<p align=right><font size=1>حب في عمّان بين عميل أميركي وفتاة من أصول إيرانية.أرشيفية</font></p>

«متـن الأكاذيب».. لا أحد يحب الشرق الأوسط

إن كان للحيرة أن تعتري من يحاول الاقتراب من فيلم المخرج البريطاني ريدلي سكوت Body Of Lies (متن الأكاذيب) الذي يُعرض حالياً في دور العرض المحلية، فإن تبديدها يبدأ من عنوان الفيلم، ما دام هنا الإصرار على المتن بوصفه مملوءاً بالأكاذيب، وعدم الالتفات إلى الهامش بوصفه نقيضاً أو صادقاً ربما، ما يقودنا مع ارتباط العنوان بمضمون الفيلم، إلى أن الحرب على الإرهاب ملأى بالأكاذيب.

لكن الحيرة السابقة الذكر لن تتبدد ما دامت الأكاذيب متعلقة بقيام عميل «سي آي إيه» روجر فارس (ليوناردو دي كابريو) باختلاق شبكة إرهابية وهمية، للإيقاع بالشبكة التي يلاحقها في الأردن، ولدرجة تبنيها(أي الشبكة الوهمية)، تفجيراً في تركيا يكون من إعداد «سي آي إيه»، بحيث تكون الضحايا جثثاً مسبقة، وغير ذلك مما يخرج به روجر من جراء تعقبه لما يعرف بشبكة السليم.

يرتكز فيلم سكوت على ثلاث شخصيات رئيسة، هي أولاً روجر العميل السابق الذكر أو بطل الفيلم، الذي نقع عليه أولاً في العراق ثم ينتقل إلى الأردن، ويكون تحت إمرة إيد هوفمان (راسل كرو) الشخصية الرئيسة الثانية، والذي يسأله روجر دائماً الاستقلالية، وإطلاق يده في عمليته في الأردن المتمثلة بإلقاء القبض على «السليم» وشبكته الإرهابية التي تكون متهمة بتفجيرين الأول في مانشستر والثاني في امستردام بديلاً عن تفجيري لندن ومدريد، وليحضر على الفور هاني (مارك سترونغ) ضابط الاستخبارات الأردنية، صاحب السطوة والخصوصية، والقادر على الإمساك بكل الخيوط.

بين هؤلاء الثلاثة تتضح ثلاثة آراء في الحرب على الإرهاب، فروجر يثق بهاني، ويرى أن تعاونه معه سيكون مثمراً، هوفمان لا يثق بأي عربي أو شرق أوسطي، كما أن إصرار روجر على الوفاء مع المتعاملين معه يواجهه دائماً هوفمان بالرفض، معتبرا أنهم لا يستحقون شيئاً، لا بل إنهم جميعاً في  النهاية إرهابيون، ولعل في هذا جزء أيضاً من قناعات روجر الذي لن يتردد في التسبب بمقتل مهندس عربي، بعد توريطه من حيث لا يدري بأعمال إرهابية.

هاني يشكل مربط الفرس، والمتمكن تماماً من أوراق اللعب في هذه الحرب القذرة، وحواراته مع روجر تشي بالخصوصية الشرق الأوسطية، كما يسعى الفيلم إلى تقديمها. فهاني يقول مثلاً «أنتم الأميركان لا تستطيعون الحفاظ على الأسرار لأنكم ديمقراطيون»، وغير ذلك مما له أن يضيء ـ بحسب رؤية الفيلم ـ التعارض بين مقاربة الاثنين.

وعلى صعيد مواز يمكن التعامل أيضاً مع «متن الأكاذيب» بوصفه فيلماً جاسوسياً وفق المعطيات الحاضرة الآن، ويمكن أن يكون روجر هو جيمس بوند من دون خوارق، بل بوند على أرض واقع لا يرحمه، ويرى في تقنياته معبراً لهزيمته، كون هؤلاء الإرهابيين لا يستعملون التقنيات، وتخلوا عنها تماماً ويعيشون في الماضي ويرون في عدوهم الأميركي مستقبلاً غير مرئي بالنسبة إليهم حسبما يحلل هوفمان.

الفيلم مملوء بأشياء كثيرة غير الأكاذيب التي يحاول وضعها أمامنا، ولدرجة يلتبس الأمر فيها، وتبدو تلك الأكاذيب هي الحقيقة بعينها، والعكس صحيح، لأنه أيضاً محتكم على قدر كبير من الأحكام المسبقة، والنظرة التقليدية للشرق والغرب، مثل أن يكون كل من في الأردن، خلفية تتسم بسحن عدائية وجاهزة للانقضاض على الآخر المختلف عنهم، الأمر الذي يخرج عنه في رصده علاقة روجر بعائشة التي يقع في حبها، ولتكون من أصول إيرانية، والسبب في تكبده عناء الخطف كرمى لعينيها، ونجاته من الذبح في اللحظة الأخيرة بمساعدة هاني.

لم يُعطِ الفيلم دوافع التغيرات التي تطرأ على روجر في النهاية حقها، ولعلها جاءت على نحو مفاجئ، بمعنى أن نجاته من الذبح على يد هاني، أو حتى حبه المركّب لعائشة لم يشعرانا بأنهما قد يكونان سبباً في قراراه البقاء في الأردن بعد قراره التخلي عن عمله في المخابرات، ولعل ما يقوله هوفمان له بعد مصارحته له بقراره، هو تماماً ما يوحي به كل ما في الفيلم «ما من أحد يحب الشرق الأوسط، ما من شيء فيه يثير الإعجاب».

طبعاً تحضر اللغة العربية في الفيلم وعلى لسان دي كابريو الذي يرطن بها على نحو حذر، مثله مثل من معه من ممثلين، ولعلها تكون دائماً ركيكة عدا مع الممثلين الفلسطينيين علي سليمان وقيس ناشف، ودوريهما القصيرين.

تبقى الحيرة التي بدأنا بها حاضرة، لا بل إنها تتصاعد بعد المشاهدة.. ريدلي سكوت وقد تجاوز السبعين ما زال بكامل حرفيته العالية، دي كابريو يواصل تألقه ويقدم دوراً يشبه أدواره الأخيرة الناضجة،  لكن كم من الأكاذيب علينا أن نصدق لنكتشف الحقيقة؟  

الأكثر مشاركة