مشهــراوي: الفلسطينيـون يبكـون مثل سائر الناس

يرى المخرج السينمائي الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي عاش وترعرع في مخيم الشاطئ في قطاع غزة، وتم عرض آخر افلامه (عيد ميلاد ليلى) في الدورة الثانية من مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، الذي اقيم أخيرا في ابوظبي، وحصل فيه على جائزة افضل سيناريو، ان السينما بالنسبة للفلسطيني على وجه التحديد «لا يجب حصرها بسرد قصة ما، بل يجب دمجها بالتعبير عن مكنونات النفس بالصوت والصورة، لنستطيع ايصال رسالتنا بشكل واضح وحقيقي». مشهراوي الذي قال في حوار مع «الإمارات اليوم»: «ان الإخراج بالنسبة إلي جاء بمحض المصادفة، ولكنني كنت استشعر انه سيكون الوسيلة شبه الوحيدة لأنقل معاناة شعبي جراء الكبت الناتج عن الاحتلال، والرغبة الجامحة في الحياة»، مؤكداً ان السينما في الوقت الحالي «اصبحت من اخطر الوسائل الفنية لإيصال رسائل محددة تعجز عن ايصالها الوسائل المرئية الأخرى، كالإعلام على سببيل المثال». ويرى مشهراوي ان علاقة الفلسطيني في الداخل مع الاحتلال الصهيوني تتلخص باعتبار «اسرائيل حادثة مؤقتة ستزول قريبا، على الرغم من ان وجودها طال». وأضاف انه عمل دائما على انسنة الفلسطيني، واظهار تفاصيله العادية، حتى ان البعض هاجمه حين انهى احد افلامه بصورة مواطن فلسطيني يجهش بالبكاء.

واقع وسلاح

ويقسّم مشهراوي تاريخ السينما الفلسطينية الى قسمين «سينما خارج فلسطين، وسينما داخل فلسطين واقعة مباشرة تحت الاحتلال»، موضحا أن «السينما خارج فلسطين كانت اغلبيتها مناضلة، وانا اسميها سينما (ثورة حتى النصر) والتي كانت ملأى بالشعارات واللقاءات مع المناضلين، وكانت اغلبيتها مسيّسة، وتابعة للأحزاب المختلفة، والمناضَلة الفلسطينية، بل حتى انها كانت جزءا من المنافسة بينهم». اما بالنسبة إلى السينما داخل فلسطين، فقال إنها «بدأت ـ بلا فخر ـ مع الجيل الخاص بي مع ميشيل خليفة، كانت تحت الاحتلال المباشر العسكري الذي كان ـ ومازال ـ القاضي والحاكم في جميع تحركاتنا»، مؤكدا «هذا الاختلاف بين واقع السينما بين الداخل والخارج، قسّم اهتمامات السينما وتحوراتها، بحيث اصبحت سينما الخارج سينما توثيقية من شهادات عيان، اما سينما الداخل فحكت فلسطين تراثا وهوية ومشاعر».

واعتبر مشهراوي ان العالم لمس السينما الفلسطينية من «افلام ميشيل خليفة التي شاركت في مهرجانات عالمية عدة، والتي كانت ترصد الحياة الفلسطينية وشارعها بسلبياته وايجابياته». وأضاف «رصد خليفة الفلسطيني الذي يضحك ويبكي، وليس فقط المكبوت والمقهور من جراء الاحتلال واستطاع، وانا معه، تجسيد الهوية الفلسطينية التي هي اساس الصراع من خلال ابراز ثقافتنا وجغرافيتنا وتراثنا ولهجاتنا المختلفة»، مؤكدا «نحن شعب كبقية الشعوب، لدينا احاسيس ومشاعر، ولسنا كلنا بمناضلين وحملة اسلحة، وهذا ما نريد ان يراه الآخر، لنقنعه بقضيتنا».

مخرج بالمصادفة

وأكد ان عمله في الإخراج جاء بمحض المصادفة «كنت فنانا تشكيليا، لا يهمه الا رسم مخيم الشاطي في غزة، وبعض الوجوه والمشاهد»، وأضاف «ولكنني ومنذ تعرفت إلى المخرج الفلسطيني ميشيل خليفة الذي كان بالنسبة إلي انموذجا بالفعل وليس بالخطابات، حيث انه درس الإخراج في بلجيكا وتنقل هنا وهناك، عملت معه مساعداً في انتاج افلامه، وتعلمت كيف ارصد الحدث، وانقله بطريقة تخدم ما كنت اريده بالتحديد». وأضاف «صنعت اول افلامي السينمائية الذي حمل عنوان (حتى اشعار آخر) الذي عرض في مهرجانات عربية وعالمية عدة».

وأشار مشهراوي «جيل خليفة وجيلي غيروا نظرة الفلسطيني والعربي للفيلم الفلسطيني»، موضحا «صنعت فيلما وثائقيا حمل عوان (در ودور) في عام ،1990 اي قبيل انتهاء الانتفاضة الأولى وبداية حرب الخليج». وأضاف «كنا مكسورين والمشروع الفلسطيني كله كان قابلا للانقراض»، مؤكدا «انا ضد الحرب على الكويت، ولكنني كنت لا افهم صيغة ان اقف ضد شخص يريد قصف اسرائيل التي تحتلنا، فقد كنا كفلسطينيين في حالة لديها خصوصية فلسطينية عالية في كل تموجاتها»، مؤكداً «صنعت الفيلم لأبرهن سلوك الشعب الفلسطيني الذي كرهه الناس لوقوفه مع العراق، ومثلت ذلك كله في رجل ينهي مشاهده وهو يبكي، فكانت الكارثة بالنسبة إلى رجالات الثورة والسلطة، بصورة الفلسطيني يبكي، وهاجموني بأن الفلسطيني لا يبكي وكأننا لسنا من البشر، لدينا احاسيس ومشاعر نعبر عنها». وأضاف «الى ان تم عرض الفيلم في القناة الرابعة البريطانية التي جاءتها تهديدات من قبل السفارات الإسرائيلية في دول اوروبية عدة، ناهيك عن التجمعات الصهيونية التي كانت تقام امام مقر المحطة، بأنهم يريدون الإثبات للبريطانيين ان هذا تمثيل، والفلسطينيون لا يبكون لأنهم ارهابيون، ومتبلدو المشاعر». وأكمل مشهراوي حكاية الفيلم «قررت تونس ان تنسخ الفليم وتوزعه على جميع السفارات الفلسطينية في مختلف الدول ليتم عرضه في الاحتفالات الخاصة، واستطعت ان اغير النظرة الى الفلسطيني واظهر جانبه الإنساني»، مؤكدا «وانتقلنا بالفعل من الأفلام التي كانت تغص بالشعارات الى افلام تعكس الواقع الذي نعيشه، واستطعنا ان ننافس عالميا».

وأضاف «فيلم حيفا الذي اخرجته كان من ضمن الاختيارات الرسمية لمهرجان كان السينمائي»، مؤكدا «وصلنا الى مرحلة لا نستطيع ان نقول عن اعمالنا انها مجرد محاولات، بل ـ وبكل فخر ـ نحن شعب قابع تحت الاحتلال، ولديه سينما منافسة عربيا وعالميا».

خلق جيل سينمائي

بعد ان دخل مشهراوي الإخراج منذ اكثر من 20 عاما، قرر ان تكون له يد في جعل الفلسطينيين يحبون السينما، ويصنعونها إن امكن، موضحاً «في عام 1998 قررت تأسيس مركز (الإنتاج والتوزيع السينمائي الفلسطيني) لتدريب السينمائيين والهواة لصناعة الأفلام الفلسطينية»، عائدا للوراء بتساؤل تعجبي: «هل تصدقوا ان غزة في يوم من الأيام كانت تضم دور سينما كبيرة مثل سينما الجلاء وعامر وغيرهما، ولكن تم تدميرها بآلات الاحتلال الصهيوني؟»، عائدا للحديث عن مركزه «بما اننا لا نحظى بدور سينما جيدة في فلسطين قررت ان اصنع سينما متنقلة عبر بروجكترات داخل سيارات خاصة تجوب مدارس وجامعات غزة والضفة والقدس، تُعرض من خلالها افلام خاصة للطفل بهدف تأسيس جيل يشاهد السينما، وافلام للكبار ايضا». وأضاف «قررت ان اجعل من المركز ورشة تدريب مستمرة، ابدأها بأفلامي الخاصة وافلام الآخرين، وكنا نأتي بمتخصصين بالسينما من كل فلسطين لإلقاء محاضرات منظمة اشبة بالدورات التعليمية للطلاب»، مؤكدا ان المركز وصل الى مرحلة صناعة 16 فيلما في السنة تستحق المشاركة في المهرجانات.

وعن تعرض المركز لمضايقات ومشكلات، قال مشهراوي «بكل تأكيد، ولكننا لم نكن نبالي ومازلنا مستمرين». وأضاف «المشكلة الحقيقية التي تعرضت لها كانت من الطلاب انفسهم، إذ كان لا يهمهم الا صناعة افلام تستند إلى ردود افعالهم من الاحتلال»، موضحا «لم اكن ضد، ولكنني توجهت اليهم بأن فلسطين يوجد فيها اكبر تجمع اعلامي عالمي، وينقل ما نتعرض له بشكل يومي ومباشر، وعلينا كصناع افلام ان نفكر بطريقة مغايرة بأن نحكي الفعل نفسه والحكاية نفسها، وليس ردود الفعل عليهما». وبتأثر يضيف «يجب ان يفهم العالم اننا الحكاية، اننا الهوية التي هي لهجاتنا المختلفة، وفلكلورنا، ونكاتنا، وقصصنا التي يجب ان تثبت في الذاكرة».

وأضاف «كنت أحذّر الطلاب من اننا لا نريد ان يتعاطف معنا الشعب العربي العاجز وحكوماته، لا نريد جوائز ترضية، نحن شعب لديه ايجابياته وسلبياته، ويجب الا نساعد العربي لنحل مشكلته الضميرية تجاهنا».

وأوضح «بأفلامنا التي تحكينا سنحصد الجوائز العالمية من دون شفقة او رأفة، لأننا سنحكي الحقيقة ولا شيء غيرها».

الأرض تنادينا

وقال مشهراوي انه يسعى، ومجموعة من صنّاع الأفلام ان يثبتوا الحقيقة بطريقة مختلفة «في ان الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي ما هو الا عبارة عن حادثة عابرة اطلق عليها اسم اسرائيل منذ زمن ويجب ان ترحل عنا، يكفي أنهم أطالوا المكوث كثيراً».

وأضاف «الإسرائيلي معنا يريد ان يثبت للعالم ان الأرض له من خلال اسلحته وعلاقاته الخارجية ووقوف اميركا الى جانبه، ولكنا الذنب ليس ذنبنا، اذ أن الأرض نفسها هي التي تنادي الفلسطيني»

وأكد أن «هذا النداء لا تستطيع نقله الا لغة السينما»، وأضاف «اسرائيل بنت جدارا ولكنني شخصيا لا اراه، فزوجتي الفنانة عرين العمري من الناصرة تعيش في رام الله، والجدار لم ولن يستطع ان يفصل بيني وبينها»، مؤكدا «السينما تملك ارض الحكاية عندما نسرد قصتنا»، موضحا «عندما اريد ان احكي قصة جدي الذي كان يعيش سابقا في يافا قبل لجوئه إلى غزة، وكيف احب جدتي وخطفها، حينها لم تكن اسرائيل موجودة ايضا، بل كانت توجد الحكاية التي هي دليل قاطع على هويتنا، وهي القصة التي يجب ان يسمعها العالم كله».

وحول اذا ما كان الفيلم قادرا على ان يحل المشكلات، خصوصاً التي تعانيها فلسطين بين غزة ورام الله، قال مشهراوي «فيلم واحد لن يحل مشكلة، لكن وجود 100 فيلم ستساعد، السينما قضيتنا العادلة اكثر من خطابات السياسيين».

تويتر