إبداعات تبحث عن الجمال في «المهمل»
حملت الأعمال التي قدمها ثلاثة فنانين إماراتيين من «ذي فلاينغ هاوس» المشاهد إلى البيئة المحلية، سواء من حيث ألوان الفنان عبدالرحمن المعيني التي لخصت رموزا مهمة في حياة المواطنين ترتبط بطبيعة أبواب منازلهم ومدلولاتها، أو من حيث المواد التي استخدمها الفنان محمد إبراهيم، والمأخوذة من بيئة الإمارات الطبيعية، كالحصى وأوراق الأشجار وأغصانها، الى جانب أعمال الفنان حسن شريف التي كانت أكثر قربا من حياة الناس اليومية، كونه لجأ إلى أدوات يستخدمونها في الحياة، وهي الملاعق والشوك وأوان مصنوعة من مادة الـ«ستانليس ستيل». وأعاد شريف تشكيل هذه الأدوات في أعمال فنية تغير من نظرتنا إلى الكيفية التي تستخدم بها، فظهرت كقطع فنية بعيدة كل البعد عن دورها الأساسي المعهود.
وكان لافتا المكان الذي أقيم فيه المعرض، وهو المشرق الذهبي، القسم المختص بتقديم الخدمات المصرفية الممتازة في بنك المشرق في مدينة دبي للانترنت، ما يؤشر إلى أهمية الاستثمار في مجال الفن؛ كونه مضمون الربح، باعتبار أن أسعار الأعمال الفنية تتصاعد مع مرور الزمن، بالإضافة إلى دور تثقيفي تأخذه المعارض، وجاء هذا المعرض الذي سيستمر حتى 25 من الشهر المقبل فرصـة تتـيح للعمـلاء رؤية الأعمال الفنية، والتعرف إليها عن كثب.
حماية البيئة
وجمعت أعمال الفنان محمد إبراهيم مواد من الطبيعة المحلية، منها الحصى وأوراق الأشجار والأغصان، لتظهر في النهاية على شكل مجسمات مختلفة الأحجام، لكنها متجانسة من حيث الفكرة والتصميم، وقال ابراهيم عن أعماله «أعتمد على البيئة كمصدر لإنتاج العمل الفني، وبالتالي أقدم في عملي عجينة من أوراق الشجر، والزهور وبذور النباتات، لخلق شكل مبهم. وبهذا العمل، أبتكر مادة جديدة للتعامل معها على مستوى العمل الفني».
وأضاف «اختيار المواد الطبيعية ليس بعيدا عن أهمية المحافظة على البيئة، إذ لا أعمد إلى قطع الأشجار والأغصان، بل استخدم المتساقطة على الأرض». وفي سياق الحديث عن جمال الأعمال الفنية، ميز إبراهيم بين الجمال والحلاوة، معتبرا «الحلاوة لا تدوم لفترة طويلة، لأنها تمثل الانبهار أو الصدمة المؤقتة، بينما يؤدي الجمال إلى مصاحبة العمل الفني للمتلقي لفترة قد تطول لساعات أو أيام».
وأوضح إبراهيم أن التحكم في المواد الموجودة في الطبيعة ليس سهلا، لاسيما المواد الصلبة منها، وهذا ما يضيف إلى الفن الموجود بعدا آخر وصعوبة جديدة على الفنان، وتتمثل في إيجاد التكامل بين الأعمال الفنية. لافتا إلى أن «خلق أعمال من هذه المواد يمكن الفنان من التغيير في النمط الفني السائد، ووضع بصمة خاصة ومختلفة في هذا العالم».
ألوان صارخة
وقدم عبدالرحمن المعيني الذي بدأ مشواره الفني قبل تسع سنوات أعمالا منتمية إلى البيئة الإماراتية، من حيث الألوان الهادئة، حيث بدا الفنان مستخدما ألوانا كثيرة ليعبر عن تعطش الناس إليها، بسبب الفراغ الموجود في أماكنهم، وقد يكون هذا السبب الذي أدى إلى الزخم في الألوان الهادئة التي تتخللها ألوان صارخة تميز حياتهم.
وأوضح المعيني حكايات اللوحات التي قدمها، قائلاً إن «الألوان الصارخة تدل على باب المنزل، إذ معظم المنازل الإماراتية كانت تعرف من خلال ألوان أبوابها، وكان الناس يستدلون على المنازل من ألوان الأبواب». ودلت الرموز التي استخدمها في اللوحات على تناغمات لونية في اللوحة، إذ كانت هذه الرموز تقطع الألوان بطريقة حادة وتفصلها عن بعضها . واعتبر المعيني أن كثرة الألوان «أدت إلى إحداث ازدحام على خلاف الهدوء والسكون المتعارف عليه في الأحياء السكنية في الإمارات، لاسيما في المناطق الشمالية»، لافتا إلى وجوب فتح المجال للجمهور للتحدث عن اللوحات، من دون أن يفرض تصورا من خلال الخطوط الحادة.
تدوير الأشياء
ولم يقدم الفنان حسن شريف أعمالا من المواد المهملة، كما عادته، بل حاول إحياء مواد نستخدمها في الحياة اليومية ليعطيها أشكالا جديدة. إنه يعيد تدوير هذه المواد ثقافيا، وبالتالي، تصبح النظرة إليها مختلفة تماما. وقال شريف عن أعماله في المعرض «أعمد إلى أخذ أي شيء يستخدمه الإنسان، لكن أول ما أقوم به هو إلغاء وظيفة المادة، فأقدمها للمجتمع مرة أخرى في سياق الفن المعاصر، فلكل مادة من التي أستخدمها سرها الخاص، وبالتالي لا اكتشف سرها إلا بعد أن أعمل عليها». وأضاف «هناك فجوة بين المجتمع والأعمال الفنية، ولا يمكن ملؤها إلا من خلال المؤسسات التجارية التي تلغي غموض العمل الفني وتثقف الناس أكثر، وبالتالي هذا يسهل عليهم فهم مثل هذه الأعمال»، معتبرا أن أعمال الفنان في مسيرة حياته كلها تعد عملا واحدا بالنسبة للفنان، فلا يجب الفصل بينها، فهي سلسلة مترابطة ومختلطة.
تثقيف
أجمع الفنانون المشاركون في المعرض على وجود نقص في مستوى الثقافة الفنية في العالم العربي، لاسيما في التعاطي مع الأعمال المختلفة التي يقدمونها. وقال الفنان محمد إبراهيم «العالم ينظر إلى الفن على أنه لوحة من الألوان، وحتى التجريد يجرح معرفتهم، وبالتالي يفرض هذا صعوبة على الفنان، ولكن لا يمكننا لوم المشاهد، لأن المؤسسات الثقافية لا تثقف المشاهد فنيا كما يجب». ورأى حسن شريف أن «هناك فجوة بين المجتمع والعمل الفني، وتخففها المؤسسات التجارية التي تقتني الأعمال الفنية، فتصبح لها فائدة وقيمة، طالما أن المعارض الفنية غير قادرة على تأدية هذا الدور».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news