رحلة حول العالم في 80 فيلم

غيفارا كما قدمه سودوربورغ

عام 2008 في الأفلام، أو، الأفلام في ذلك العام؛ وجهان لعملة واحدة هي السينما، وبالتالي كل ما يلي سيكون على شيء من اللهاث للحاق بأفضل الأفلام التي شاهدناها هذا العام الذي سرعان ما ينقضي ويقلب الروزنامة مستحضراً معه أفلاماً جديدة.

مقدمة سرعان ما تضيع في خريطة العالم، كأن تضع إصبعك على بلد من البلدان فيلتصق به فيلم، فتقول «يا له من فيلم رائع» وعليه تكون الحصيلة مسحاً جغرافياً لانتاجات السينما حول العالم، الأمر الذي لن يحتكم على قدر من الحكمة، لكن لا خلاص منه، ولعل الأفضل يكمن في الدخول مباشرة إلى ما يمكن اعتباره حالة جرد للانتاجات السينمائية.

يمكنني القول إنني ودعت شاشات دور العرض المحلية، هذا العام، بفيلم «أستراليا» الذي يستحق أن يتوج على عرش أسوأ فيلم وأسوأ وداع في آن معاً، من دون أن يحمل أي شيء من مسك الختام، ولأنسى «أستراليا» وملحمة الرداءة التي قدمها، لي أن أقفز مباشرة نحو فيلم «القرود الثلاثة» للتركي نوري جيلان (جائزة أفضل إخراج في دورة كان)، والذي يعزز من خلاله هذا المخرج تقديم سينما تحمل من الخصوصية والجماليات التي بدأها مع «مناخات»، ولعل ما خفي أعظم، وعلى هدي مهرجان «كان» يحضر في الحال فيلم «تشي» الملحمة السينمائية التي أخرجها ستيفن سودربورغ الممتدة لأكثر من أربع ساعات ونصف، عن حياة الثائر الأرجنتيني أرنستو تشي غيفارا، في هم توثيقي لا تحيطه أي غايات مؤدلجة، أو أفكار أميركية مسبقة، لها أن تجعل منه كما في أفلام أخرى كثيرة، مجرد «قاطع طريق أو مجرم»، لعل ذلك يستدعي نقيضاً لغيفارا هو جورج دبليو بوش، وهو يودع هذا العام البيت الأبيض بفيلم له أن يلاحقه كلعنة أو حذاء، وأقصد هنا فيلم أوليفر ستون «دبليو» الذي لن يكون الحديث عنه فنياً أو ذا قيمة أمام أهمية موضوعه أو ما حمله من تعرية لشخصية هذا الرئيس.

التركيز على سخونة الأفلام، وخطورتها، يقودنا إلى السينما الإيطالية من خلال فيلمين يدوران في فلك المافيا وعوالمها، وبالتحديد «غومورا» لماتشيو غاروني و«ايل ديفو» لباولو سرنتينو، الأول منغمس تماماً في عوالم المافيا المهيمنة على ضواحي نابولي، وحاز على الجائزة الكبرى في الدورة الأخيرة من مهرجان كان، والثاني يقاربها بطريقة غير مباشرة عبر تقديمه شخصية رئيس الوزراء الأسبق جوليو اندريوتي وفضيحة ارتباطه بها، وليتوج هذا الفيلم أيضاً بجائزة لجنة التحكيم في كان.

هذا يمتد إلى «بين الجدران» الذي توج بسعفة كان الذهبية الذي أخرجه لوران كانتيه، واخترق من خلاله الجدران المضروبة حول السينما الفرنسية التي لم تحظَ بتلك السعفة منذ أكثر من 20 عاماً.

لا شيء سيبعد السينما عن خارطة العالم كأن تقول إن السينما الروسية مازالت وفية لإرثها العريق، في فيلمين هما «حورية البحر» لآنا ميليكيان ، «تيرانوفا» لألكساندر ميلنيك، في الأول مجاورة لحياة أليسا التي ولدت كسمكة، وما صارت إليه روسيا ما بعد الشيوعية، وعلى شيء من اشتباك قصة أليسا الخاصة جداً مع مفرزات الحياة الحديثة في موسكو، بينما يمضي «تيرانوفا» نحو المستقبل والخيال العلمي الملاصق لمعطيات الواقع في خلقه مجازاً لنوازع البشر ووحشيتهم، وتخطي صراع البقاء إلى ما يمكن أن يكون جينات حيوانية متوحشة ومتأصلة في النفس البشرية.

وفي لحاق للعنة الخارطة، يمكن المضي إلى كازاخستان، كونها قريبة من روسيا يمكن الحديث عن انتاجين مميزين لهما أن يقوما بتبيان ملامح سينما متوثبة نحو وضع موطئ قدم لها، وهما «تولبان» لسيرغي دفورتسيفوي حيث الحياة غرائبية بالبيئة والقصة والتصوير، والاحتكام هنا سيكون على فنية عالية وبساطة حكاية مأخوذة من بؤس حياة شخصيات الفيلم نفسه، وليحضر أيضاً فيلم «المغول» ذو الانتاج الضخم، والمرتكز على حياة جنكيز خان منذ طفولته إلى توحيده شعبه، «ولو كلفه ذلك إبادة نصفه» كما يفعل تاريخياً، وفي الفيلم.

تتبع الانتاجات حول العالم يضعنا وعلى هدي الخريطة في إيران وبحضرة مجيد مجيدي وفيلمه الرائع «أغنية عصافير الدوري»، ولنقفز مباشرة إلى جنوب إفريقيا وفيلمان مهمان هما «خزي» عن رواية بالعنوان نفسه لصاحب جائزة نوبل للآداب نوبل جي. أم . كوتزي وإخراج ستيف جاكوبس، ولعل تقديم الحياة هناك وتجاور البيض مع السود، سيكون الخط الرئيس للأحداث، كما هو الحال مع فيلم لافت آخر حمل عنوان «بشرة» لأنتوني فابيان، فإن كانت نزوات البروفيسور الجامعي في «خزي» قد قادته إلى اكتشاف الجانب الآخر من جنوب إفريقيا، فإننا في «بشرة» سنلاحق حياة بنت زنجية ولدت من أبوين أبيضين.

لئلا نسترسل أكثر في استعادة أفلام من بقاع العالم المختلفة، مثل النرويج وفيلم «أو هورتون» أو غيرها من بلدان لا تمتلك صناعة سينمائية بالمعنى الكامل للكلمة، نمضي إلى هوليوود، ولعل أهم ما يطالعنا أفلام لم تعرض بعد في دور العرض المحلية، يمكن توقع أنها ستكون على شيء من التميز مثل «طريق ثوري» لسام منديس أو «القارئ» لستيفن دارلدري وكلاهما من بطولة كيت وينسلت، وإلى جانبها ليوناردو دي كابريو في الأول، ورالف فينس في الثاني، ولعل أبرز الأفلام الأميركية التي عرضت في الصالات المحلية إلى الآن تتمثل بفيلم ريدلي سكوت «متن الأكاذيب» وإن كان الفيلم لا يوحي بأن سكوت في أحسن حالته، كذلك الأمر مع الأخوين كوين في فيلم «احرق بعد القراءة»، بينما يواصل كلينت ايستود زيادة رصيده الإخراجي بفيلم مميز هو «تبديل» سيعرض قريباً في الدور المحلية، ويمكنني اعتباره حتى الآن من أبرز ما شاهدت من الأفلام الأميركية هذه السنة مضافاً إليه فيلم «أنا لست هنا» لتود هاينس عن حياة الموسيقي والشاعر بوب ديلان.

السينما المصرية قدمت هذا العام ثلاثة أفلام مميزة، يأتي في مقدمتها فيلم يسري نصرالله «جنينة الأسماك» المختلف والمتعقب لهموم يومية مشغولة بأسلوب خاص، ويمكن الحديث أيضاً عن فيلم «خلطة فوزية» لمجدي أحمد علي، و«عين شمس» لإبراهيم البطوط، مع تأكيد أن أفلاماً لا حصر لها أنتجت في مصر وعينها على شباك التذاكر. ولعل جرعة «الأكشن» في تزايد ملحوظ، ولعل الإيقاع الهوليوودي صار طاغياً بشكل ملحوظ على الأفلام المصرية التجارية، وتأكيداً على ذلك رشح فيلم شريف عرفة «الجزيرة» إلى أوسكار أفضل فيلم أجنبي، كونه منغمساً تماماً في «الأكشن» والمافيا الصعيدية التي وجد فيها الفيلم بيئة خصبة لتقديم عراب مصري.

من بلد صناعة السينما العربية، نتفقد إنتاجات بلدان عربية أخرى، فنجد أن السينما السورية مثلاً ما زالت تعاني من حالة نكوص للوراء على عكس الدراما وما قدمته هذه السينما من أدوار ريادية مازال في انحسار، ولتتلخص انتاجات المؤسسة العامة في سورية بفيلمين هما «حسيبة» لريمون بطرس و«أيام الضجر» لعبداللطيف عبدالحميد، لهما أن يؤكدا حالة الانحسار، بينما حضرت السينما اللبنانية في فيلمين الأول حمل عنوان «دخان بلا نار» غرق في السياسة ونظرية المؤامرة، بينما لفق الثاني ليتسع كاترين دونوف التي قالت «بدي شوف». مغاربياً، استوقفني الفيلم الجزائري «مسخرة» لالياس سالم، والذي نال جائزة المهر العربي في مهرجان دبي السينمائي في دورته الخامسة قبل أيام. والفيلم المغربي «كزانيغرا»، ولم أشاهد أية أفلام تونسية كانت في سنوات ماضية الأميز عربياً.

«مسخرة» الجزائري يفوز بجائزة «المهر العربي» في مهرجان دبي السينمائي. أرشيفية

«أيام الضجر».. حضور سوري. 

تويتر