كريم دكروب: مسرح الدمى لم يــفقد جاذبيته
قال مخرج مسرح العرائس اللبناني كريم دكروب، ان مسرح الطفل في العالم العربي يعاني من الإهمال، معتبراً ان المبدعين مسؤولون عن هذا الإهمال نتيجة لتقصيرهم في العطاء لهذا المجال. لافتاً إلى اتجاه بعض المؤسسات في السنوات الأخيرة للاهتمام بمسرح الطفل «لكنه لا يصب في الاتجاه الصحيح». وأعتبر أن مسرح الدمى لم يفقد جاذبيته.
وأرجع دكروب في حوار مع «الإمارات اليوم» الإهمال، الذي يعاني منه مسرح الطفل، إلى الفكرة السائدة لدى المبدعين والجمهور على السواء بأن العمل للأطفال أكثر سهولة من العمل الفني الموجه للكبار، وانه غالبا ما يكون عملا تجاريا بالكامل أو وعظيا بصورة مباشرة وفجة. مضيفاً «للأسف كلا النوعين لا ينتميان للمادة التي تستطيع ان تجذب الطفل أو تؤسس لثقافة حقيقية له، خاصة في ظل الميل الواضح لدينا لتقليد الغرب، ولكن بمستوى أقل جودة، في حين انه من الأفضل والأنسب لنا ان نعمل على تقديم أعمال محلية تنبع من ثقافتنا العربية والمحلية، مع استخدام التقنيات الحديثة في تنفيذه ليخرج بصورة مناسبة وجذابة».
ضعف الإمكانات
وأشار مخرج عرض «يلا ينام مرجان» الذي استضافه مسرح نادي تراث الإمارات في كاسر الأمواج في ابوظبي، على مدى ثلاثة أيام، إلى ما تعاني منه مسارح الطفل من ضعف الإمكانات المادية وغياب الدعم المالي عنها، مما يؤثر في مسيرتها، مستطرداً «بالنسبة لنا في فرقة الخيال، التي تمتلك تاريخاً في مجال مسرح الطفل يمتد على مدى خمسة عشر عاماً، قدمنا خلالها عروضاً في مختلف دول العالم، كما نشتغل على مشروعات مختلفة وندخل في مشروعات إنتاج مشتركة مع مسارح أجنبية حتى نستطيع تنمية وتطوير عملنا، وخصوصاً اننا لا نحصل على أي دعم من الدولة لأن الدولة في لينان لا تقدم أي دعم للأنشطة الثقافية والفنية».
ونفى دكروب تراجع جاذبية مسرح الطفل في ظل التطور الكبير في الألعاب ووسائل الترفيه المتاحة أمام الطفل في الوقت الجاري، مؤكداً أن مسرح الطفل مازال يمثل مادة جذب للجمهور بدليل تواصل العروض التي يتم تقديمها في هذا المجال، وما تشهده من إقبال، وذلك بفضل ما يتمتع به المسرح من تفاعل مباشر بين الممثل والجمهور يفوق بكثير تفاعل الطفل مع شاشة الكمبيوتر أو مع الألعاب التكنولوجية الأخرى، مثل البلاي استيشن، بالإضافة إلى ان المسرح يتوافق مع طبيعة الطفل واهتماماته، فعلى الرغم من التطور التكنولوجي الكبير في ألعاب الأطفال، تظل لدى الطفل حاجة بيولوجية طبيعية للعب والتفاعل يلبيها له المسرح، كما ان القائمين على مسارح الطفل اتجهوا لاستخدام التقنيات الحديثة كالفيديو والكمبيوتر في عروض الدمى التي يقدمونها لإضفاء الجاذبية على العرض. مشدداً على ان العمل الجيد لابد ان يجد طريقه إلى الجمهور، «ففي قمة ازدهار العاب البلاي استيشن في أوروبا وأميركا، ظهر كتاب هاري بوتر ليترك الأطفال ألعابهم ويقفوا في صفوف طويلة لشراء الكتاب، في الوقت الذي كان الكثيرون يعتقدون ان الكتاب يحتضر، ما يثبت ان نوعية العمل ومدى جودته وتميزه، هي التي تضمن نجاحه وجماهيريته، ولكنها في المقابل تتطلب زيادة وعي الطفل في الوقت الحالي بالمزيد من جهد العاملين في مسرح الأطفال لتقديم عمل يرضي هذا الطفل ويخاطب عقله من دون استخفاف».
فقدان الهوية
واعتبر دكروب ان ضعف مسرح الدمى في الدول العربية، يرتبط باستمرار اعتماد القائمين عليه على تقليد الأجانب، مطالباً بالعمل على تعميق شعور الجمهور بثراء هويته وثقافته، مع ضرورة الالتفات لهذه الثقافة، وأيضا لهموم الطفل والاشتغال عليها لتحقيق التطور لمسرح الطفل.
واستبعد كريم دكروب ان تسهم مهرجانات الأطفال التي تقام في بعض الدول العربية في تطوير مسرح الطفل، نظراً للاختلاف بين طبيعة الاثنين، «كما تظل المهرجانات بوجه عام أكثر ارتباطاً بالكبار، فمازلنا نفتقد الاهتمام الثقافي بالأطفال، ولم ننجح في تقديم ثقافة حقيقية له، حيث مازالت الجهود خجولة في هذا المجال، ولذا علينا ان ندعم التوجه لإقامة تظاهرات ثقافية له وعدم الاقتصار على الفعاليات الترفيهية فقط».
تربية الجمهور
وعن طبيعة جمهور مسرح الدمى وتغيره على مدى فترة عمله في هذا المجال؛ أوضح دكروب «هناك اختلاف بين طبيعة جمهور مسرح الأطفال وجمهور مسرح الكبار الذي يتسم بالثبات تقريباً، بينما يتغير جمهور مسرح الأطفال باستمرار، ومع توالي العروض كل عام تشعر بأنك تربي الجمهور الذي يكبر من عام لعام أيضا، وتربي كذلك بداخله الذوق والقدرة على تذوق جماليات العمل الفني مثل الموسيقى والأزياء، مضيفاً ان العالم العربي يعاني من ان ما نسمعه من موسيقى ليس جيداً، وفقدان الأصالة والوهج، ولذا اتجهنا لاستخدام موسيقى كلاسيكية في المسرحيات التي نقدمها على مسرحنا، إلى جانب موسيقى الفنان أحمد قعبور، خصوصاً أن جمهورنا لا يقتصر على الأطفال فقط، بل يشمل آباءهم أيضا، فالطفل يأتي إلى المسرح بصحبة شخص كبير، ومن المهم التفاعل مع هؤلاء الأهالي ليشعروا بأهمية ما نقدمه وانه يمثل وسيلة من وسائل تربية الأطفال، ويجب ان تسهم الأسرة فيه، وبشكل عام من الملاحظ ان هناك ازدياداً في الإقبال على مسرح الدمى في السنوات الأخيرة، خصوصاً في لبنان، حيث نحرص في فرقة (الخيال) على تقديم عمل جديد سنوياً».
وعن الفرق بين الجمهورين العربي والأوروبي؛ أوضح ان جمهور مسرح الطفل في أوروبا أكثر هدوءاً نظراً لاعتياده ارتياد المسارح لحضور عروض الباليه أو الأوبرا أو غيرها من العروض الفنية والاستماع إلى ما يُقدم له بإنصات، بينما يفتقد العرب هذا الأمر كجزء من ثقافتنا العامة، في المقابل نجد ان في الدول الاسكندنافية، على سبيل المثال، يجب على كل طفل ان يحضر خلال العام عرضين مسرحيين على الأقل، وتتولى مدرسته متابعة هذا الأمر وتحمل مسؤولية تطبيقه، وهو ما يساعد على تهذيب الذوق الفني لدى الأطفال وأفراد المجتمع عموما، وإنعاش عملية الإنتاج المسرحي من جانب آخر، وتنظيم مهرجانات لمسرح الطفل مما يخلق مجالاً للتنافس الذي يرفع من جودة الأعمال المقدمة.
أرض الحكايات
مسرح الدمى العربي يحتاج إلى تعميق هويته
تتناول مسرحية «يلا ينام مرجان» قصة مرجان ابن سلطان الزمان، الذي يعاني من الأرق المستمر وعدم تمكنه من النوم، ويبحث عن حكاية تجعله ينام، وللحصول عليها يستدعي نساء البلدة لتقص كل منهن إحدى حكاياتها، ولكنهن يفشلن جميعا ويكون مصيرهن السجن، إلى أن تظهر شهرزاد التي تحمله إلى أرض الحكايات ليصنع حكايته بنفسه. والمسرحية حائزة على الميدالية الذهبية في مهرجان القاهرة 1998، وعلى جوائز عدة في مهرجان مسرح الطفل العربي في عمان 2004، وهي قصة وإخراج كريم دكروب، والنص المسرحي لفائق حميصي، والموسيقى لأحمد قعبور، سينوغرافيا وليد دكروب، وتصميم الأزياء لفدوى حطيط، أما التمثيل فشارك فيه كل من سحر الأفيوني، ورشاد زعيتر ،وإبراهيم أبو خليل، وشادي الزين، ودارين حمزة، وسيلينا شويري، وقد عرضت باللغتين الانجليزية والفرنسية في عدد من الدول الغربية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news