يوسف زيدان: «عزازيل» ليست مــــوضوعاً لسجال ديني
قال الروائي والباحث المصري يوسف زيدان إن روايته الأخيرة «عزازيل» لم تُكتب أصلاً للقارئ العادي، مؤكداً ان ترشيح الرواية لجائزة الرواية العربية (البوكر)، ثم وصولها لقائمة المرشحين الستة النهائية، يُعد «إنصافاً لروائية الرواية وتوجيهاً رفيعاً إلى أدبيتها».
وعن الجدل الواسع الذي أثارته الرواية والهجوم الذي وجه إليها؛ قال «فوجئت بالهجوم غير المبرر على الرواية منذ صدورها، غير أنني لم أنسق إلى الصدام، بل تماشيت مع ذلك قدر المستطاع، ولذلك لم أردّ على التوهمات التي اشتملت عليها تلك البيانات الكنسية الرسمية، انتظاراً مني لتلك اللحظة التي يقرأ فيها الغاضبون روايتي قراءة منصفة، أو يضربون عنها صفحاً ويتجاهلونها ما دام معناها العميق غائباً عن أذهانهم». لافتاً إلى ان «تأخر تقديم القراءة النقدية للرواية، أدى إلى أن يتجه بعضهم لقراءة الرواية على أنها كتابٌ يقع خارج دائرة التأليف الأدبي». وتساءل زيدان «العجيب في الأمر، أن آرائي النظرية مبثوثة ومذكورة في كتبي الأخرى صراحةً. فلماذا لا ينقم الناقمون على ما ورد في تلك الكتب، ويتركون الأدب لأهله، والرواية لمن يعرفون أوليات القراءة». وأشار الروائي المصري إلى انه يرفض الانجراف في سجال ديني منهك لكل الأطراف، وعن الدلالة الاجتماعية والفكرية لهذا الهجوم؛ قال «للزمان دورته، وعلينا أن ندور مع الزمان حيث دار، ولا شك في أن الأحوال الفكرية عموماً في تراجع يزداد مع الأيام تدهوراً، والحرية الفكرية صارت أقل حضوراً، لأننا صرنا أكثر كسلاً ذهنياً، ومن دواعي الكسل الذهني أن ترفض الشيء قبل النظر إليه، لأن هذا أسهل وأقل إجهاداً للذهن الكسول، وأكثر مناسبة للحالة المَرَضية غير المُرضية التي وصلنا إليها أخيراً».
ورداً على المقارنات التي عقدها البعض بين «عزازيل» والرواية الغربية «شفرة دافنشي»، أوضح زيدان: «لا رد عندي على هذه الأقوال، لأن أصحابها لم يقرأوا هذه ولا تلك، أو هم لا يعرفون أصلاً الفارق الجوهري بين رواية مغامرات وفبركات تاريخية مثل (شفرة دافنشي)، ورواية فلسفية كُتبت بالدم مثل (عزازيل)».
نص مستفز
وتطرق زيدان الذي بدأ العمل الثقافي قبل نحو 15 من باب البحث، حيث ألّف وحقّق ما يزيد على 30 عملاً في مجالات تاريخ العلوم والفلسفة والتصوف، كما يشغل حالياً منصب مدير مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، إلى الأسلوب الذي اتجه إليه في بناء الرواية من حيث تخفي المؤلف خلف الحكايات التاريخية موضحاً: «لم أشأ أن أقدم إلى القارئ حدوتة أو حكاية مسلية، وإنما قدمتُ إليه نصاً يستنفره ويتمازج مع باطنه العميق، ولذلك اقتضى الأمر، هذه التقنية غير المباشرة التي وصفها الناقد الدكتور جابر عصفور بأنها مخايلة استهلالية، فقد أردت أن يشارك القارئ في النص، يتورط فيه، ويحتار قليلاً مثلما احترت، ثم يشرع في النص سالكاً الطريق المتوسط بين الواقع والخيال، فيسكب على النص كثيراً من واقعه هو، وخياله، ثم يتوحد على نحوٍ خفي بالبطل، ويرى نفسه متجلياً على مرآته». وتابع «التاريخي والراهن متداخلان فينا على نحو أعمق مما نظن. إننا نفصل التاريخ عنا على مستوى ذهني، فقط، ولكن على المستوى الشعوري والفعلي (واللغوي أيضاً) فالتاريخ نافذٌ فينا، اعترفنا بذلك أم أنكرناه». وحول اختلاف مستويات اللغة داخل الرواية، وتراوحه بين مستوى وصفي، ومستوى يمكن تسميته بالديني، ومستوى آخر قائم على محاكاة النصوص القديمة؛ أضاف: «هذه الخبرة، ليست جديدة علي، فهي إنتاجُ الانشغال بطبيعة النصوص، تراثية أكانت أم معاصرة، وقد فعلت الأمر نفسه في دراساتي النقدية التي نُشرت في النصف الأول من التسعينات، ثم صدرت في كتابي النقدي «التقاء البحرين» في منتصف التسعينات»، مشيراً إلى ان هذا الاختلاف «يأتي نتيجة الغوص في الشخصيات وتدوين الصورة الروائية للشخصيات، بعدما تتخلل باطني تماماً، فأصير كأنني هذه الشخصية الروائية، أو تلك. ومن بعد ذلك، أترك الشخصية تتحدث عن نفسها بلغتها الخاصة ورؤاها المميزة لها».
رواج جماهيري
وعن اختلاف مناخ وأسلوب تقبل الساحة الثقافية لعمله «عزازيل» وعمله الأول «ظل الأفعى»، ومدى مسؤولية الموضوع عن ذلك؛ أشار إلى أن «الموضوع في «ظل الأفعى» لا يقل أهمية عن مثيله في «عزازيل»، وتقنياتها الفنية أعقد وأكثر رهافة. مع هذا، فلا يمكن أن نذهب إلى أن الرواية الأولى لم تثر جدلاً، فقد حظيت باهتمام كبير، ونفدت طبعتها الأولى في وقت قصير، وكذلك طبعتها الثانية. ولايزال من العسير الحصول على نسخة من طبعتها الثالثة التي تأخر صدورها، ولم يتم توزيعها بشكل جيد حتى الآن. على كل حال، فمسألة الجدال ورواج العمل، لا تعنيني بقدر كبير. أو بعبارة أخرى، أهتم بذلك أقل مما أهتم بعمق الأثر الذي تحدثه كتاباتي، وهذا ما ينطبق أيضاً على أعمالي غير الروائية، فكتابي «شعراء الصوفية المجهولون» طُبع ثلاث طبعات، كانت الأولى منها 10 آلاف نسخة. ومع ذلك، فالأثر الذي أحدثته دراساتي المنشورة في «المتواليات» كان أكثر عمقاً وأهمية، مع أن «المتواليات» لم تُطبع غير مرة وحيدة». مضيفاً «استوقفني في الحالتين هذا الاهتمام الكبير من الشباب، فقد كنتُ غافلاً عن هذا الكم الهائل من القراء الذين تراوح أعمارهم بين الـ20 والـ،30 كما استوقفني أن تحظى «عزازيل» بهذا الاهتمام باعتبارها رواية «خطيرة» مع أنني أرى «ظل الأفعى» أشدّ خطراً منها».
ثأر أدبي
وعن موقفه من محاولة البعض الثأر من كتابه بتأليف كتاب يمس المقدسات الإسلامية، وما تردد عن نية الكنيسة إصدار كتاب للرد على الرواية يحرره أساقفة ورجال دين؛ قال: «طبعاً آلمتني مسألة الثأر هذه، وانتظرت تلك الكتب التي صرحت شخصيات كنسية كبيرة أنها في صدد نشرها، وهي أكثر من كتاب حسبما قالوا، ولكن لم يصدر منها شيء حتى الآن، ولعلهم أدركوا متأخرين أنهم لم يفهموا الرواية على الوجه الصحيح، فانصرفوا عن نشر الكتب التي توعدوني بنشرها مستخدمين صيغة تبتعد تماماً عما هو متوقع من أهل ديانة توصي أتباعها بالمحبة، وتقول لهم: أحبوا أعداءكم. على الرغم من أنني في نهاية الأمر، لست عدواً لهم، ولا أظنني سأكون كذلك يوماً». وتابع: «لم أنجرف، ولا أنوي مستقبلاً، إلى سجال ديني بين إسلام ومسيحية. فلكلاهما عندي تراثٌ واحد، تعاقبت مراحله، وتأسّس اللاحق منه على السابق. ولن أقع في شَرَك الخلافات المذهبية، فأناضل قوماً بلسان قوم آخرين، فهذا منهكٌ لكل الأطراف، ومدعاة للتنازع، ومن ثم الفشل الذريع وذهاب عزم الجميع، كما ورد في الآية القرآنية البديعة {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} وقد علّمتني الأيام أن أتحاشى الانهماك في السجالات والمهاترات، اتقاءً لظلمة القلب المترتبة على ذلك».
جدل ديني
تتحدث الرواية عن ترجمة مخطوطات قام بها مترجم وهمي لمجموعة لفائف مكتوبة باللغة السريانية، دفنت ضمن صندوق خشبي محكم الإغلاق كُتبت في القرن الخامس الميلادي وعُثر عليها بحالة جيدة ونادرة في منطقة الخرائب الأثرية حول محيط قلعة القديس سمعان العمودي قرب حلب في سورية، كتبها الراهب هيبا بطلب من عزازيل، أي الشيطان.
وقد أثارت الرواية بموضوعها جدلاً كبيراً تعدى من وجهة نظر الكثيرين على جودتها الفنية وحصر المناقشة حولها في أمور تتعلق بالشأن الديني، ربما لأنها تتحدث عن فترة حرجة من تاريخ الكنيسة بين القرنين الرابع والخامس للميلاد (زمن انشقاق كنيستي أنطاكيا والإسكندرية وعقد مجمع أفسس الذي ناقش انشقاق نسطور أسقف القسطنطينية وحرمانه).
«عزازيل»
تتألف الرواية من380 صفحة فيها 31 فصلاً (رقّاً) ولكل رقّ عنوان والرقّ الأخير هو قانون الإيمان المسيحي، وكلمة عزازيل تعني الشيطان بحسب اللغات القديمة، وبحسب ما جاء في الموسوعة الشعرية من كتاب «الباقلاني» لأبي البركات الأنباري (1119-1181م)، فإن إبليس وقبل أن يرتكب المعصية كان ملَكاً من الملائكة واسمه عزازيل ولم يكن من الملائكة ملَكٌ أشد منه اجتهاداً ولا أكثر منه علماً.
وتأتي رواية «عزازيل» كعمل روائي ثان بعد رواية «ظل الأفعى» التي ناقشت قداسة الأنوثة ودور الأنثى في مراحل مبكرة من التاريخ البشري قبل أن تتحول المجتمعات الإنسانية إلى السلطة الذكورية، أما العمل الثالث الذي يعكف زيدان عليه حالياً فهو رواية اختار لها اسماً مؤقتاً هو «أيل».