<p align=right>الاحداث السياسية حاضرة في فيلم »الحراس«. آوت ناو</p>

«الحرّاس».. كيف تقتل 15 مليــون إنسان لإنقاذ البشرية

لا يخلو فيلم watchmen (الحراس) الذي يعرض حالياً في دور العرض المحلية من المحاولات التي أطلقها «فارس الظلمة» في مقاربة الأبطال الخارقين من زوايا مختلفة، والبناء على عوالم جديدة يمكن لهؤلاء الأبطال أن يستحضروها، ولنكون مع «الحراس» محاطين بعدد كبير من هؤلاء الأبطال الذين لن يتوقفوا عن تذكيرنا بتعاسة أن تكون خارقاً في هذا الكون الذي لا يعرف الرحمة بالخارقين والعاديين على السواء.

الأحداث السياسية حاضرة مع «الحراس»، المرحلة التاريخية أيضاً، وشبح الحرب النووية المهيمن على كل شيء يجعل من الحياة مسألة معلقة، يمكن أن تفنى وتنقرض بكبسة زر. نحن في عام ،1985 ومقتل شخص اسمه الكوميديان (جيفري مورغان) في ظروف غامضة، وبعد معركة تتضح فيها قدرات هذا الأخير، سيفتح الباب على مصراعيه أمام عودة في الزمن تضعنا أمام عدد كبير من الأبطال الخارقين، الذين تمت الاستعانة بهم في مساعدة الحكومة الأميركية في حروبها والحفاظ على أمنها، ومنهم من أصابتهم لعنة التجارب العلمية أي الدكتور منهاتن فتحول إلى بطل خارق أقرب لقوة ردع في مواجهة الصواريخ النووية السوفييتية ، مصدر الهلع الأميركي الأول في تلك المرحلة التي تجري فيها أحداث الفيلم الممتدة من الخمسينات إلى الثمانينات.

يسعى الفيلم أن يكون جدلياً، وإن كانت الفنتازيا هي عنوانه العريض، فتحضر أفكار وجودية كبرى، وحوارت تجنح للغرائبية، ولعل «الفلاش باك» سيتسيد الموقف تماماً، فمع اقترابنا من عوالم الأبطال الخارقين، يمسي كل واحد منهم قصة قائمة بذاتها، تعود بنا إلى طفولة كل واحد منهم، وكيف صار خارقاً، وليكون الكوميديان ومقتله الدافع الرئيس للفيلم للكشف عمّن كان مقنعاً، وصار إنساناً عادياً، بعد تصديق الكونغرس على حظر أنشطتهم، التي راحت تجنح إلى الشر، والقتل لمجرد القتل، الأمر الذي يستدعي من الفيلم تحريف الأحداث بحيث تمسي حرب فيتنام نصراً أميركياً لا لشيء إلا لطلب الرئيس نيكسون من الدكتور منهاتن (بيلي كرودوب) التدخل لحسم المعارك، وهذا ما يفعله بقدراته التي تصبح على شيء من قدرات الآلهة الإغريقية وما يتخطاه إلى ما يمكن أن يكون كلي القدرة بامتياز، وكل ذلك بعد أن كان مجرد باحث فيزيائي، اكتسب قدراته صدفة عند دخوله إلى منطقة مخصصة لتجارب خاصة بالقوة والردع واكتساب الانسان للمعجزات.

لا يمكن سرد الفيلم في خط أفقي، أو استحضار كل شخصية على حدة، الأمر الذي سيتطلب منا حديثاً سيبدو مبهماً لا محالة، لكننا سنكتفي بالخطوط العامة، بمساحة من الحزن والأسى تهيمن على أبطال خارقين متقاعدين، بينما اثنان أو ثلاثة منهم مازالوا مصرين على لعب دور ما في الصراعات الكونية المتجسدة في هذا الفيلم بالحرب الباردة، والخوف الأميركي من قدرة السوفييت على محو أميركا من على خارطة الكون، ولنكون في النهاية أمام عودة كل من تبقى من هؤلاء الأبطال إلى ممارسة أدوارهم.

يجب التأكيد أن في الفيلم عدداً هائلاً من الحوارات وثمة تكرار دائم لأحداث سرعان ما يثير البحث عما تود قوله واجباً، بمعنى تشغيل حاسة الإسقاطات، التي سرعان ما تتهاوى أمام إصرار المخرج زاك شنايدر (صاحب 300) على تقديم فنتازيا مغايرة تماماً للسائد، واقتباس رواية آلان مور «الغرافكية» بالاعتماد على الأزمات الوجودية لهؤلاء «السوبر هيرو»، قصة حب الدكتور منهاتن مع سالي، انعزاله عن الكون ومسعاه للعيش على سطح المريخ، ومن ثم الحب الذي يندلع بين سالي وبطل متقاعد سرعان ما يعود إلى أداء مهامه الخيرة، العبثية، انعدام الجدوى، الإفراط بالقوة، والكثير من المفاهيم التي بإمكانها أن تكون مفاهيم أميركية بامتياز، والاستسلام المطلق للتجارب العلمية، ومن ثم النهاية التي تأتي بفكرة جنونية، تستدعي من أحد الأبطال استخدام قوة الدكتور منهاتن في قتل 15 مليون نسمة لا لشيء إلا لمنع الاقتتال الروسي الأميركي، الذي إن اندلع فإنه سيؤدي إلى قتل مليارات البشر، بمعنى أن انفلات قوة منهاتن سيؤدي إلى تحالف الروس مع الأميركان في مواجهة خطرة، وهذا ما يحدث في النهاية.

قراءة ما تقدم من قارئ لم يشاهد الفيلم سيدفعه إلى الاعتقاد بأن ما يقرأه هلوسة ما، وشيء قريب من الجنون، كما أن المشاهد للفيلم ستعتريه في لحظات كثيرة مشاعر عارمة بغرابة كل ما يشاهده، واصرار الفيلم على أن يكون على شيء من أنسنة الخوارق، ووضعها في سياق سياسي ما، والاصرار على أن البشر عنيفون، ولا شيء سيوقف عنفهم سوى فنائهم، ولعل هذه الغرائبية ستكون مقصد الفيلم الرئيس، واشتباكه بأشياء كثيرة سرعان ما يتركها وينتقل إلى غيرها، وقدرة عجيبة على الإيهام بطرح أسئلة كبرى سيجد الفيلم اجابته عنها مستعيناً بخيال علمي جامح، لا يوفر أي شيء، ولا يفارق أيضاً الحياة الطبيعية، ولتكون الحصيلة في النهاية خلطة عجيبة من الأفكار المرتجلة معززة ببناء بصري مميز، يؤكد المرحلة الزمنية التي تجري فيها الأحداث، وينقلها إلى فضاءات لها أن تكون محوراً لشد المشاهد.

الأبطال الخارقون في «الحراس» عشاق ويائسون، أشرار وأخيار، يتصارعون مع بعضهم بعضاً، ولكل منهم ماض مأساوي أو مشرق، يرتدون أقنعة وألبسة جلدية وما إلى هنالك، لكن ليس لديهم خيوط عنكبوتية مثل «سبايدرمان»، ولا يمكنهم الطيران كما يفعل «سوبرمان»، عدا منهاتن المكتسب لقدرة الإبحار بالزمن، والعيش بين الماضي والحاضر والمستقبل، كما أن اتحادهم مجتزأ وعرضة لتباين في الأفكار، والنهاية التي يقبل فيها منهاتن على لعب دور عدو الانسانية لا يوافقون عليها جميعاً، لكن إبادة 15 مليون نسمة أمر يحدث في الفيلم أمام إزالة خطر موت المليارات أو فناء البشرية كاملة، لكن يبقى اتفاقهم على هذه الفكرة المجنونة معلقاً.

فيلم «الحراس» لا يترك شيئاً إلا ويقوله في خصوص الخوارق، ولعل الفترة الزمنية التي يتحرك فيها تمتلك القدر الأكبر من الخوارق، بمعنى أن السلاح النووي الموجود حقيقة قادر في لحظة أن يكون من الأمور التي تصدق مع أننا نعرف جميعاً أنه موجود، وبإمكانه أن يفني الكون بكبسة زر، الأمر الذي يتفوق على أكبر مخيلة انسانية.

الأكثر مشاركة