها، فإنه يدرك بأن زوجها عاد إلى ضربها، فيمضي إلى بيتها، وليجد بالفعل أنه ضربها ضرباً مبرحاً، وأن الزوج في حالة سكر شديد.
عندما يتفقد روبرت أنغلريس في سريرها يقع بينهما المؤجل وينغمسا في حب محموم، لكن ومع ارتفاع صوت زوجها الذي يكون في الغرفة المجاورة، فإنه يضع مخدة على وجه انغلريس لئلا يصدر عنها أي صوت يفضحهما، لكنه بذلك يكون قد خنقها من دون أن يقصد.
كل شيء بعد ذلك يمضي بمصلحة روبرت، كل البلدة تقتنع في البداية بأن زوجها من قتلها، وتسود الفيلم حالة تواطؤ عامة، وليكتشف روبرت أن للبلدة قوانينها الخاصة، فهو ينجي زوج انغلريس من العقاب، إلا أن سكان القرية يصرون على معاقبته، ولنكتشف في النهاية أن كل من في البلدة يعرف ما الذي حدث حقيقة، وأنهم يساعدونه في إخفاء آثار الجريمة الثانية التي يتورط فيها روبرت وهي إقدامه على قتل زوج انغلريس والذي بدوره يكون أيضاً على معرفة بأن القاتل الحقيقي لأنغلريس هو روبرت.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news