حس وجودي في قصائد نوري الجراح
تكاد قصائد الشاعر السوري نوري الجراح التي اختار لها عنوان «رسائل أوديسيوس» تؤرخ لحسّ وجودي ومشاعر متناقضة، في هجراته بين مدن عربية وأجنبية. كما تحيل القارئ الى فيض من قلق ومعارف وفلسفات وأساطير. وتتفاوت القصائد طولا وقصرا وفقا لتلك الحالة. ولعل قصيدة «رايات» التي كتبها في نيقوسيا عام 1985 من أقصر هذه القصائد، وفيها يقول «في كل آخرة ليل يقبل من أرصفة ـ من ملاعب وراء الاشجار. تقول له الزوج.. كن ـ وتكون أسلابه وسباياه ورجاله المطأطئون رؤوساً. الفجر غزاة انتصروا على مدينة نائمة ـ برابرة نزلوا من الجبال برايات مزقها هواء قديم».
والمختارات التي تقع في 220صفحة متوسطة القطع صدرت في سلسلة «آفاق عربية» عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة، وتضم قصائد من ست مجموعات شعرية صدرت بين عامي 1986 و2004، اضافة الى قصائد من مجموعة لم تنشر عنوانها «أزل شامي خفيف».
ويرى الناقد السوري خلدون الشمعة أن هذه المختارات تمثل ما يسميه «الحداثة الثالثة المؤسسة لضرب من الشعرية العربية المنقطعة انقطاعا معرفيا عن قواعد التقطيع والعروض وما تواجهه من عقبات». وأن هذه القصائد تنطوي على بلاغة «هي بلاغة التحليق بلا أجنحة مسبقة الصنع. بلاغة شعرية الكينونة»، وهي السمة الابرز لما يسميه القصيدة الحرة تمييزا عن مصطلح «قصيدة النثر» الذي ما زال موضع التباس، على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على وجود هذه الكتابة ضمن متن الشعر العربي.
ويضيف في مقدمة عنوانها «رسائل أوديسيوس وشعرية الكينونة» أن مصطلح «قصيدة النثر على مستوى التنظير والممارسة ما زال فضفاضا. ولهذا السبب نفسه أرى أن من الافضل تجنب التعريفات الجاهزة التي تصادر على هذا الضرب من الشعر، وعلى امكانات تطوره الطبيعي.. ولا شك في أن هذه التعريفات لا تنطبق على قصائد يمكن اعتبارها قصائد حرة بامتياز، تمثلها تجربة الشاعر نوري الجراح في هذه المختارات أو في بقية شعره الى جانب تجارب شعراء آخرين من مجايليه».