«حلمي».. ألف يد من الصين تمتد للسلام
88 عضوا بين راقص وعازف وفنان من ذوي الاحتياجات الخاصة، بينهم الطالب والموظف والعامل، حولوا انتصارهم على الإعاقة إلى عرض مسرحي ملهم، قدمته على خشبة مسرح قصر الإمارات، في أبوظبي، أول من أمس، تحت رعاية الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الفرقة الصينية لذوي الاحتياجات الخاصة، في عرض فجّر أحاسيس الجمهور الذي تعددت لغته ولونه وجنسيته، فالهدوء الذي رافقه البكاء أحيانا، والتصفيق وقوفا أحيانا كثيرة، كانتا علامتين ميزتا الحفل، وميزتا الجمهور، الذي احتفى بالإرداة القوية التي لم تقف أمام الاعاقة، وهي رسالة عمل كل فرد من الفرقة على تأكيدها، متوجهين من دون إحساس بالنقص الى الجمهور بشكل درامي داعين إياهم إلى الوقوف الى جانبهم بقلوبهم، ورغم أنهم لا يسمعون التصفيق ولا يشاهدون دموع المتفرجين فقد استطاعوا أن يثبتوا أن الموسيقى لغة عالمية توحد الشعوب، بعنوان حفلهم الذي حمل اسم «حلمي»، وتلخص بدعوة إلى المحبة والاخاء من خلال لوحات فنية، حملت ترجمة فورية بالاحرف على شاشات عرض تلفزيونية، ومزج العرض بين الموسيقى والحركات البهلوانية والرقص والعرض الأوبرالي، وغيرها من أشكال الفنون التي حبست معها أنفاس الجمهور.
بداية الحلم
بداية حلم الفرقة الصينية لذوي الاحتياجات الخاصة، افتتح من خلال الطفلة جيانغ شين تيان التي لم تتجاوز 12 عاماً، وارتدت فستانا ابيض ظهرت فيه كملاك يشع وجهه بالنور، ولأنها عمياء فقد رافقتها مدربتها الى منتصف المسرح مترجمة كلامها بلغة الاشارة ولكن بشكل راقص، قالت في كلمتها وخلفية موسيقية ترافقها «الحياة عبارة عن حديقة ورود جميلة تتحدى الصيف منتظرة الشتاء لترتوي وتكبر وتمتع الاخرين بعطرها واشكالها الجميلة»، وأضافت «سنحكي لكم اليوم قصة الامس واليوم وماذا نحلم في المستقبل من خلال الموسيقى التي يفهمها الصغير قبل الكبير».
قدمت لوحة «الالف يد» سابقاً في الاحتفال بإقامة الالعاب الاولمبية في بكين، وهي بقيادة تابليهوا و20 فتاة اخرى، تايليهوا وهي فتاة مصابة بالبكم والصم أظهرت ومن خلال قيادتها للرقصة في صمت تام طهارة الإنسانية وشموخها، رقصة من الصعب وصفها بالكلمات، وبدقة في الحركات التي اعتمدت على ترجمة الموسيقى التي يسمعونها بلغة الإشارة من مدربيهم الذين وقفوا على أطراف المسرح، ولتأتي بعدها فقرة لغناء منفرد قدمته المعاقة حركيا زومولاتي تحت عنوان أسرار الحياة، حيث رافقت كلمات أغنيتها وصوتها الأوبرالي شريطا مصورا يظهر الية تدريب اعضاء الفرقة والضغوط التي يعانين منها، وعلى الرغم من ذلك فإن حبهن للحياة كان اقوى من كل الصعاب، وتفاعل الجمهور معهن، وصفق كثيرا لأن الرسالة التي وجهت اليه كان مفادها «اعطني يدك وقف الى جانبي لا أطلب منك أكثر من ذلك».
أجنحة للحياة
بعد رسالتي الحب ومد اليد جاءت رسالة السلام والصداقة التي لا تعرف حدودا؛ وهو نداء قامت به لوحة «اجنحة للحياة» التي ضمت خمسة اشخاص فاقدي البصر ويستندون إلى عكاكيزهم يدلون من خلال رقصتهم ان للجسد جمالا من نوع مختلف ، وحركة هذه الاجساد تستطيع ايصال رسائل لا يحصى لها مؤكدين «نريد السلام والصداقة التي لا تعرف حدودا بين الشرق والغرب».
وما ميز هذه اللوحة وأعطاها البعد الانساني هو ان جميع الراقصين حاولوا ايصال لغتهم الخاصة بهم من خلال الحواس الحية لديهم، فهم يتنشقون بحاسة الشم عبق الورود والطبيعة، ويستشعرون عذوبة البحر وملوحته من خلال اللمس والتذوق، ويلمسون بأيديهم وأرجلهم لفحات الهواء الباردة منها والساخنة، ويسمعون بأذنهم زقزقة العصافير وصوت الرياح. والأهم من كل ذلك أنهم وقت النوم يحلمون ويرون صورا لا يراها أحد غيرهم.
العصفور والفراشة
رسالة الأمل حملتها طفلة صماء من خلال رقصة روح العصفور، حيث ارتدت فيه فستانا أقرب الى الطاووس في تصميمه، هي لا تسمع الموسيقى ولكنها ترى معلمتها وهي ترشدها بالاشارات الخاصة، مترجمة لها كلمات الاغنية بحركات ارشادية، تابعتها «آن دي» وهو اسم الراقصة بدقة، ورافقت الجمهور بالالحان العذبة التي تدعو الى الامل، رقصت بشكل اقرب الى الباليه، قفزت وضحكت وملأت المسرح طربا بحركات جسدها التي تشبه العصفور الصغير الذي يقفز فرحا ويرتجف في بعض الاحيان خوفا، ولكن الامل هو الذي ينتشله من ذلك الخوف ويجعله يطرب حبا وتعلقا بالحياة.
وفي عرض مسرحي قدم الراقصان تاي لي هوا وتشاو لي غانغ الأوبرا الراقصة «التحول الى الفراشة» في عرض جاء بين الباليه والكيلاكيت وبعضا من الحركات البهلوانية، ويتقدم 10 اشخاص يرتدون الاسود وعلى ايديهم قماش من اللون الاخضر الفاقع الذي يظهر بوضوح تحت العتمة مشكلين من خلال الضوء اشكال لفراشات متنوعة الحجم وهي تطير حول الراقصين اللذين تحولا الى فراشتين كاملتين بالوان زاهية وجميلة.
«الشتلات الخضر»
وقدم هوانغ يانغ الذي فقد ذراعيه في سن الخامسة اثر صعقة كهربائية، مع 17 فنانا من فاقدي حاستي السمع والنطق، لوحة فنية اسمها «الشتلات الخضراء» في مواجهة منه لتحديات الحياة من خلال ساقيه. حيث استطاع يانغ ان يحمل الشتلة الخضراء على كتفه ويروي الحديقة من خلال حمله للابريق برجليه وبمساعدة باقي الفرقة استطاعوا أن يصنعوا حديقة جميلة مليئة بالزهور والطيور والفراشات.
ومن العروض المميزة ايضا عرض حمل عنوان «مفترق الطرق»، قدم من خلاله راقصان من الصم والبكم عرضا مسرحيا اقرب الى المبارزة الصينية، رافقته موسيقى معزوفة بآلات صينية تقليدية قديمه قدمتها بتناغم واضح فرقة من فاقدي البصر. كما قدم عازف الساكسفون وانغ تشي، الذي فقد بصره اثرحادث سيارة قبل 14 عاما، معزوفة منفردة اثلج بها قلوب المستمعين، وقدم ألحانا عالمية ايطالية وإسبانية بشكل مهني ومؤثر.
ولا يمكن تجاهل عازف البيانو الاعمى سون يان الذي لا يرى مفاتيح البيانو السوداء والبيضاء، وعلى الرغم من ذلك فهو قادر على اللعب بالمفاتيح وكأنه يراها، والمطربة تشولي التي فقدت البصر اثر روماتيزم أصابها وهي صغيرة اضطرت ان تلزم السريرعلى اثره لمدة 10 سنوات، إلى أن اكتشفت ان صوتها جميل وقررت ان تتحدى اعاقتها وتلتحق بالفرقة الصينية.
وبعد 15 فقرة غنائية متنوعة بين غناء فردي ولوحات راقصة وعروض بهلوانية، قدم رؤساء الفرق جميعا أغنية حملت عنوان «نحن جميعا في العالم من اسرة واحدة»، حكوا من خلالها رسائلهم التي تضمنت الحب والسلام والأخوة ومد الأيدي للوقوف الى جانبهم، ملوحين بأعلام الصين والامارات التي رفعوها عاليا ناثرين ضحكاتهم وابتسامتهم الى وجوه لا يرونها او يسمعونها، ومع ذلك استطاعوا ان يشعروا مدى الرضى والاعجاب من قبل كل من شاهد الحفل، والذي فاجأ الحضور بالفعل كان قيام جميع اعضاء الفرقة بوداعهم الى باب القصر، بتواضع ومحبة ملوحين بايديهم بإشارة السلام.
يا دار زايد
المطرب الأعمى يانغ هياتو، الذي فاجأ الحضور بصوته الجميل والعذب والقادر على التنوع في الطبقات صعودا وهبوطا، من دون اي عناء، وهو يغني اغنية حملت عنوان استقبال المولود الجديد وأغنية الجنة التي كانت كلماتها «انا فعلا لا اراك ولكني متاكد من انك تراني، انا لا اسمعك ولكني استشعر انك تسمعني، لا أرى ظلك ولكني على يقين انك تقف الى جانبي وتساندني وتنقذني إذا كنت بجانب حفرة، هل تعلم ما معنى هذا ؟ معناه انني اعيش في الجنة». وليفاجئ هياتو الجمهور بعد انتهائه من اغنيتيه بأغنية « يا دار زايد» التي غناها باللهجة الاماراتية، مما ادى الى هز مشاعر الحضور الذي لم يخف اصوات بكائه، ومصفقين بحرارة كبيرة لهذه اللفتة التي دلت على مدى الرضى النفسي لشفافية هذه الفرقة التي تسعى إلى إسعاد الاخرين.
وبعده جاءت فرقة موسيقية من فاقدي البصر ايضا وقدمت مقطوعات عالمية من بينها سيمفونيات وموسيقى اغنية عبدالحليم حافظ الشهيرة «أنا كل ما اقول التوبة».