نقاد: الإنتاج السينمائي المشتـرك «حبر على ورق»
حمّل نقاد مسؤولية غياب صناعة سينمائية عربية إلى «غياب دعم القطاع الخاص لهذه الصناعة»، معتبرين أن الأفلام التي تنتجها الحكومات، عبارة عن «بوق يخدم مصالح هذه الحكومات، من دون النظر إلى مصالح الشعوب وهمومها المتفاقمة». وأضاف بعضهم أن «الفضائيات العربية وانتشارها وسباق الإنتاج الدرامي العربي المربح، لعبا دوراً سلبياً، وتركا آثاراً لن تزول على المدى المنظور». ولم يتجاهل النقاد تأثير الظروف السياسية والحروب التي تعاني منها المنطقة، في قيام صناعة سينمائية متقدمة، ودعا عدد منهم خلال حوارهم مع «الإمارات اليوم» إلى دعم المهرجانات العربية، صناعة السينما العربية المشتركة، من خلال تفعيل الإنتاج المشترك ليس في المحاضرات والأوراق وأحلام النقاد فقط، بل على أرض الواقع أيضاً.
السينما و«التبولة»
واتفق الناقدان السينمائيان اللبنانيان إبراهيم العريس ونديم جرجوة، على أن وضع السينما في لبنان يبشر بمستقبل مشرق، بوجود جيل من الشباب يرى السينما قضيته الأولى، وقال العريس «لبنان فيه صناعة سينمائية حقيقية لكنها قليلة العدد، وعلى الرغم من قلة عددها فإنها مميّزة بنوعيتها وتأثيرها في المشاهدين»، مشيراً إلى أن «فيلم «كراميل» للمخرجة نادين لبكي أعطى صورة عن لبنان مغايرة تماماً للنظرة العالمية على أنها بلد حرب وعدم استقرار».
ولخص العريس المعوقات التي تقف أمام صنّاع السينما في « الفقر والوعود الحكومية التي لا تتحقق، بالإضافة إلى النظرة التي تعدّ السينما حالة ترف وإنفاق نقود على لا شيء»، لافتاً إلى أن «السينما أثبتت في جميع أنحاء العالم أنها رمز حضاري وهذا مانحتاج إلى أن نؤمن به».وأكد «وجود جيل من الشباب اللبناني يصنع أفلامه من جيبه الخاص، وهذا أمر طبيعي مادام مهرجان السينما في لبنان تدعمه وزارة السياحة وليس وزارة الثقافة، على اعتبار السينما جزءاً من الدبكة والتبولة».
من جهته قال جرجورة «إنني متفائل جداً بالمبادرات الفردية التي يسعى إليها شباب لبنانيون لصنع أفلامهم، ما سيغري الحكومة بأن تخصص ميزانية لصناعة الأفلام في المستقبل القريب حسب توقعاتي». مشيراً إلى أنه «توجد في لبنان 23 صالة تابعة لمجمع أمبير و23 تابعة لمجمع بلانيت و19 صالة تابعة لمجمع غراند سينما و10 صالات مستقلة، ما يؤكد اهتمام اللبنانيين بالسينما».
واعتبر جرجورة فيلم «سكر بنات أو «كراميل» «أكبر دليل على مغامرة المخرجين الشباب في إنتاج أفلامهم من جيبهم الخاص، والذي حققت فيه لبكي نسبة مشاهدة عالية في دول عربية وأجنبية».
وذكر أن الانتاج المشترك في المهرجانات الإقليمية «لا يوجد إلا ضمن علاقات شخصية لا تتدخل فيها إدارات المهرجانات التي تعدّ هذا الجزء من استراتيجيتها مع وقف التنفيذ».
كاميرات تحت الرصاص
وقال الناقد السينمائي العراقي محمد موسى «على الرغم من مرور 60 عاماً على تأسيس السينما في العراق، فإن صناعة الأفلام فيها تعدّ من أشد الأسلحة فتكاً بالنسبة إلى الكثير من التيارات والأحزاب والاحتلال الذي يحكمه»، مشيراً إلى أن «هجرة صناع السينما وانعدام الأمن وسيطرة النظام السابق على مواده وقصصه، أدت إلى زعزعة في تحديد مصير السينما التي لا تبحث إلا على الاستقرار في جوّ يوجد فيه سقف عال من الحرية التي حرم منها صانع السينما لسنوات طوال».
وأضاف أن «السينما في العراق مرت بمرحلتين من الصعب رصد حركتها فيهما، فهي كانت في ظل النظام السابق الذي كان متحكماً في كل النصوص السينمائية، ولم يكن يوافق إلا على الأفلام والنصوص التي تخدمه، والسينما بعد النظام التي تتحرك فيها الكاميرا تحت وابل الرصاص والطيارات والمدافع والمفخخين».
ووصف موسى المعوقات التي تقف أمام صانع السينما في العراق بأنها كثيرة، خصوصاً مع غياب الأمن وهجرة الفنانين العراقيين، هرباً من العنف، إضافة إلى الدمار الهائل الذي حل بالاستوديوهات جراء الحرب، لافتاً إلى أنه «وعلى الرغم من الظروف الصعبة، فإن الشباب العراقي استطاع أن يصنع فيلمين روائيين تحت ضغوط انعدام الأمن».
وفيما يتعلق بالمهرجانات العربية، وإمكانية بناء قاعدة لإنتاج عربي مشترك، قال موسى «أريد أن أحصر المهرجانات الخليجية التي من الصعب ـ حسب تقديري ـ أن تتشكل تلك القاعدة الإنتاجية فيها»، عازياً السبب إلى «عدم وجود جماهير تأتي لحضور الأفلام أو فعاليات المهرجان، ما من شأنه عزوف المنتجين عن فكرة إنتاج فيلم في الإمارات على سبيل المثال، لأنه لن يضمن وجود جمهور يحضر هذا العمل، بل سيكون كادر العمل وأصحابهم وضيوف المهرجان هم الجمهور». ودعا إدارات المهرجانات العربية بشكل عام، والخليجية بشكل خاص إلى أن «تهتم ببناء قاعدة سينمائية مبتكرة لجذب الجمهور، وبعد ذلك تتحدث عن الإنتاح العربي المشترك لصناعة الأفلام».
معوّقات في فلسطين
ورأى الأستاذ المحاضر في جامعة البتراء الأردنية ومحلل الشؤون السينمائية الفلسطينية، تيسير مشارقة، أن «هناك ثلاثة عوامل تؤثر في صناعة السينما في فلسطين من الناحية العسكرية والاجتماعية والاقتصادية؛ فمن الناحية العسكرية تستطيع مجندة صهيونية أن تهدم مشروع صناعة فيلم بالكامل إذا أرادت ذلك، بأن تمنع التصوير والتجوال على سبيل المثال، وهذا قليل مما يعانيه صانع السينما الفلسطيني من الاحتلال الذي يعيق حركة الفنان والإنسان».
حلم بلا تنفيذ
وقالت المحللة السينمائية الجزائرية نبيلة رزايق إن «الأفلام الجزائرية على الرغم من قلتها استطاعت أن توجد لها مكانة في المحافل السينمائية الدولية، وأشهرها «وقائع سنين الجمر» للأخضر حامينا الذي نال السعفة الذهبية في مهرجان كان في فرنسا (1975)».
وأضافت «لكن المشاهد الجزائري وبوجود الأفلام الإيطالية والفرنسية والأميركية حالياً لم يعد يهتم بالأفلام الجزائرية»، عازية السبب إلى «طبيعة ثقافة المجتمع الجزائري المنقسمة بين ليبراليين، ومحافظين، ومتشددين لا يأبهون لصناعة أفلام في ظل المشكلات الكثيرة الموجودة في الجزائر».
ورأت أن أهم معوق يقف في وجه صناعة السينما هو «غياب الإنتاج والتوزيع السينمائي متمنية على المهرجانات العربية أن تهتم بدعم صناعة الأفلام في الدول التي تعاني من ضعف مالي»، ويأتي هذا الدعم من خلال الإنتاجات المشتركة بين الدول العربية، والتي مازالت حبراً على ورق في غالبية المهرجانات، ولم تترجم إلى الآن على أرض الواقع، حسب تعبير رزايق.
وبالنسبة إلى واقع السينما في السودان، قال الناقد عبدالرحمن نجدي «أريد أن أشير إلى أن السينما في السودان كانت موجودة منذ عام ،1913 والشعب السوداني عرف السينما منذ سنوات بعيدة». واعتبر أن أكبر المعوقات التي حالت دون صناعة السينما في السودان هي «الحكومات المتتالية التي كانت، ومازالت، لا تقبل بدعم أي فيلم لا يمجدها ويكون بوقها في المحافل الدولية، فباتت الأفلام التي تصنع ليست لخدمة الجماهير ورصد معاناتهم، بل لتمجيد الحكومة وفرض سيطرتها أكثر»، مضيفاً أن «السينما ماتت في السودان، والحكومة الحالية لا تعدّ السينما أداة ثقافية بل أداة للتسلية». متسائلاً «ومن يستطيع أن يقف في وجه الحكومة؟».
المسلسلات أربح
واتفق الناقد السينمائي، محمود عبيدو، ورئيس تحرير مجلة «غود نيوز» السينمائية، علاء كركوتي، على أن عدم وجود صالات عرض سينمائية مجهزة في سورية، سبب حالة يأس لكثير من صناع السينما، وأن نجاح الدراما التلفزيونية السورية التي تدرّ أموالاً كثيرة على شركات الإنتاج ألغت مفهوم السينما لدى كتاب السيناريو والمخرجين الذي باتوا يستسهلون التلفزيون على السينما. وأوضح عبيدو أن المشكلة الرئيسة التي تقف أمام صناع الأفلام السورية هي أن «رأس المال السوري ( خوّاف)، وهذا الخوف تم اكتشافه بعد أن كان قطاع السينما مزدهراً في ايام الستينات، ولكنه لم يكن مربحاً»، مشيراً إلى أنه في تلك الفترة كان يأتي إلى سورية فنانون من مصر ولبنان وأقطار عربية أخرى. وأضاف «وانتقل رأس المال الخاص إلى إنتاج المسلسلات السورية التي أعادت إليه ماله مضاعفاً، على عكس السينما التي باتت تحت رحمة المؤسسة العامة للسينما، وهي قطاع حكومي ولا تنتج إلا فيلماً أو اثنين على أكثر تقدير في السنة، وهذا العدد الضئيل لا يصنع سينما في سورية»، مدللاً على رأيه بعدم وجود عدد كاف من دور العرض السينمائي في سورية حالياً.
وقال كركوتي إن «وجود صالات عرض سينمائية لا يتعدى عددها أصابع اليدين، أمر مجحف بحق بلد كان له تاريخ عريق في صناعة السينما». مضيفاً أن وضع صالات العرض السيئ، وقانون استيراد الأفلام المأساوي، لا يشجعان أي صانع سينما على تقديم فكرة فيلم».
وتابع «وفي غياب القطاع الخاص في دعم الأفلام السينمائية تطفو الأفلام التي تنتج من جيب الدولة والتي تكون في أغلب الوقت سينما خاسرة»، مشيرا إلى أنه «مع نجاح الدراما التلفزيونية السورية، والتي كان يحتم عليها دعم صناعة الأفلام صار العكس تماماً، بحيث زادت من ركود فكرة صناعة سينما جادة ومنافسة في المستقبل القريب». وطالب بضرورة أن «تسعى المهرجانات العربية إلى وضع خطط استراتيجية قابلة للتنفيذ لصناعة سينما عربية مشتركة تنافس الأفلام من الجنسيات الأخرى».
وعدّ كركوتي جائزة «المهر» في مهرجان دبي السينمائي هي «المبادرة الفعلية الأولى التي حصلت في جميع المهرجانات العربية، حتى لو كانت قيمتها ضئيلة ولكنها جيدة».