«المصارع».. الحلبة أمامه والهزيمة دائماً خلفه

فيلم »المصارع« يتكئ على شخصية رئيسة مطلقة. أرشيفية

فيلم The wrestler «المصارع» الذي يعرض حالياً في دور العرض المحلية، دعوة خاصة للغوص في عالم سفلي لا قرار له، أو هامشي بتوصيف أدق، وتعقب مصير راندي الخارج من قعره، متسلحاً بالعزلة، وانعدام قدرته على القيام بشيء ناجح خارج حلبة المصارعة الأميركية، ورهن حياته كاملة بتلك اللعبة، حتى وإن كانت قائمة على التمثيل والخداع.

بداية يجب التأكيد على أن فيلم «المصارع» الذي أخرجه دارين أرونوفسكي، مصاغ بالحنكة التي يمليها سيناريو كتبه روبرت سيغيل بالاتكاء على شخصية رئيسة مطلقة، بحيث لن يكون الفيلم إلا سرداً لسيرتها، لمآزقها وصراعاتها، ولتأتي الشخصيات الثانوية في خدمة تسليط الضوء أكثر على حياة تلك الشخصية، لدرجة يمكن فيها اختزال تلك الشخصيات الثانوية في اثنتين، وما تبقّى يمكن التعامل معه ككومبارس.

شارة البداية تضعنا مباشرة أمام أمجاد راندي (ميكي رورك)، قصاصات صحف، وصور تذكارية، وألقاب، مع أصوات المعلقين، لكننا سرعان ما نكتشف ومن اللقطة الأولى أن ذلك في طريقه للزوال، من الطريقة التي يجلس فيها راندي ورأسه محني، من توقيعه للمعجبين، وسماعة في أذنه تقول لنا ها قد خف سمعه وتقدم في العمر، ومن وجهه البادي عليه علامات الإنهاك، كما أننا نراه مفلساً، يصل بيته أو مقصورته الصغيرة، فيجدها مقفلة لأنه لم يدفع الإيجار، فينام في سيارته، إنه الأسطورة المفلسة، والمستعد لأن يجرح نفسه بشفرة لتمثيل أن ضربات خصمه قد أدمته، طبعاً هذا يأتي بعد أن نتعرف على الاتفاق بينهما، وأن المصارعة الأميركية تمثيل في تمثيل، وعلى المصارع أن يعرف كيف يقع على الأرض، وكيف يضرب نفسه بالحبال المحيطة بالحلبة ليرتد إلى خصمه وغير ذلك مما نعرفه جميعاً.

نصل في الفيلم إلى مباراة يبتدع فيها راندي وخصمه شتى أنواع الجنون، تتكسر على جسد راندي أشياء كثيرة، يغرز في جسده مسامير وكل ما يترك عليه وعلى خصمه جروحاً كثيرة لها أن تلبي رغبات متابعي تلك المصارعة.

مع نهاية تلك المباراة تحدث انعطافة الفيلم الدرامية أو عقدته الرئيسة، إذ يصاب راندي بنوبة قلبية، ويخضع لعمل جراحي، ويكون عليه التوقف عن اللعب، واعتزال المصارعة، وعدم خوض تلك المباراة التي تكون مخصصة لاستعادة مجده، ولنلاحق بعد ذلك حياته السابقة والحالية تحت ضربات ما يمليه عليه توقفه عن الشيء الوحيد الذي يتقنه وبالتأكيد مصدر رزقه الوحيد.

ما تقدم قد يبدو قصة عادية، وهي كذلك، لولا شخصية راندي نفسها، كيف نقع عليها وكيف تتطور، وإلى أين تمضي به خياراته.

إنه انسان وحيد، لا يعرف إلا المصارعة وأخذ الإبر والهرمونات وتربية العضلات، يحب راقصة، وتعامله بدورها كزبون، له ابنة لا يتذكرها إلا عند إصابته بالقلب، وينجح في استبدال كرهها له ببعض الحب، يخرّب كل شيء، ولا ينجح في لعب دور الأب لأكثر من يومين. كما أن فشلاً آخر يطاله عندما يكتشف أنه لا يستطيع مواصلة عمل «تافه» في «سوبر ماركت»، من دون أن ننسى تناوب الرقة عليه شتى أنواع الهمجية.

ويبقى السؤال كيف قُدّم كل ذلك؟ الإجابة تكمن في تقطيع مونتاجي غاية في الإتقان، وبحوارات مقتضبة ومكثفة، وسرد يعتمد اللقطة. كل علاقات راندي مأزومة، ومن اللحظة التي يبدأ فـيها الفيلم نكتشف أن حياته نفسها مأزومة، خياراته فيها التي سيكون وفياً لها في النهاية، لا لشيء إلا لأنه لا يستطيع النجاح في شيء إلا المصارعة، فحياته وموته وما بينهما رهن بها وإن كانت هذه الرياضة لا تتجاوز مصدر رزق محاط باللعنات، لا منتصر ولا خاسر، بل تمثيل ذلك، وليكون جميع من يلعـب فيها خاسرين.

لا شك أن فيلم «المصارع» واحد من أهم أفلام ،2008 ولعل أسد البندقية الذهبي جاء كتأكيد على ذلك، وترشح ميكي رورك لأوسكار أفضل ممثل شيء يستحقه عن جدارة، هذا إن لم نقل إنه يستحق الأوسكار، ذلك أنه قدم ما يمكن وصفه، من دون تردد، بدور العمر.

تويتر