<p align=right><font size=2>&quot;الميكروباص&quot; مجتمع كامل الأركان والتفاصيل. أرشيفية</font></p>

صحافي مصري :صحافيو «الديسك» يغسلون ملابس غيرهم

في استعراضه البانورامي للطبقتين الوسطى والدنيا من المصريين ينجو الصحافي حمدي عبدالرحيم من استسهال كثيرا ما يؤدي للوقوع في فخ نظرة استشراقية، يلجأ اليها البعض في أعمال اجتماعية وابداعية، تميل الى تسجيل ما يتمنى باحثون غربيون رؤيته والكتابة عنه، باعتبار أن مصر جزء من شرق لا وجود له الا في خيال بعض المستشرقين.

ولكن عبدالرحيم القادم من مجال النقد الأدبي يرى الامر من زاوية أكثر اتساعا وعمقا في كتابه «فيصل.. تحرير» مسجلاً أن سيارات النقل الجماعي «الميكروباص»، التي يضطر من يستخدمها للانحناء مرتين على الاقل يوميا في الصعود والهبوط ليست مجرد سيارات صغيرة، لكنها مجتمع «كامل الاركان» يمكن رصد بعض تجلياته للخروج بنتائج تدل على تحولات المصريين في السنوات الاخيرة.

ويحمل الكتاب عنواناً فرعياً هو «أيام الديسك والميكروباص» ويقع في362 صفحة متوسطة القطع وصدر في القاهرة عن مكتبة مدبولي. و«الديسك» في الاصطلاح الصحافي هو المطبخ الصحافي، حيث تعد الموادالصحافية للنشر. أما «الميكروباص» فلم يكن قبل سنوات يمثل ظاهرة ثم أصبح له وجودمحدود بديلاً للطبقة الوسطى عن ركوب الحافلات العامة، التي صارت وسيلة غير آدمية في القاهرة، وانتهى الامر بـ«الميكروباص» ليصير هو الاخر وسيلة غير آدمية بعد اختفاء الحافلات العامة تقريباً من شوارع القاهرة.

وتدور من وقت لآخر مناورات ومناوشات بين جهاز الشرطة وسائقي «الميكروباص» الذين يتهمون بعض افراد الشرطة بابتزازهم أو ظلمهم بلا مبرر.

ويقول عبدالرحيم ان «العبث هو ما يجمع بين (الديسك) و(الميكروباص)، مستشهدا على هذا العبث بإهدار السلطة التنفيذية حديقة أثرية عمرها 130 عاما، في منطقة حلوان جنوب القاهرة، واقتطاع جزء منها وتخصيصه مرآبا لـ«الميكروباص»، وهذا العبث أيضا هو الذي يرغم «الديسك» على تحرير صفحات لا علاقة لكتابها بالكتابة، حتى ان البعض شبه عمل «الديسك» بالخدمة في البيوت.

ويقسم المؤلف سائقي «الميكروباص» الى ثمانية أنواع، منها المتطرف الذي يعتقد أن «الراكب الطيب هو الراكب الميت»، والمتدين الذي يحرص على قول «ان شاء الله» حتى لو كان الفعل ماضيا كأن يقول لأحدهم «ركبت ان شاء الله يا أخي» ويرتدي جلبابا أبيض ويتجنب أن تركب معه امرأة غير محجبة، و«الدجاج» ويعني من له سابقة جنائية ولا يبالي بالسجن بل يحن الى العودة اليه.

ويسجل أن واحدا من «الدجاج» تعرض يوما لمضايقات شرطي فتناول «قنينة بنزين يضعها تحت مقعده تحسبا للطوارئ وصبها على جسده وواجه المندهشين صارخا «الباشا يريد أخذ فلوسي. علي الطلاق سأحرق نفسي»، فما كان من الشرطي الا أن هرب تفاديا لانتقام المواطنين الذين أبدوا تعاطفا مع السائق.

أما الركاب فليسوا أيضا كتلة صماء بل شعوبا وأقساما يصنفهم عبد الرحيم الى13 نوعا معظمهم «الذاهلون» الذي لا يبالون بأي شيء ولا يفكرون الا في تدبير حياتهم بمواردهم المحدودة. ويضيف المؤلف أن سيارات الاجرة في عصر «الميكروباص» الاول بدأت بداية «انسانية» قبل الوصول الى عصر «الميكروباص» الثاني الذي تخلت فيه الحكومة المصرية عن مهامها ومنها ضمان وسيلة نقل مقبولة للمواطنين. والفرع الثاني مما يراه عبدالرحيم عبثا موازيا لظاهرة «الميكروباص» ومتداخلا معها فهو «الديسك».

ويقول انه «سأل كثيرين من محترفي هذا العمل فأخبروه أن «الديسك لم يعد عملا صحافيا. فهو الآن يشبه قيامك بغسيل سراويل غيرك»، ويضيف أن «انهيار التعليم في مصر يفرز صحافيين لا يتمتعون بالحد الادنى من المعرفة». ويقسم العاملين في «الديسك» الى انوع عدة تبدأ بمن يسميهم أصحاب الرسالة الذين لا يشكون أبدا ويرون عملهم حفظا لماء وجه الصحافة. ومن العاملين في هذا المجال أيضا «المعذبون الذي يشعرون بالمرارة والغيرة على مهنة الصحافة ويشكون دائما من تدني مستوى ما يقدمه الصحافيون». ومنهم أيضا «الجهلاء» وبعضهم لا علاقة له بالكتابة، لكن لهم صلة قوية برئيس التحرير أو ناشر الصحيفة وبعضهم «جاهل مسكين. سمح لين.هو في الديسك لان سنه تقدمت ولا يصح أن يظل محررا. هو من جيل رئيس التحرير الذي يجامله.. وهذا المسكين يكون حريصا على ألا يصطدم بأحد من المحررين أو الـ«ديسكاوية». يجلس على مكتبه ساعة أو ساعتين ثم يعود سالما الى بيته».

الأكثر مشاركة