«طقوس» ونوس.. جرأة تثير الرقابة
تعود مسرحية الكاتب السوري سعد الله ونوس «طقوس الإشارات والتحولات» إلى دمشق، بتوقيع مخرج غير سوري، وإخراج متواضع، لتثير النقاش حول تعاطي الرقابة مع محظورات الجنس والسياسة والدين التي تعرضت لها المسرحية بجرأة.
وقدمت المسرحية، التي لعب أدوارها ممثلون سوريون أدارهم المخرج الفرنسي من أصل عربي وسام عربش، في عرضيين في دار الأوبرا بدمشق، آخرهما جاء مساء أول من أمس، بعد تقديمها في مدينة حماة السورية.
وقال مخرج المسرحية «أصبحنا نعرف أنه عندما نشتغل على نص لسعد الله ونوس سيكون هنالك مشكلات تثار، فهو لم يعش حياة مريحة إنسانا أو فنانا»، مؤكدا انه «اذا كان ثمة مشكلات سياسية او دينية في المجتمع، فيجب الا نحملها للنص او المخرج».
ويأتي حديث المخرج وسام عربش على خلفية النقاش الذي دار بعد العرض الاول للمسرحية، وتعرض للرقابة على العرض ولأسباب عدم تقديم هذه المسرحية حتى الآن بتوقيع مخرج سوري، في مؤتمر صحافي مع المخرج، و مدير مديرية المسارح والموسيقى التي شاركت في رعاية المسرحية مع المركز الثقافي الفرنسي عجاج سليم ومسرح «اوف آديبا» الفرنسي.
وقال عن تفاصيل تتعلق بشخصية المفتي في المسرحية، وإذا كان من تحوير مقصود تم عليها، لكي لا تثير انتقادات، ان «الاشتغال على نص سعد الله ونوس يتطلب من المخرج والممثلين العمل لإيجاد الكثير من الحلول الاخراجية، فأعماله محملة بالرموز».
ورأت الصحافية ديمة ناصر معلقة على عدم تقديم هذه المسرحية لونوس على يد مخرج سوري، بأن تقديم عمل كهذه المسرحية يجيزه ويحميه الدعم والمناسبة غير السورية التي يقدم في اطارها (احتفالية ايام الفرنكوفونية في سورية)، على اعتبار «اننا نستطيع ان نشاهد قبلة في فيلم اجنبي، لكننا لا نقبلها في فيلم عربي».
ورأى مدير المسارح والموسيقى، ردا على تلك الأسئلة والتعليقات، ان «المشكلة انه عندما نذكر مسرحية «طقوس الاشارات والتحولات» يذهب النقاش مباشرة باتجاه الخطط الحمراء، مع اننا نعرض مسرحية تخشى معظم الدول العربية تقديمها على مسارحها».
واضاف أن المسرحية «لم تقدم في دمشق من مخرج سوري، ليس لأنها ممنوعة، فالمسرحية موجودة ومنشورة في دمشق، وكل ما في الأمر انه لم يطلب واحد من مخرجينا تقديمها».
ودار النقاش حول جرأة نص ونوس، وقد قيل عنه إبان نشره انه «أجرأ نص كتب بالعربية»، وليس القيمة الفنية للعرض الذي جاء برؤية اخراجية متواضعة ولم تحمل جديدا، كما لم يمكنها استثمار امكانات الممثلين لإظهار الطاقة التي تحملها المسرحية وشخصياتها.
وتنطلق المسرحية من حادثة تاريخية استلهم منها ونوس نصه، وكان اوردها فخري البارودي في مذكراته «تضامن اهل دمشق»، عندما يدبر مفتي دمشق خلال الحكم العثماني القبض على نقيب الأشراف متلبسا في وضع فضائحي مع احدى المومسات.
لكن المفتي يتنبه الى فضيحة سجن نقيب الاشراف مع تلك المومس، وما يلحقه ذلك من اذى لسمعة الاشراف الذين يستمد المفتي سلطته من موقعهم واحترام الناس له، ولذلك يستبدل بالمومس زوجة نقيب الأشراف لتدارك الفضيحية، الا ان ذلك الاجراء يبدل في مصائر شخصيات العمل الاساسية.
تتحول زوجة نقيب الاشراف الى مومس يقع في حبها المفتي الذي يصير يصدر الفتاوى وفقا لما يحتاج ان تصير اليه قصة حبه. فيفتي بقتل المومسات وقتما يتم صده ويرفض عرض زواجه، ويبطل تلك الفتوى عندما يختار ان يكون عشيقا.
وتحتوي المسرحية ايضا شخصية رجل مثلي، ينتحر عندما يزدريه حبيبه، بعدما قرر ان يكشف حقيقة شخصيته المثلية امام المجتمع، وهي الشخصية الوحيدة التي تعرض حوارها لحذف رقابي.
وظهرت شخصيات المسرحية بأزياء معاصرة. فالمفتي كان يرتدي لباسا رسميا وربطة عنق، مع عمامته التي تحولت الى قبعة، بالاستفادة من دلالة اللون الاخضر «القداسية» في لباس المفتي، وكذلك نقيب الاشراف.
ولعب ادوار المسرحية الممثلون السوريون سيف ابو اسعد، تيسير ادريس، كفاح الخوص، جمال المنير، اسامة حلال، الفرذدق ديوب، حلا عمران، صعد لوستان، ناندا محمد، وصمم السينوغرافيا والازياء بيير اندريه فيتر.
وجاء اداء الممثلين مشتتا، اذ لم يستطع المخرج استثمار طاقاتهم، ومنهم من اظهر موهبة تمثيلية لافتة في لعبه لادوار كثيرة سابقة، كي يستحضر غنى الشخصيات كما جاءت في النص المسرحي، اضافة الى الديكور الضخم الذي شتت العرض وكبل حركة الممثلين، اذ جاء على شكل طبقتين بحجرات عديدة، تتابع في مواجهة الخشبة مع دوارن الطبقين حول محور.
وتنتمي هذه المسرحية لنتاج سعد الله ونوس (1941-1997) الاخير وكتبها عام ،1994 وقدمت في مصر ولبنان وفي اوروبا على يد عدة مخرجين غير سوريين، منهم المخرجة اللبنانية نضال الاشقر والالمانية فريدريكه فيلدبيك.