«فيكي كريستيـنا برشلونة».. امرأتـان ومدينـة للحب
جديد وودي آلان قد يعني أنه لا جديد لديه، وأن زوايا مقارباته السينمائية على ما هي عليه، في حركة مواظبة على نبش النفس البشرية، وإضاءة العلاقات المعقدة والمركبة بين البشر، بين المرأة والرجل، ودائماً وفق ما تمليه بنية ثقافية لا يحيد عنها، وشخصيات مركبة لا تمتلك أن تكون مهادنة مع عالم يسوده الغموض وكل ما فيه ملتبس.
هذه الحقيقة التي بدأنا بها سرعان ما تتغير مع أفلامه الثلاثة الأخيرة، وإن كان منطلق آلان على ما هو عليه، ومستقره دائماً لدى المثقفين والتحليل النفسي لبشر لم يأتوا إلى هذا العالم ليتلقوا القدر برحابة صدر، بل بأسئلة مؤرقة، وانفتاح كامل لاختبار المشاعر والأحاسيس دون أن يأبهوا بالمعد سلفاً والمتفق عليه.
ما تقدم يقودنا مباشرة إلى آخر أفلامه «فيكي كريستينا برشلونة» الذي على ما يبدو لن يعرض في دور العرض المحلية، وسيترك لنا أمر مشاهدته على «دي في دي» إن توفر، والذي سيكون بشكل أو آخر خروجاً لآلان من تعثره في «سكووب»، واستكمالا مختلفاً لما قدمه في «ماتش بوينت» وبرفقة سكارليت جوهانسون التي تحولت في الأفلام الثلاثة سابقة الذكر إلى نجمته المفضلة.
في البداية، يجب التأكيد أن مشاهدة أي فيلم لوودي آلان يدفع من يعرفه إلى حالة استعداد فطرية ربما لتلقي حوارات متشابكة ومتسارعة، وكوميديا محملة بالمعاني، ولعل الضحك هو الحل السحري الذي يمليه الواقع بوصفه أفضل ما يمكن تقديمه أمام صعوبة اختراقه كاملاً.
لن أتحدث عن «سكووب» لكن سأجد في «ماتش بوينت» ما يؤكد محاولات آلان خرق أسلوبه، عبر الانحياز في هذا الفيلم إلى التراجيدي، ولتكون عودته في «فيكي كريستينا برشلونة» إلى أسلوبه الخاص عودة تستدعي شيئاً جديداً، ربما لاعتماده على الارستقراطية الاسبانية كما كانت الانجليزية منها حاضرة في «سكووب» و«ماتش بوينت» ومن ثم أوروبا بوصفها مساحة خاصة لتقديم أفكاره وقصصه.
في «فيكي كريستنيا برشلونة» نحن أمام أميركيتين في زيارة لبرشلونة، الأولى فيكي (ريبكا هول) والثانية كريستينا (سكارليت جوهانسون) متفقتين في كل شيء عدا الحب، الأولى رصينة، مخطوبة وأميل للعلاقات الطويلة والمستقرة، الثانية مضطربة وجامحة وتبحث عن نفسها المؤرقة بأسئلة كثيرة، ولعل إضاءة ذلك ستتم من البداية على لسان الراوي، لكن ذلك سيكون ساطعا لدى تعرفهما إلى الرسام الإسباني خوان أنطونيو (خافيير باردم) الجامح والمتمرد والهارب من زوجته التي طعنته بسكين، والذي بدوره لا يتردد في أن يسأل فيكي وكريستينا بأنه يرغب فيها هما معاً، الأمر الذي سيكون محط استهجان من قبل فيكي وترحيب من كريستينا.
من هنا تبدأ دراما الفيلم، ولعل ذهابهما برفقة خوان خوان أنطونيو إلى «أوفيدو» سيقلب الأمور رأسا على عقب، ولعل عبارة بسيطة ستلخص ما يضيئه الفيلم بعمق، تتمثل بأننا لا نعرف حقاً ما يجول في أعماقنا، ولعل ما نظهره يخفي الحقيقي في داحلنا، إذ إن أحداث الفيلم سرعان ما تقود فيكي إلى الوقوع في غرام خوان انطونيو عكس مشيئتها ووفائها المطلق لخطيبها، لا بل إن قضية زواجها منه تمسي على المحك، إلا أنها سرعان ما تنتصر لصوت العقل، وتمضي في زواجها الذي يقرر خطيبها أن يقيمه في برشلونة، ولتمضي علاقة خوان أنطونيو مع كريستينا التي تكتشف ذاتها معه، ولتظهر آنا مارينا (بينلوبي كروز، أوسكار أفضل ممثلة في دور ثان) مجددا في حياته، ولتصبح العلاقات أشد تعقيدا، كون كريستينا ستتقاسم خوان أنطونيو مع زوجته السابقة آنا مارينا، الانتحارية، المهووسة، الموهوبة، وكل تلك الصفات المتجاورة التي تؤدي إلى علاقة عجيبة مع زوجها السابق.
سنتابع في الفيلم مصير كل شخصية، ولعل النهاية ستترك خوان أنطونيو وحيدا، كون فيكي لن تنجح في الاستجابة لما يجول في أعماقها من حب له، وستمضي مستسلمة لزواجها، بينما تخرج كريسيتنا من حياته بحثا عن شيء جديد، وإلى جانب ذلك تبقى آنا مارنينا جاهزة لاستخدام مسدسها متى أحست بأن خوان أنطونيو قد يسرق منها دون أن يكون لها نصيب منه.
فيلم وودي آلان يتحرك في مساحة فاصلة بين الحب والوقوع في الحب، بين ما نعرفه عن أنفسنا وما نجهله، والخوف الأبدي من الندم، والقدرة البشرية العجيبة على التفريط في المشاعر الحقيقية أمام ما يجب أن تكون عليه المشاعر والرغبات.