حمدان وأحمد بن محمد يقدمان «النبطي» لشعراء العالم
انتصر مهرجان دبي الدولي للشعر في دورته الأولى للشعر النبطي، تماماً كما انتصر للشعر العمودي وقصيدة النثر، والتفعيلة، والحر، وفي الوقت الذي سعى فيه إلى استقطاب أعلام شعراء العالم، التفت أيضاً إلى أهمية تقديم الشعر النبطي في هذا المحفل الدولي عبر أمسيات عدة، كانت أبرزها الأمسية التي شهدها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وسمو الشيخ ماجد بن محمد رئيس هيئة دبي للثقافة والفنون، واستضافتها قاعة راشد في مركز دبي التجاري العالمي، مساء أول من أمس، جامعة بين الشاعرين سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، وأخيه سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد.
وفي الوقت الذي كانت اللجنة المنظمة للمهرجان تختتم في «بيت الشعر» في الشندغة فعاليات الاحتفاء بليلة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش الذي ملأت أشعاره الدنيا، كانت أنظار عشاق الشعر ومبدعيه تتجه إلى مركز دبي التجاري الذي استضاف بفاصل زمني لا يتعدى الساعة عن أمسية درويش لقاء «فزاع» و«عزام» الذي استقطب حضوراً استثنائياً اكتظت به قاعة «راشد» الرحبة، وأتاح الفرصة لشعراء العالم المدعوين إلى المهرجان للتعرف إلى جماليات الشعر النبطي، ربما للمرة الأولى لدى كثيرين منهم، ضمن الحوار الشعري المتبادل الذي يسعى إلى ترسيخه.
صادف اليوم نفسه تنوعاً ثرياً في فعاليات المهرجان التي استُهلت بندوة نقدية بعنوان «فتنة الشعر أم الرواية ـ إيقاع التحولات والتغيرات» في مسرح مدينة جميرا صباحاً، فيما تزامنت مع احتفالية درويش أمسية شعرية في مدينة جميرا جمعت الشعراء أمل المرزوق، رانجيت هوسكوتي، محيي الدين الفاتح، خوسيه أوليفر، سالم الزمر، انريكا مويا، عارف الخاجة . وحافظت أندية الجاليات على استضافتها أمسيات مهمة، حيث استضاف النادي السوداني أمسية جمعت الشاعرين علي جعفر العلاق وروضة الحاج، وجمع النادي الإيراني في أمسيته بين الشاعرين علي رضا أبس وناهد كيري، واستضافت الرابطة الثقافية الفرنسية اريان ديفو وإنعام بيوض.
أمسية «فزاع» و«عزام»
بعد أن أعلن الشاعر ماجد عبدالرحمن مدير الأمسية التي جمعت بين الشاعرين سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي وأخيه سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد انطلاقتها، استهل سمو الشيخ حمدان بن محمد بأبيات ترحيبية بالحضور، قال فيها:
ودي قبل لا ابد اعتذر منكم
سعيد أني حضرت واسف على التأخير
صراحة ما اعرف شلون اعبر بس اشكركم
لانكم غير وما ودي اقول الا قصايد غير
ليلقي سمو الشيخ حمدان بن محمد قصيدة مطلعها:
تخاف الناس من ليلٍ هذوبه
عقب ما شافوا العالم غدوبه
انا لو ما لقيت اللي لقيته
لسوي خدمة اكبر من عجوبه
انا دربي على العليا صنعته
ومن راد العلا يصنع دروبه
وبناء على طلب من سمو الشيخ حمدان بن محمد، ألقى سمو الشيخ أحمد بن محمد قصيدته «فارس فكر» التي قال في مطلعها:
أشيا كثيرة يا (عوض) حابسها
واشيا كثيرة حَـيّـرت دارسها
في ليله مْـن الخوف كلٍ يوقف
لكن.. أنا مـن هيبتي جالسهـا
وان هابت الفرسان مهره تمرح
أعنّـها بْـعزمي.. وانا فارسهـا
تـمشي بكيفي في الدروب الوعره
أطلق عنان الفكر واعنّـسها
في شف دار الحي لا ما تركد
كل العواطف منّي تْـحمّسها
واستمر التناوب بين الشاعرين الكبيرين، في ظل تفاعل كبير من الحضور قبل أن يتطرق سمو الشيخ حمدان بن محمد في إطار تنويعه الأغراض الشعرية التي تحتويها أشعاره، مفصلاً في أبياته غرض المدح الذي ارتبط على مدار تاريخ الشـعر العربي بأسماء كثيرة لامعة في الشعر، وصيغت من معانيه مطولات خالدة في مختلف عصور الأدب العربي، حيث ألقى سموه في مطلع قصيدة «جاني من الأجواد واحد»:
المدح يا أحمد بن محمد علوم الطيّبين
وانته رجل مسلم ونفسك عارفين اسلامها
جاهد بها جوسك ترى الشاعر جهاده فرض عين
يا امّــا نصر.. والاّممات ومسكها بختامها
إلى عظم حجم الحسد فاعظم في عين الحاسدين
العظماء.. القبر نفسه يفتخر بعظامها
أتعملق.. ومْالك ومْال العالم المتقزّمين
مقامك العملاق ما تقدر عليه اقزامها
جاني من الأجواد واحد قال أبي بكره تعين
على التحدي.. قلت هالحمرا معاك خْطامها
لكنّ..وش يملا عيون أهل القلوب الطامعين
رفع يدينه للسمـا.. وأشّـرت بابهامها
والبكره الصَّفرا هذيك اللي يراعيها اثنين
إللي لو انها تنعرض للسوم محدٍ سامها
ماهي رخيصة سعر لكن من يسومك يالثمين
تكفى يابو (راشد) أبيها.. لو علا مقامها
وصوفها بين الهجن تملا محاجر كل عين
وبعد أن ألقى سمو الشيخ أحمد قصيدة «ملعب وصافرة»، أهدى قصيدة «وردة مشاعر» إلى الشيخة حصة بنت محمد آل مكتوم .
وشهدت قصيدة سموه «حال العَرَب» تجاوباً لافتاً من الحضور، قبل أن يعود ميكرفون الشعر في الختام لسمو الشيخ حمدان بن محمد الذي ختمت أشعاره أمسية قدمت أنموذجا رائعا للشعر الشعبي أمام حشد متنوع من جمهور الشعر عموما، ومهرجان دبي الدولي خصوصاً، بكل ضيوفه وجمهوره المنتمين إلى ثقافات متنوعة جاءت لتتحاور بلغة الشعر على أرض دبي .
حضرة الغياب
وفي ليلة محمود درويش، التي جاءت بعنوان «درويش في حضرة الغياب»، بدأت الشاعرة نجوم الغانم بمقدمة شاعرية استمدت ألقها من صور الحياة الطالعة من أرض درويش ورمل قصائده، وبعد كلمات نجوم، قدم صديق الراحل درويش غانم زريقات كلمة تعريفية أعاد فيها إلى الأذهان التي لم تنس بعض ألقاب درويش الذي تُوّج شاعر العرب في مهرجان الشعر الذي عقد في القاهرة في العام،2007 وحاز لقب ملك الشعر في مهرجان عالمي عقد في مقدونيا في العام نفسه. وأضاف: «شاعرنا كان يردد دائماً أنه في حاجة إلى بعض الوقت، لأنه لايزال يختزن الكثير من الشعر الذي يتبنى قيم الحب والحرية والجمال».
وقرأ زريقات مقطعاً من قصيدة لدرويش لم تنشر بعد، منها:
من قال حين تكون الطفولة
تغتسل الأبدية من النهر زرقاء
فلتأخذينى إلى النهر
سيأتي إلى ليلك النهر
حين أضمك يأتي إلى ليلك النهر
وبعد ذلك، أدى المسرحي اللبناني المعروف رفيق علي أحمد والشاعرة والإعـلامية البحرينية بروين حبيب، مقاطع من شعر درويش، منها قصيدته عابرون في كلام عابر.
وتألقت في الحفل المغنية اللبنانية جاهدة وهبي في تقديم أغنيات من قصائد محمود درويش، فجعلته، بصوتها القوي وإيقاع موسيقى عازف القانون العراقي أسامة عبدالرسول، حاضراً بقوة تمزج الفرح بالمخلوقات والبحر الذي يحيط ببيت الشعر بحنين إلى درويش، وهو الحنين الذي جعل الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي يغادر القاعة للحظات بعدما غلبته دموعه، إذ ذكرته الأغنية أو بيت شعر مما غنته جاهدة بأن درويش مات، وكأنه يسمع النبأ للمرة الأولى.
ما فعله البرغوثي كان حاضراً في عيون الجميع، رغم طابع الاحتفال بالحياة، فالدمع كان حاضراً بقوة، وإن ألجمته العيون لتمنح القلب فرصة للفرح بالحياة الذي حرض عليه درويش في كل شعره . وبعد ذلك، ألقى الشاعر الإماراتي إبراهيم محمد إبراهيم قصيدتين، أهدى الأولى إلى درويش ثم قدم قصيدة أخرى تحية إلى غزة، وشهدائها الأبطال، أما الشاعر والإعلامي اللبناني زاهي وهبي، فقدم قصيدتين، إحداهما تحية لدرويش والأخرى إلى حورية أم درويش.
في السياق نفسه، حذر الكاتب خيري منصور ممن رأى أنهم يستغلون درويش، وقال أن للشاعر الراحل حضوراً أكبر من كل قصائده، فوراء درويش عوامل كثيرة شعرية، وإنسانية وثقافية احتشدت فيه لتجعل منه ما نعرفه جميعاً.
وفي الختام، ألقت الشاعرة السودانية روضة الحاج قصيدة عن محمود درويش، تحدثت إليه فيها عن كل الحيل التي تعرفها لتتجنب البكاء، لكن كل حيل عكا نفدت في تجنب الدمع، عندما غاب درويش.
ثقافة السلام
قال الشاعر والإعلامي ماجد عبدالرحمن، مدير الأمسية الشعرية التي جمعت كلاً من سمو الشيخ حمدان بن محمد وسمو الشيخ أحمد بن محمد، أمام حشد من الجمهور تخلله حضور واسع من شعراء ينتمون إلى ثقافات متعددة، جمعها مهرجان دبي الدولي للشعر: إن «العرب قديماً كانوا يحتفون بمولد شاعر أكثر بكثير من احتفائهم بمولد محار»، مشيراً إلى أن الشعر لغة أساسية للسلام في العصور كافة.
وأشار في تقديم مختصر إلى أهمية الشعر والشعراء في الثقافة العربية التي كان أبناؤها يكللون به مناسباتهم الاجتماعية كافة، ويوقدون نيران الكرم والاحتفاء في قمم الجبال ابتهاجاً بمولد شاعر جديد.