إعلاميون يتألقون في ثالث أيام «دبي للشعر»
يرتدي مهرجان دبي الدولي للشعر في كل واحدة من أمسياته اليومية حلة متجددة، وكان من أهم مفاجآت ليلته الثالثة أن صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، شهد الأمسية الثقافية التي نظمها المهرجان احتفاء بمناسبة مرور 100 عام على مولد الشاعر العربي الكبير أبي القاسم الشابي، حيث حضر جانباً منها، مستمعاً إلى كلمة القاها الشاعر الأردني سعد الدين شاهين، ومقطع غنائي أدته المطربة علياء بلعيد من قصيدة الشابي «إرادة الحياة» التي لحنها حليم الرومي.
واكتسى المهرجان في ليلته الثالثة بطابع إعلامي عبر مشاركة متميزة لعدد من الشعراء الإعلاميين، ومنهم الزملاء رئيس تحرير جريدة «البيان» ظاعن شاهين، والدكتورة بروين حبيب مقدمة برنامج «نلتقي» على قناة «دبي الفضائية» الدكتورة بروين حبيب، والصحافي في «البيان» و حسين درويش والصحافي في جريدة «الخليج» جهاد هديب في قراءة عربية لأشعار ألمانية، ومدير تحرير مجلة «دبي الثقافية» ناصر عراق، وغيرهم من الإعلاميين الذين أسهموا بمشاركات تراوحت بين تقديم مادة شعرية أو قراءات نقدية.
واستمتع حضور فعاليات ليلة أول من أمس بنشاطات وأمسيات وندوات متنوعة، بدأت بندوة نقدية صباحية بعنوان «لغة بألف لسان..هاجس الشعر المشترك» استضافها مسرح مدينة جميرا، الذي استضاف في السادسة مساء اليوم نفسه أمسية جمعت الشعراء يانغ ليان، ظاعن شاهين، شهاب غانم، رافاييل أورودير، عبدالسلام الكبيسي، علي الشرقاوي، بروين حبيب.
وفي ميقات متزامن، استضاف بيت الشعر احتفالية بمئوية الشاعر الذي رحل وهو في عامه الخامس والعشرين قبل نحو 75 عاماً أبي القاسم الشابي، مخلفاً تأثيراً عميقاً في حركة الشعر العربي، حيث استضافت الأمسية نجل الشاعر الكبير محمد الصادق الشابي وحفيده طارق، اللذين صافحهما صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بحرارة تقديراً من سموّه لمكانة الشاعر الراحل .
وألقى محمد الصادق الشابي كلمة وجّه فيها الشكر إلى صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فارس الشعر وشاعر الفروسية، على مبادرة الاحتفال بمئوية ميلاد الشابي التي حضرها لفيف من محبي الشعر والفن، وفي مقدمتهم النجم السينمائي المصري عزت العلايلي الذي قال «إن الشابي قامة كبيرة في سماء القصيدة العربية».
توثيق سيرة
وبدأت الأمسية التي قدمتها الإعلامية الإماراتية صفية الشحّي، بكلمة تعريفية عن الشابي أشار فيها الدكتور نور الدين صمود الباحث والناقد التونسي الذي أشرف على توثيق سيرة الشابي، إلى الكتاب التوثيقي الضخم الذي أصدرته وزارة الثقافة التونسية أخيرا بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد أبي القاسم في 24 من فبرايرالماضي، وقال إن شهرة الشابي بدأت عندما بدأ بنشر شعره في مجلة «العالم الأدبي» لصديقه زين العابدين سنوسي، والتي أصدرها الشاعر المصري المعروف آنذاك أحمد زكي أبو شادي مؤسس مجلة «أبوللو» الشعرية بعد إعجابه بشعر الشابي، والذي بدأ يراسله ويطلب إليه إرسال قصائده لنشرها في مصر.
وكان الشابي أصدر كتاباً مهماً هو «الخيال الشعري عند العرب»، وهو في الـ19 من عمره، فطلب إليه أبو شادي أن يكتب له مقدمة ديوانه «الينبوع».
وقال صمود إن الكتاب التوثيقي يضم أربع كراسات بخط يد الشابي، منها كراسة تضم المسودات الشعرية والتصليحات التي كان يجريها على تلك المسودات، وثلاث كراسات بخط واضح لقصائد أعدها للنشر.
وأضاف أن ديوان «أغاني الحياة» صدر في مصر بعد 21 عاماً من وفاة الشاعر، بمقدمة كتبها شقيقه محمد الأمين الشابي خريج السوربون، وشهد مع كل طبعة جديدة إضافة قصائد لم تكن موجودة، بسبب البحث المستمر عن قصائد الشابي.
وقرأ مدير بيت الشعر في تونس الشاعر المنصف المزغني قصيدة «نشيد الجبار» من ديوان أبي القاسم الشابي، وفيها:
سأعيشُ رغمَ الداءِ والأعداءِ كالنسر فوقَ القمّةِ الشمّاءِ
أرنو إلى الشمس المضيئةِ هازئاً بالسحب والأمطار والأنواءِ
وقدم ناصر عراق استعراضا لعلاقة الشابي بشعراء النهضة المصريين الرواد، من أمثال أحمد شوقي ومحمود سامي البارودي وحافظ إبراهيم، ومن بعدهم علاقته المميّزة بأحمد زكي أبوشادي وجماعة «أبوللو». وأكد أن الشابي ليس شاعراً تونسيا وحسب، على الرغم من أنه فخر لتونس، لأنه شاعر كل العرب وكل العصور، لأنه غنى للحياة، وعلمنا أن نغني لها.
وقدمت المغنية التونسية علياء بلعيد أغنية «شكوى اليتيم» من ألحان رئيس قسم الموسيقى في الإذاعة التونسية عبد الحكيم القائد، أظهرت فيها قدراتها على تلوين صوتها بحسب إيحاءات القصيدة ورومانتيكيتها الأقرب إلى الميلودراما وإيماءات الجمل اللحنية.
وألقى الشاعر التونسي الحبيب الأسود قصيدة «إلى الشابي»، ومنها:
خُذْ كلّ ضوءِ اليوم كي تصحو غدا قدرٌ وحق أن تحلّقَ مُفردا
إرادة الحياة
وعقد الشاعر سعد الديـن شاهــين مقارنة ذكية بين ما عناه أبو القاسم شاعر الإرادة، وما عناه حفيده الشعري الفلسطيني الراحل الكبير محمود درويش الذي قال«على هذه الأرض ما يستحق الحياة»، وهو المعنى نفسه الذي دعا إليه الشابي.
وبعد ذلك، قدمت بلعيد مجدداً أغنية إرادة الحياة ذات البيتين المشهورين:
إذا الشعبُ يوماً أرادَ الحياة فلا بد أن يستجيبَ القَدَرْ
ولا بُد لليل أن ينجلي ولا بُد للقَيْد أن يَنْكَسِرْ
وقرأت القصيدة الشاعرة إيمان عمارة في وصلة رائعة من قصائد الشابي، وشاركها الشاعر المنصف المزغني في الإلقاء .
وكان مسك ختام الأمسية الكلمات التي وجهها محمد الصادق الشابي نجل الشاعر الكبير، وقال فيها «يشرفني ويسعدني أن أتقدم إلى صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بأسمى عبارات الشكر والتقدير على تنظيم هذا المهرجان الشعري العالمي، وعلى تنظيم أمسية خاصة لتخليد ذكرى والدي الشاعر أبي القاسم الشابي».
وأضاف «لم يعش أبوالقاسم كثيراً، لكن الموت لم يحل بينه وبين إيصال رسالته التي ما زالت أصداؤها تتفاعل إلى يومنا هذا».
وقال محمد الصادق «رحل أبوالقاسم شاباً يافعاً، لكنه تمتع برؤية شيخ عميق الحكمة واسع المعرفة. ومنذ بداية تفتح قريحته الشعرية، اتضح مدى إحساسه بهموم أمته العربية. ولعلي به كان يحسّ بدنوّ الأجل عندما بادر بإرسال رسالة عاجلة الى أمته، قائلاً فيها «إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر»، لاستفاقة الشعوب المغلوبة على أمرها».
وتابع «عندما أتيت إلى دبي، أصبح لديّ دليل إضافي على أن من يرد الحياة يستجب له القدر، فهذه مدينة منذورة للحياة، وهي مدينة المستقبل العربي والحلم العربي».
ووجه طارق الشابي (حفيد الشاعر) التحية إلى الإمارات بشكل عام، وإلى دبي بشكل خاص على مهرجانها الشعري العالمي. وقدم الشكر والتحية إلى صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، على مبادراته الثقافية، وقال إن سموّه فارس في الشعر وفي الحياة وفي القيادة.
عاشقة المستحيل
وصف طارق الشابي، حفيد الشاعر العربي الراحل أبي القاسم الشابي، بلغة نثرية لم تفتقر إلى شاعرية توارثها عن جده الذي رحل قبل 75 عاماً «دبي مدينة تعشق المستحيل، فطنت إلى ساحرية الشعر فاحتضنته، متخذة منه جسراً ورديا واصلاً بين ثقافات تبدو في عالمنا جزرا مفتقرة بالفعل إلى جهود الوصل التي سيسجلها التاريخ لتلك الإمارة التي تعشق التميّز» . وأضاف «دبي تحقق إحدى مقولات الشابي الشهيرة: ومن لا يحب صعود الجبال ..يعش أبد الدهر بين الحفر، مختارة أن تصعد دائماً الصعب من أجل ريادة تستحقها ورسالة إنسانية حملتها على عاتقها» .
اختارت أسر كثيرة أن تكون وجهاتها لقضاء عطلة نهاية الأسبوع الماضي ثقافية، مستثمرين أجواء مهرجان دبي الدولي للشعر وفعالياته، والذي تتوزع نشاطاته في أكثر من 12 موقعاً رئيسا في دبي، من ضمنها مراكز تجارية وأندية اجتماعية، حيث شهدت قاعات الأمسيات حضورا ملحوظا لأسر بأكملها في مشهــد دال لتحول سيغدو شديد الأثر في العلاقة بين طرفي الإبداع الرئيسين، المبدع والمتلقي في حال استثماره.
في المقابل، رصدت «الإمارات اليوم» ملمحاً آخر دالاً في قراءة نجومية أعلام الشعراء الذين يذاع صيتهم وأعمالهم وأسماؤهم، من دون أن يتاح لجمهورهم التعرف إليهم من مسافات أكثر قربا، عدا الدواوين والكتابات النقدية، حيث كان كثير من معجــبي شعراء بعينهم يحملون صوراً قاموا بنسخها من موقع المهرجان، من أجل أن يتعرفوا في كواليسه إليهم، لأهداف متفاوتة بين النقاش النقدي وإبداء الإعجاب والتقاط الصور التذكارية وأخذ تواقيع المشاهـيرأيضاً .