«خلطة فوزية».. نسوية البؤس وجماله
لعل الحديث عن الواقع في السينما المصرية، حالياً، يجعل من «العشوائيات» مساحة حيوية لتسليط الضوء على ما يشكل شاغلاً لأفلام تناولتها مثل «هي فوضى» و«حين ميسرة»، وأخرى مقبلة وعينها على ما تفرزه تلك التجمعات البشرية من علاقات اجتماعية، يشكل الفقر فيها مظلة سوداء للمصائر والحيوات.
جديد المخرج المصري مجدي أحمد علي «خلطة فوزية» الذي فازت بطلته ومنتجته إلهام شاهين بجائزة أفضل ممثلة في الدورة الثانية من مهرجان الشرق الأوسط، يتخذ من العشوائيات أيضاً مساحة لأحداثه، لكن في تمركز لتلك الأحداث حول امرأة استثنائية هي فوزية نفسها (إلهام شاهين)، وخلطتها العجيبة التي تتخطى المربى وما تطبخه إلى خلطة من الأزواج والمصائر والتي تكون في النهاية متمحورة حولها.
فيلم «خلطة فوزية» الذي كتبته هناء عطية يستند في قوته الرئيسة إلى السيناريو، والذي من البداية يمضي إلى إضاءة من هي فوزية، عبر زواجها من أربعة رجال على التوالي وتطليقهم واحداً بعد الآخر، بعد أن يخلف لها كل واحد منهم ابناً أو ابنة، وعليه تكون فوزية نموذجاً لامرأة تمتلك قرارها، لها أن تتزوج وتطلق ساعة تشاء على عكس المتعارف عليه، وأمام هذه الاستثنائية تتوالى أحداث الفيلم في سرد رشيق وكوميدي، لحياة هذه المرأة التي تتواصل مع أزواجها السابقين عبر اجتماعهم في بيتها كل أسبوع، وفي حفاظ منها على تواصل أبنائها مع آبائهم، وتخصيص لكل واحد منهم ما تمليه ذكرياتها معه كأن تطبخ له ما يحب، وعلى شيء من الدور الذي يطال كل أسبوع واحداً منهم تكون الطاولة حاملةً لطبخته المفضلة.
إصرار الفيلم على رشاقته، يدفع به إلى رصد الواقع دون سوداوية أو ملاحقة للبؤس بفجاجة، ولعله أقرب إلى الواقعية التي تبحث عن أدوات الفرح في ذاك المناخ، لئلاّ نصف تلك الواقعية بالسحرية التي حاول الفيلم تقديمها في مشهد تساقط التوت من السماء أو طيران ابن فوزية بكرسيه المتحرك ووفاته، والتي جاءت مرتجلة وغير موفقة لأسباب تقنية خانت فيها الصورة الفكرة، واستكمالاً للطريقة التي قارب بها الفيلم الواقع، فإن بؤس فوزية له أن يتمثل بكونها محرومة من حمام خاص بها، فالحمام في الحي مشترك بين جميع البيوت، ولإخراج فوزية من حزنها على فقدانها ابنها يكتشف آخر أزواجها (فتحي عبدالوهاب) أن أفضل ما يفعله بمساعدة أزواجها الثلاثة المتبقين هو بناء حمام خاص ببيت فوزية بعد قيام الشرطة بهدمه في المرة الأولى كونه غير مرخص.
مآسي الفيلم تتمثل بوفاة الابن، وأحد الأزواج وهو السمكري المرح (عزت أبو عوف) الذي يحمل في جيبه صورة له مع رشدي أباظة، والذي تصيبه رصاصة طائشة ليلة زفافه من قليلة الحظ (غادة عبدالرازق)، وجميعها تأتي في مسار لطيف، لا يمضي قرب الكارثة بقدر تحويل مقتل السمكري إلى طيف يزور فوزية وبيده وردة حمراء.
نهاية يجب التأكيد أن في فيلم «خلطة فوزية» شخصيات كثيرة تجتمع جميعاً على حبها للحياة رغم قصر ذات اليد، هناك الراقصة المتقاعدة (نجوى فؤاد)، والشخصية التي جسدتها (عبدالرازق) والتي حين تضيق بها سبل الزواج تسأل فوزية أن تقاسمها زوجها، وغير ذلك مما تمليه الظروف الاجتماعية لازدحام الحي، وانعدام الشروط المعيشية الرئيسة، والتي تجتمع في النهاية بالخروج بكل ما هو جميل ومفرح في هكذا حياة قاسية، وإلى الحد الذي لا تغيب فيه الكوميديا عنه.