جو كسرواني.. مستقبل العالم «بلا أوهام»

يقدم الفنان اللبناني جو كسرواني، بوحاً لونياً صادماً لمستقبل التلوث البيئي بشكل عام، والبصري منه بشكل خاص، في معرضه الشخصي «بلا أوهام»، الذي يستضيفه معرض «آرت سبيس» في مركز دبي المالي العالمي حتى 12 فبراير الجاري، من خلال عشرات اللوحات التي تبرع بريع بيعها لمصلحة إعادة إعمار غزة.

وإذا كانت الرؤية الافتراضية للأعمال تتناول مفردات طبيعية متعددة مثل الشلالات والسحاب ومشهدي شروق الشمس وغروبها باتت شديدة التقليدية، في أعمال تشكيليين، سعوا إلى رصد جمالياتها، في معارض تدور حول مفردات من الطبيعة، فإن هذه الرؤية تتلاشى إلى النقيض تماماً في «بلا أوهام»، الذي يغدو في هذه الحالة بمثابة حقائق وشهادات تشكيلية، يسعى إلى تقديم رؤية لونية صارخة عما يمكن أن يؤول إليه الكثير من تلك المفردات الطبيعية.

من هذا المنطلق، يسعى كسرواني في هذا المعرض إلى البحث عما يمكن تسميته جماليات القبح، في ظل رصده تيمات محذرة للباحثين عن التطور التكنولوجي على حساب عذرية الطبيعة ونقاء البيئة، من قبيل الدخان الكثيف الذي عمد إلى رصده مشوهاً موضوعات لوحاته، فضلاً عن التلوث الضوئي الذي أبرزه من خلال التركيز على ملمح زحف المصانع والورش بين التكتلات السكنية التي تحولت في لوحاته إلى ما يشبه الكانتونات المعزولة.

تباين لوني

ويتعمد كسرواني في أعمال كثيرة ضمها «بلا أوهام» إلقاء أسئلة تكاد تصل إلى حد المباشرة في التهكم حول مستقبل البشرية والعالم والضمير الإنساني الذي يسول لبعضهم تدمير مقدرات أجيال مقبلة، من خلال زيادة التحديات الطبيعية التي تنتظره، ساعياً إلى رصد التحول الكبير في المناظر الطبيعية المحيطة بنا، والدمار الذي يلحقه الإنسان بها تحت اسم التقدم والتطور التكنولوجي.

وتمثل المناظر الطبيعية التي يصورها كسرواني في أعماله صورة قاتمة لتراجع القيم الإنسانية. ومن خلال إعادة تصوير التكنولوجيا، حيث يقوم كسرواني بتحويل المناظر الطبيعية والمسطحات البصرية إلى تكوينٍ مستقبلي، وقام الفنان بتطوير هذه النزعة في أعماله كرد فعل على رفض الإنسان الاعتراف بالأذى الدائم الذي يلحقه بالطبيعة وتراجع إيمانه بالقيم.

وتعكس أعمال الفنان اللبناني، بما فيها الصور واللوحات، مستويين من التجارب الفعلية، وتهيمن موضوعات صوره الفوتوغرافية، التي فيها تباين كبير بين الأبيض والأسود بشكل كبير، على النسخ المطبوعة مع تعبيرات واضحة يظهر فيها الصبر والحميمية والرغبة بالبوح والإفصاح . كما تمزج رسوماته بين التجريد والتشكيل لتقص حكايات تميل نحو الانطواء ومزيد من التعقيد، وسبر أغوار المشاعر، وتزخر لوحاته بقصص مخبأة في مختلف مستوياتها، وخلال تركيب الصور، تظهر آثار دراسة كسرواني فن العمارة في كل من رسوماته ولقطاته الفوتوغرافية. وفي بعض الأحيان، يعمل بأسلوب مشغل الأسطوانات الموسيقية نفسه، حيث يبني مجموعة من الصور، وعقب ستة أشهر، يعيد «مزج» هذه الأعمال في معرض للرسومات التي تستند إلى الصور الأصلية للحصول على دعم ملموس وكمنصة للمفاهيم.

وعلى الرغم من جذوره المتأصلة في بيروت، لا يسهل تصنيف أعمال كسرواني على أنها عربية أو شرق أوسطية، إذ يتحدى أسلوبه الأنماط التقليدية والقوالب الجاهزة أكثر مما يعززها. وبالتالي فإن صوره ولوحاته تبني عالماً هو من بنات أفكاره بشكل كامل، وهو عالم يكاد أن يتفجر بالمتعة والألم على حد سواء، وهو عالم كل شيء فيه ممكن الحدوث وفي الوقت ذاته، لا شيء فيه هو تماماً كما يبدو للوهلة الأولى.

ترويج فني

وقال عبدالله بن سوقات، الرئيس التنفيذي لمجموعة «لايف ستايل»: إن أعمال جو كسرواني تقدم رأياً مهماً حول الأوضاع البيئية على كوكب الأرض «بأسلوب فني رائع . وهي فريدة، لاسيما في مستواها الفني والإبداعي وقدرتها على جذب الاهتمام إلى قضية اجتماعية حيوية». وفي إطار جهودها لتوفير تجربة فنية نابضة ضمن مركز دبي المالي العالمي، تركز مجموعة «ةئ لايف ستايل» على استضافة ودعم «المعارض المتميزة التي تقدم أعمال أبرز الفنانين العالميين والإقليميين، وتسهم هذه المعارض في تعزيز اهتمام الجمهور فضلاً عن توفير تجربة ثقافية غنية في المركز المالي».

ووصف المدير التنفيذي للمشروعات في هيئة دبي للثقافة والفنون سعيد محمد النابودة معرض «بلا أوهام» بأنه يعد «تعبيراً مثالياً عن بعض من أفضل نماذج الفن المعاصر في المنطقة». مؤكدا حرص الهيئة «على دعم مثل هذه الأحداث المتميزة التي تقدّم في دبي أرقى مستويات الفن من المنطقة»، والتي قال أنها تسهم في «دعم جهود الهيئة الرامية إلى ترسيخ مكانة دبي مقراً عالمياً رائداً للثقافة والفنون». مشيرا إلى أن «الطبيعة الفريدة لأعمال كسرواني ستسهم في الترويج للفنانين الإقليميين ونشر الوعي بالفن العربي المعاصر في دبي والمنطقة عموماً».

إعادة تشكيل

دعوة الفنان اللبناني جو كسرواني لحماية البيئة من التلوث لم تكن لونية فقط عبر تقديم مشهديات لونية مدينة للإيغال في التقدم التكنولوجي على حساب السلامة البيئية، بل دعمها الفنان اللبناني بسلوك عملي طوره وعرف فني التزمه في كثير من أعماله وهو السعي إلى الاعتماد على مواد خام تبدو كمهملات أو عديمة القيمة، قبل أن تتشكل في سياق مشهدياته ورؤاه اللونية. فمن خلال اتكائه على حساسية فنية احترافية في التعامل مع مسطحات اعماله وتطوير المفاهيم السائدة، يعطي كسرواني أهمية كبيرة لاستخدام الأغراض المهملة ليس فقط بدافع من المسؤولية البيئية التي جند نفسه لها، وأهمية تدويرها أو بالأحرى في هذا السياق إعادة تشكيلها، بل أيضاً بدافع رؤية فنية ساعية إلى حفز الخيال وتقديم رؤى جمالية أكثر حداثة.

كيك غزة

على الرغم من الثناء على فكرة تقديم منتج يعود ريعه لدعم جهود إعمار غزة، إلا أن بعض رواد معرض «بلا أوهام» أعربوا عن اندهاشهم لتخصيص كيك يعود ريع بيعه إلى هذا الغرض الخيري بعنوان «كيك غزة»، لا سيما أن الحدث الثقافي معرض «تشكيلي» لفنان يسعى من خلال رؤيته الفنية إلى إطلاق صرخة استغاثة ضد الحملات التي أضحت منظمة تجاه تشويه الطبيعة وتلويث البيئة بداعي الأغراض العلمية والتكنولوجية . ويذكر أن ريع مبيعات اللوحات وكذلك قطع الكيك والتبرعات مخصصة لمصلحة الأعمال الخيرية في غزة.

الأكثر مشاركة