«مسخرة» تشبه الحياة
فيلم الجزائري إلياس سالم «مسخرة» الحائز على جائزة أفضل فيلم في مسابقة المهر العربي، وجائزة النقاد العالميين في مهرجان دبي السينمائي الدولي، لا يستدعي المسخرة إلا من تكوين الحياة نفسها، ومن نظمها الاجتماعية التي ستكون في النهاية مدعاة للرثاء والضحك، ووفق قصة بسيطة يقدمها الفيلم للسخرية، ما يشكل أسس الحياة التي يجتمع عليها البشر، والتطلع الدائم للفئات المسحوقة لما له أن يكون بعيد المنال إلا من خلال الحيلة أو الكذب، وليصير أي تغيير شيئاً طارئاً سرعان ما ينقضي وتواصل الحياة ما كانت عليه من «مسخرة».
مع الجائزتين السابقتي الذكر مضافاً إليها جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة السينمائي، وغيرها من جوائز في مهرجان قرطاج، يمكن اعتبار «مسخرة» فيلماً حاصداً للجوائز بامتياز، وليكون ترشيحه باسم بلده الجزائر للتنافس على أوسكار أفضل فيلم أجنبي استكمالاً لحضوره العربي بحضور عالمي أيضاً، لم يكن غريباً عن السينما الجزائرية.
ويبدو أن الانحياز دائماً يكون إلى الحياة، نحو القدرة على تقديم شخصيات من لحم ودم، وبكامل بساطتها التي تحمل صراعاتها الخاصة، وأحلامها الصغيرة اللائقة بنمط العيش من دون ادعاء، بل وفق تناغم يستدعيه الفن ليمسي من صلب الحياة، ولعل شخصية «منير» التي جسدها المخرج الياس سالم نفسه تأسست وفق تلك الإملاءات، إنه في قرية نائية لا شيء يتغير فيها، حياته تمضي كما هو مرسوم لها، وليس بعيداً بالتأكيد عن السلطة الحاضرة مهما كان المكان نائياً، وعلى شيء من رمزية السيارات السوداء التي تدور في ساحة البلدة محدثة زوابع من غبار، وعمل منير نفسه الذي يكون بستانياً في حديقة «الكولونيل».
لا يؤرق منير إلا أخته ريم وزواجها، ويمكن لهذه المشكلة أن تشكل مسألة حياة أو موت بالنسبة إليه، ولعلها أيضاً في بعدها الدرامي تكون نقطة التحول الرئيسة في مسار أحداث الفيلم، مادام خوفه يتجسد في أن تتحول إلى عانس، رغم أنها جميلة لكنها تعاني داء النوم والكسل، وهي في الوقت نفسه تعيش قصة حب مع شاب من عمرها نجده يقفز من سور البيت ويجلس قرب النافذة يبادلها أحاديث لا تنتهي إلا لدى دخول أخيها منير غرفتها.
وتحت وطأة ما تقدم وتحت تأثير سكره يعلن منير في ساحة القرية أن أخته في طريقها للزواج من رجل ثري لا يُشق له غبار، الخبر الذي يتناقله سكان القرية وكل يضيف عليه بعضاً من البهار، ويمضي جاره على سبيل المثال الذي كان يتجنب مبادلة منير السلام إلى تسخير نفسه لخدمته وتقديم ما يلزمه من أجل العُرس، كما أن تحليل سكان القرية لخبر زواج ريم يصل إلى اعتبار منير على علاقة وثيقة بالكولونيل وليس بستانياً فقط عنده، وأن الزوج كندي، وغير ذلك مما له أن يضيء التصورات والأفكار المسبقة التي تسكن أعماق سكان القرية البسطاء.
يقدم فيلم «مسخرة» عالمه في بناء كوميدي يطال كل عناصر الفيلم بما فيها لغته المجازية، إن صح التوصيف، لما يتخطى الموقف إلى التأويلات، فمع صراع منير مع حبيب مريم يتضح تصديقه الكذبة التي نسجها والانتقاص من حبيب مريم الفقير والمعدم، وحين يعلم منير أنه يزورها ليلاً يقوم بإحاطة البيت بالأسلاك الشائكة.
ينتصر الحب في النهاية، وتعود الأمور إلى نصابها، وتتزوج مريم من حبيبها صاحب السيارة المتهالكة والمحل الذي لا يفعل شيئاً فيه إلى إلصاق الصور التي يقصها من المجلات، ولعل ملمحاً من المسخرة يتجلى في معارضة جار منير لهذا الزواج على اعتبار أن مريم صارت حكراً عن الأثرياء وأصحاب النفوذ.