«توائم بيلفيل».. ضفادع على أنغام المكنسة الكهربائية
من النادر أن تشاهد فيلماً هذه الأيام فلا تجد له مثيلاً، لا، بل إن محاولة وضعه في سياق أو اتجاه أومدرسة يمسي ضرورياً، بحيث يبقى الطموح بمشاهدة فيلم لا أخ له شرعياً وصحياً، والمسعى للبحث عن منطقة عذراء صالحة للاكتشاف، والاستسلام تماماً للتجريب وقبول كل ما يمليه من غرابة أو فرادة.
تغري المقدمة بالاسترسال أكثر في ذلك السياق، إلا أن الفيلم الفرنسي Les Triplettes De Belleville (توائم بيلفيل الثلاثة) سيفي بالغرض ويوضح تماماً ما المقصود بالتجريب، والمسعى المبارك لاكتشاف مناطق جديدة في الفن، ولعل هذا الفيلم الذي كتبه وأخرجه سيلفيان شوميه لن يوفر جهداً في هذا الخصوص، وسيجد في الرسوم المتحركة الوسيلة الأمثل لتحقيق غرضه المتمثل أولاً وأخيراً في الجديد تماماً، سواء على صعيد «الأنيماشن» أو الحركة، أو حتى السيناريو في عودة إلى السينما الصامتة، حيث الحوار لا يتعدى عبارة أو عبارتين، وما تبقى متروك للموسيقى التصويرية.
الشخصيات بلا أسماء، ويأتي تمايزها من عوالمها، والقصة أبسط من البساطة نفسها، لكن يحدث أن يكون السؤال المؤرق هنا في كيف قدمت هذه القصة، وماذا حملت؟ ليكون كلب سيدة عجوز شخصية استثنائية، وحركة الزمن حاضرة من خلال القطار الذي يوازي بيت تلك السيدة العجوز، ومن ثم ابنها الذي نشاهدها تحاول تعليمه البيانو فيرفض، فإذا بدراجة هوائية تحضرها له تتحول إلى عالمه الكامل، بحيث يصبح حين يكبر متسابقاً محترفاً بالدراجة، ومن ثم قصة خطفه واقتياده إلى الولايات المتحدة من أجل استخدامه في مراهنات رجل عصابة شرير، حيث يوضع على دراجة ويتسابق افتراضياً مع متسابقين آخرين تحت صرخات جمهور مأخوذ بالمراهنات.
تأتي بعد ذلك قصة لحاق المرأة العجوز به إلى أميركا ومعها كلبها، ومن ثم نجاحها مع التوائم الثلاثة بإنقاذه.
سأروي هنا كيف قدم هؤلاء التوائم وكيف تتعرف إليهم العجوز، للتدليل على غرائبية الفيلم، من دون تجاهل الرسوم نفسها، والكيفية التي رسمت فيها الشخصيات ومواقع الأحداث وما إلى هنالك.
نكتشف أن هؤلاء التوائم هم أنفسهم من بدأ بهم الفيلم بوصفهن ثلاث نساء مغنيات، يعثرن على المرأة العجوز بالصدفة. التوائم لا يأكلن أي شيء إلا الضفادع، تقوم إحداهن بالذهاب إلى مستنقع قريب من بيتهن، ترمي بقنبلة يدوية فيها، بعد أن تكون قد فتحت مظلة فوقها تحملها بيد وبالأخرى تحمل شبكة، ذلك أن القنبلة وانفجارها المدوي سرعان ما يحدث مطراً من الضفادع، وتأخذ ما يستقر في شبكتها لتصنع هي وأخواتها حساء أو حتى الحلويات من لحم الضفادع، كما أن المرأة العجوز سرعان ما تقع تحت حظر يفرضه عليها الأخوات اللواتي يمنعنها من فعل شيء، بما في ذلك فتح باب الثلاجة أو استخدام المكنسة الكهربائية، أو ملامسة جريدة موضوعة على الطاولة، ولنكتشف بعد ذلك بأن هذه الأدوات هي الآلات الموسيقية للأخوات، ولتضيف المرأة العجوز آلة جديدة تتمثل بعجلة دراجة تنقر عليها بمفك، ولتكون حفلاتهم بواسطة العزف عليها والخروج بموسيقى خاصة جداً.
يبقى الحديث بلا نهاية عن فيلم كهذا، والدعوة إلى مشاهدته ليست إلا من باب الإحساس بأن الكتابة عنه فعل يستدعي المحاكاة، كأن يكون سطر أقصر من سطر، كما هو حذاء السيدة العجوز حيث كعب الفردة اليمنى أعلى من اليسرى، وملاحقة وجوه البشر كما رسمها شوميه، والسؤال هل من شبيه لها في الواقع، الأمر الذي سيكون مدعاة للدهشة إن وقعت على شبه أو ملمح من تلك الشخصيات العجيبة التي حملها الفيلم.