احتفائية برواد القصيدة الإماراتيـة.. وأمسية نسائية

بلال البدور قدم قراءة في تجربة حمد بوشهاب الشعرية. تصوير: أسامة أبو غانم

في ختام لياليه الاحتفالية، أقام مهرجان دبي الدولي للشعر، مساء أول من أمس، أمسية شعرية كبرى احتضنها بيت الشعر في منطقة الشندغة التراثية في دبي، احتفاء بثلاثة من أبرز رواد القصيدة الإماراتية حمد خليفة بوشهاب، وسلطان بن علي العويس، وأحمد بن سليم، فيما شهد مسرح مدينة جميرا صباح أمس ختام الندوات النقدية التي شكلت امتداداً تلقائياً لليلة الإماراتية التي سبقتها زمنيا، تحت عنوان «الشعر الشعبي..الواقع والطموح».

وعقب الأمسية المميّزة التي جمعت بين سموّ الشيخ حمدان بن محمد ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي وأخيه سموّ الشيخ أحمد بن محمد، استمر ألق الشعر الشعبي حاضراً، فبعد أن تعارف الشعراء الضيوف وتذوق الجمهور الملامح الرئيسة للقصيدة النبطية المعاصرة متجلية في إبداعات سموّهما، كان الجميع على موعد لاستكشاف بعض خصائص تلك القصيدة، ليكتمل المشهد بجلسة نقدية خاتمة لهذا الجانب المهم، في قوام خصوصية المشهد الثقافي الإماراتي .

ومع وجود أمسية خاصة بشعر المرأة، استضافتها جمعية النهضة النسائية، وضمت الشاعرات شيخة المطيري وإنعام بيوض وهدى السعدي وأمل المرزوق، تواصلت رسالة المهرجان في الجمع بين شعراء متباينين من حيث الانتماء الثقافي، لتوحدهم لغة الشعر عبر ترجمات مكتوبة ومسموعة، اتسمت بالدقة العالية، وحازت قبولاً استثنائياً من الشعراء المبدعين، وضمت جيمس فينتون وفالمير ماركو وألما راكوسا وعبدالله الهدية وهالة محمد وأحمد راشد ثاني ومحمد الشرفي، واستضافها مسرح السلام في مدينة جميرا.

ولم يؤثر اعتذار الشاعر الكبير وولي سوينكا في ألق الأمسية الشعرية الخاصة التي كان من المقرر أن يكون أحد شعرائها في مركز دبي التجاري العالمي، وانعكس تغيبه في إتاحة مزيد من الوقت وطرح مزيد من القصائد بالنسبة للشعراء الآخرين المشاركين الذين ألهبوا أكف متذوقي الشعر تصفيقاً، حيث تناوب على الإلقاء كل من الشعراء علي السبعان وامتياز داركيز وحامد زيد وأحمد حجازي.

وفي توقيت مناظر، استضاف مسرح السلام في مدينة جميرا أمسية أخرى جمعت بين ماثيو سويني وجيلينا فانيلوفا وحبيب الصايغ وفاتحة مرشيد وخالد البدور وسليمان بن فليح وراشد بن فطيمة، ليجد كل متذوق للشعر مبتغاه مع تنوع نادر لأنماط وقوالب واتجاهات شعرية تحت مظلة مهرجان واحد، لا ينتصر لنمط شعري بعينه، تماماً كما لم يزعم أن جنس الشعر هو الأكثر نجاعة في التعبير عن إشكالات العصر وطموحاته، دون سواه من أجناس الإبداع الأدبي.

وفي الأمسية الرئيسة لليلة الأول من أمس، أجاب بيت دبي الشعر عملياً عن جدوى انطلاقته التي استبقت بدء مهرجان دبي الدولي للشعر بأيام، وكان الحاضن لعرس إماراتي بإبداعات ثلاثة من أبرز رواد القصيدة الإماراتية، في ليلة سبقتها ليلتان، إحداهما احتفاء بالشاعر التونسي أبي القاسم الشابي، والأخرى احتفاء بالشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، لتكون مسك ختام الليالي الاحتفائية هذا العرس الإماراتي الخالص الذي شهد استضافة عشرات الشعراء من مختلف أنحاء العالم.

وابتعدت الأمسية عن صيغ ذكر المآثر وتعداد مناقب الشعراء الراحلين التي اعتاد جمهور الشعر سماعها في مناسبات مماثلة، منتصرة للغة الفعل، حيث تم الكشف عن كتاب شعري عن أحمد بن سليم، قام بجمعه وتحقيقه جمال بن حويرب رئيس اللجنة المنظمة لمهرجان دبي الدولي للشعر، قبل أن يتم توزيعه على الحضور، بالإضافة إلى موسوعة الشعر العربي الإلكترونية التي تم إصدارها خلال المهرجان، وتضم ثلاثة ملايين ونصف المليون بيت شعر لثلاثة آلاف شاعر.

وبلغة شاعرية اتسقت مع سياق مقام تكريم الرواد، قدمت الإعلامية صفية الشحي الأمسية، مشيرة إلى أن المهرجان اختار من رواد الشعر الإماراتي ثلاثة، هم «أحمد بن سليم المولود في دبي ولمع في كتابة الشعر الفصيح والنبطي وتولى الوزارة حتى وافته المنية في .1976 والشاعر المعروف سالم العويس، وابن عجمان البار الشاعر حمد خليفة بوشهاب أحد رواد القصيدة الإماراتية بامتياز».

وقدم وكيل وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع بلال البدور، قراءة موجزة عن تجربة بوشهاب ومراحل التحول في شعره، متطرقاً إلى بواعث بدايته بالكتابة في قصائد الغزل والشعر الرومانسي الذي يتغنى بالطبيعة والحب، مشيراً إلى أن فترة الخمسينات من القرن الماضي غيرت قناعات الشاعر الشعرية، بدخول عصر القومية العربية.

وألقى الشاعر الإماراتي سالم الزمر قصيدة من إبداع حمد خليفة بوشهاب الأدبي من الشعر الفصيح، بعنوان «بين الغضب والابتسام»، خاطب فيها محبوبته في غزل عذري عفيف. وألقى قصيدة من الشعر النبطي الذي كان يجيده بو شهاب ويحب كتابته في الحب والتغني بالوطن والقيم الإنسانية.

وقدم عبدالإله عبد القادر مدير مؤسسة سلطان العويس الثقافية إطلالة على المسيرة الشعرية لسلطان العويس، موضحا أن الشارقة كانت بؤرة لولادة عمالقة الشعر، ومنهم سلطان العويس الذي ولد في ،1915 متطرقاً إلى مناصرته للمرأة في معظم كتاباته . مؤكداً أنه كان يرى المرأة نموذجاً للحياة، ثم في رحلة أخرى كانت رمزاً للوطن، فقد كانت حاضرة بقوة في شعره، وكان يراها معادلاً شعرياً للحياة نفسها، معرجاً على أمهات الكتب التي نهل العويس، منها قبل أن يكتب قصيدته الخاصة التي أبدعها هنا في الإمارات أو في بيروت، حسب إشارة عبدالقادر، قبل أن يتحول في التسعينات إلى قصائده الوطنية ويتغنى بالحرية، متناولاً الهم الوطني والقومي.

وفي إلقائه لقصيدة من إبداع العويس قال سالم الزمر:

حسبي من الحب
أوراقي سأنثرها
على شفاهي
إن الورد كلمني
اليك منتمياً
ما غبت عن نظري
أنت الزمان
تعالي واكتبي شجني

وفي تقديمه لإطلالة على أغراض الشعر عند أحمد بن سليم، تطرق بلال البدور إلى تميّز الشاعر الراحل في المديح والفخر والغزل والنصح والإرشاد بمعناه الاجتماعي . مشيراً إلى أنه «لم يترك قضية وطنية إلا كتب فيها، وكتب كثيراً في الحب، وكل مناحي الحياة، فقد كانت قصيدته باتساع الحياة». وألقى الشاعر سالم الزمر الذي تعهد إلقاء مقتطفات من إبداعات الرواد المحتفى بهم، قصيدة من إبداع أحمد بن سليم منها:

بأي فؤاد يا عليةُ أذهبُ
وأي نعيم بعدكمْ أتطلبُ
وأي اصطبارٍ عنكمُ أستطيعُه
وأي اقتدار لي على ما أُنكَبُ
سئمتُ تكاليفَ الهوى وتصادمت
همومي فمنزوحٌ وثاو يؤنّبُ
إذا قلتُ نامَ المرجفون وصوحت
أحاديثُهم فينا وحالَ التعقبُ
رجعتُ وشوقي سائقي وتولّهي
دليلي وأحلامي اللذيذةُ مَركَبُ

في سياق منفصل، ناقشت الندوة النقدية صباح أمس، في مسرح السلام في مدينة الجميرا، واقع القصيدة المحلية في منطقة الخليج العربي تاريخياً، وناقشت أزمتها في التواصل مع قارئها، على الرغم من شيوعها بسبب انتشار صفحات الشعر الشعبي في الصحف الخليجية والقنوات الفضائية المتخصصة في هذا النمط الإبداعي، وأدارها الشاعر الإماراتي راشد شرار وتحاور فيها بشكل رئيس الباحث والشاعر الكويتي إبراهيم حامد الخالدي والشاعر نايف البندر، وقدما مداخلتين مهمتين حول الشعر النبطي أو الشعبي. وفي مداخلته، قدم الخالدي إطلاله تاريخية حول تاريخ الشعر الشعبي، قائلاً إن هذا النمط بدأ مع تغريبة بني هلال في نحو سنة 443 للهجرة (1051 للميلاد) مع وصول الهلالية إلى تونس، وصياغة سير شعبية تعد قصائدها الانطلاقة الأولى للشعر الشعبي . والمحطة الثانية التي توقف أمامها الباحث هي وفاة ابن خلدون الذي ضّمن مقدمته الشهيرة أشعاراً نبطية ونبذة عن الشعر النبطي من دون أن يسميه بهذا الاسم.

وولي سوينكا يقطع اعتذاراته

قطع الشاعر الإفريقي الوحيد الحائز جائزة نوبل للآداب وولي سوينكا اعتذاراته المتكررة عن عدم حضور فعاليات شعرية كان من المفترض أن يتقدم حضورها، ووصل أخيراً إلى دبي، حيث شارك أمس في أمسية له، استضافها مسرح السلام في مدينة جميرا، وشهد إقبالاً جيداً من جمهور الشعر .

وكانت آخر اعتذارات سوينكا بصدد أمسية شعرية كان من المفترض أن تجمعه بأحمد عبدالمعطي حجازي وحامد زيد وعلي السبعان وامتياز داركيز، في مركز دبي التجاري العالمي مساء الأول من أمس

27 قصيدة لمحمد بن راشد في ديوان بالإنجليزية

يصدر اليوم، عن دار موتيفيت للنشر في دبي، ديوان Poems from the Desert «قصائد من الصحراء»، الذي يضم الترجمة الإنجليزية لعدد من أروع ما نظم صاحب السـمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حـاكم دبي، من قصائد الشعر النبطي الذي يعدّ واحدا من أهم وأبرز شعرائه. وأوضح الناشرون أن ترجمة القصائد الـ27 التي يضمها الديوان ستصدر في نسخة فاخرة ستتوافر ضمن المكتبات الكبرى في مختلف أنحاء الدولة.

حضور فني

كان حضور الفنانة السورية منى واصف لفعاليات الندوة النقدية التي استضافها مسرح مدينة السلام في مدينة الجميرا أمس لافتاً، لا سيما أن الندوة خُصصت لمناقشة بعض قضايا الشعر النبطي بعنوان «الشعر النبطي..الواقع والطموح»، بل حملت واصف التي تؤكد دائماً أنها سعت إلى تثقيف نفسها ذاتياً بعد خروجها من سياق التعليم الرسمي في مرحلة الدراسة الإعدادية، آراء مهمة أثرت النقاش النقدي.

وقالت واصف التي شاركت في عشرات الأعمال الدرامية التلفزيونية والمسرحية بدءاً من «الرسالة» وانتهاء بـ«صراع على الرمال» في مداخلة خلال الندوة، «إننا مطالبون بالحفاظ على اللغة العربية الفصيحة التي تمثل هويتنا كما حفظها القرآن».
تويتر