فيلم يرصد النفاق ويقع فيه «كباريه».. اقتلوا كل الكفرة
يمضي الفيلم المصـري «كباريه» المـعروض حالياً في دور العرض المحلية نحو ما يمكن اعتباره نية مبيتة أو مقولة مسبقة، له أن يوهمنا طيلة زمنه، بأن لا وجود لها، إلى أن تأتي النهاية وتقول كل شيء، وتدمر كل ما كان فرصة لا تعوض، لتقديم مقاربة اجتماعية لنمط أخلاقي يتسيد ممارسات الإنسان المصري خاصة، والعربي عامة، ليس وصفها بالازدواجية إلا محاولة لإيجاد كلمة أقل وقعاً من وصفها بـ«النفاق»، بحيث تجد الممارسات الدنيوية مبررها في الديني، وفي استجابة مطلقة لكل الظروف الاقتصادية التي ستكون الباعث الرئيس لعلاقات اجتماعية يتسيدها النفاق.
فتحت وطأة فساد يطال كل مرافق الحياة، فإنه ـ أي الفساد ـ سرعان ما يطال الممارسات الدينية التي تتحول إلى مطهر وهمي لأفعال خالية من الأخلاق الدنيوية والدينية، ومعادلات رياضية تستجيب لجمع الحسنات وطرحها، بدل تحويلها إلى ممارسة يومية متأصلة، وهكذا يتحول الدين إلى مظهر فقط ينفصل فيه الشرّ عن المعصية، ينتصر الإنسان فيها للأول ويريح ضميره بمجرد أنه بعيد عن المعصية بمعناها المجرد.
لا يمهلنا فيلم «كباريه» الذي كتبه أحمد عبدالله وأخرجه سامح عبدالعزيز، بل يمضي مباشرة خلف كل ما تقدم، فهو يبدأ مع علام (أحمد بدير) وهو يؤدي صلاة الجمعة بورع وإيمان، ويمضي إلى «الكباريه» حيث يعمل نادلا، كذلك الأمر مع الممثلة السـورية جومانا مراد التي نراها تحمم أمها وتعدها بأنها سترسلها إلى الحج، ولنجدها في «الكباريه» تتسيّد «العهر» والإشراف على رغبات الزبائن، وكذلك الأمر مع صاحب «الكباريه» نفسه (صلاح عبدالله) المتحلي بكل صفات الدناءة والقدرة على تدمير كل من حوله، في خدمة مكاسبه الشخصية، لكنه وفي الوقت نفسه لا يقرب الكـحول، ويشـرب لبنا أو عصيرا، وهو في طريقه لأداء العمرة المواظب عليها في كل سنة.
يمتلك الفيلم حسنة انحيازه إلى البطولة الجماعية، وعبر شخصيات لا يمكن وصفها جميعاً إلا بالمأزومة وعلى حافة الانهيار، فنرى الرداءة مثلا متجسدة في المغني بلعوم (دور مدهش لخالد الصاوي) والذي يعتاش مما تنفقه عليه امرأة عربية ثرية (هالة فاخر)، والتي بدورها تنتج له ألبوماته العجيبة، الأمر الذي يمتد إلى «البودي غارد» فرعون (محمد لطفي) صاحب العضلات المفتولة والقبضة التي لا تعرف الرحـمة، والجاهز لاستخدام قوته البدنية مع أي شيء يحصل منه رزقه، ولنكتشف بأنه يمتلك ماضيا بطوليا، كان في مشاركته في حرب أكتوبر ربما.
تلك الشخصيات وغيرها، ستجد بؤرتها الدرامية في «الكباريه» الذي سيكون بشكل أو بآخر، حالة تكثيف حادة لواقع اجتماعي يضمها جميعها بماضيها وحاضرها ولسان حالها يقول: إننا جميعا فاسدون، ولا نعرف إلى أين ستمضي بنا الحال، من دون أن ننسى أن جميع أحداث الفيلم تجري في 24 ساعة، ومصير كل شخصية من شخصيات الفيلم سيكون داخل ذلك «الكباريه» الذي يكون تحت خطر التفجير، من قبل تنظيم إسلامي أصولي، يجدون فيه رمز الفسق والكفر، وذلك عبر شعلان (فتحي عبدالوهاب) الذي يمضي إلى «الكباريه» مرتدياً حزاماً ناسفاً، وكله فرح بأنه في طريقه إلى الشهادة.
فيلم سامح عبدالعزيز لا تنقصه القدرة على تحقيق نجاح تجاري لا بد أنه حققه، لا بل إن الأغـاني والرقصـات سرعان ما تخـرج علينا من كل صـوب وحدب، كوننا في «كباريه»، كما أن الشخصيات مبنية بحنكة لافتة معززة بأداء الممثلين وإدارته، وقدرة كوميدية غير مجانية، وبالتأكيد في تصاعدية درامية تجعلنا على تتبع مصائر الشخصيات التي تجاوزت العشرين.
لكن تبقى النهاية التي تأتي لتدمير كل شيء كما دمرت الكباريه، وتحديدا مع إخفاق شعلان في تفجير نفسه، ومنحه فرصة الغرق في حالة سكر شديد جعلته على اتصال بعلام المواظب على الصلاة.مع هذه الانعطافة الدرامية المملوءة بالموعظة، والتي ستحيل الفيلم إلى نفاق فكري كارثي، لن يجد الفيلم من حل لكل مآزق شخصياته، إلا عبر قدوم انتحاري آخر يقوم بمهمة شعلان التي أخفق في إنجازها، لكن بعد أن يتمكن من دفع علام إلى الخروج من الكباريه قبل انفجاره، كما لو أنه الوحيد الذي يستحق النجاة، وإلى جانب ذلك فإن تصعيد الأحداث بموت والدة جمانة مراد، والانهيار التام لبلعوم وإخفاقه المطبق، إضافة إلى هزيمة فرعون، لم تكن جميعها كافية للكاتب والمخرج، لأن نعرف بأنهم جميعا في طريقهم لأن يسقطوا في هوة لا قرار لها.
النهاية ليست وعظية فقط بل راديكالية، ولا أعرف إن كان تفجير الكباريه سيكون الحل أو الخاتمة أو العقاب الذي تستحقه الشخصيات التي ليست في النهاية إلا مفرزا اجتماعيا لواقع لا يعرف الرحمة، ولدرجة قال لنا الفيلم عبر بوسي التي تهرب من الكباريه إن العالم خارجه أشد وحشية وقسوة، لا بل إنها تقرر العودة إليه هرباً من الاغتصاب الذي يترصدها في كل شارع. لكن هل يعني ذلك تفجير الشوارع مثلاً، أو أن تفجير «الكباريه» سيأخذ بحياة بوسي مثلها مثل غيرها، لا لشيء إلا لأنها موجودة في مكان موبوء.
فيلم «كباريه» ينتهي بما بدأ بإدانته، لا بل بما يتجاوزه أيضاً، إنها النهاية الأخلاقية المجردة، بمعنى أن واقع الشخصيات ودوافعها في انغماسها في أعمال «غير أخلاقية» التي قدمها الفيلم بدقة لا يغفر لها، ولا يمنعها من الموت «الذي تستحقه»، فلا شيء أسهل من الحلول الطهرانية والجذرية سواء في السينما أو الحياة، «اقتلوهم جميعا» وينتهي الأمر.
فتحت وطأة فساد يطال كل مرافق الحياة، فإنه ـ أي الفساد ـ سرعان ما يطال الممارسات الدينية التي تتحول إلى مطهر وهمي لأفعال خالية من الأخلاق الدنيوية والدينية، ومعادلات رياضية تستجيب لجمع الحسنات وطرحها، بدل تحويلها إلى ممارسة يومية متأصلة، وهكذا يتحول الدين إلى مظهر فقط ينفصل فيه الشرّ عن المعصية، ينتصر الإنسان فيها للأول ويريح ضميره بمجرد أنه بعيد عن المعصية بمعناها المجرد.
لا يمهلنا فيلم «كباريه» الذي كتبه أحمد عبدالله وأخرجه سامح عبدالعزيز، بل يمضي مباشرة خلف كل ما تقدم، فهو يبدأ مع علام (أحمد بدير) وهو يؤدي صلاة الجمعة بورع وإيمان، ويمضي إلى «الكباريه» حيث يعمل نادلا، كذلك الأمر مع الممثلة السـورية جومانا مراد التي نراها تحمم أمها وتعدها بأنها سترسلها إلى الحج، ولنجدها في «الكباريه» تتسيّد «العهر» والإشراف على رغبات الزبائن، وكذلك الأمر مع صاحب «الكباريه» نفسه (صلاح عبدالله) المتحلي بكل صفات الدناءة والقدرة على تدمير كل من حوله، في خدمة مكاسبه الشخصية، لكنه وفي الوقت نفسه لا يقرب الكـحول، ويشـرب لبنا أو عصيرا، وهو في طريقه لأداء العمرة المواظب عليها في كل سنة.
يمتلك الفيلم حسنة انحيازه إلى البطولة الجماعية، وعبر شخصيات لا يمكن وصفها جميعاً إلا بالمأزومة وعلى حافة الانهيار، فنرى الرداءة مثلا متجسدة في المغني بلعوم (دور مدهش لخالد الصاوي) والذي يعتاش مما تنفقه عليه امرأة عربية ثرية (هالة فاخر)، والتي بدورها تنتج له ألبوماته العجيبة، الأمر الذي يمتد إلى «البودي غارد» فرعون (محمد لطفي) صاحب العضلات المفتولة والقبضة التي لا تعرف الرحـمة، والجاهز لاستخدام قوته البدنية مع أي شيء يحصل منه رزقه، ولنكتشف بأنه يمتلك ماضيا بطوليا، كان في مشاركته في حرب أكتوبر ربما.
تلك الشخصيات وغيرها، ستجد بؤرتها الدرامية في «الكباريه» الذي سيكون بشكل أو بآخر، حالة تكثيف حادة لواقع اجتماعي يضمها جميعها بماضيها وحاضرها ولسان حالها يقول: إننا جميعا فاسدون، ولا نعرف إلى أين ستمضي بنا الحال، من دون أن ننسى أن جميع أحداث الفيلم تجري في 24 ساعة، ومصير كل شخصية من شخصيات الفيلم سيكون داخل ذلك «الكباريه» الذي يكون تحت خطر التفجير، من قبل تنظيم إسلامي أصولي، يجدون فيه رمز الفسق والكفر، وذلك عبر شعلان (فتحي عبدالوهاب) الذي يمضي إلى «الكباريه» مرتدياً حزاماً ناسفاً، وكله فرح بأنه في طريقه إلى الشهادة.
فيلم سامح عبدالعزيز لا تنقصه القدرة على تحقيق نجاح تجاري لا بد أنه حققه، لا بل إن الأغـاني والرقصـات سرعان ما تخـرج علينا من كل صـوب وحدب، كوننا في «كباريه»، كما أن الشخصيات مبنية بحنكة لافتة معززة بأداء الممثلين وإدارته، وقدرة كوميدية غير مجانية، وبالتأكيد في تصاعدية درامية تجعلنا على تتبع مصائر الشخصيات التي تجاوزت العشرين.
لكن تبقى النهاية التي تأتي لتدمير كل شيء كما دمرت الكباريه، وتحديدا مع إخفاق شعلان في تفجير نفسه، ومنحه فرصة الغرق في حالة سكر شديد جعلته على اتصال بعلام المواظب على الصلاة.مع هذه الانعطافة الدرامية المملوءة بالموعظة، والتي ستحيل الفيلم إلى نفاق فكري كارثي، لن يجد الفيلم من حل لكل مآزق شخصياته، إلا عبر قدوم انتحاري آخر يقوم بمهمة شعلان التي أخفق في إنجازها، لكن بعد أن يتمكن من دفع علام إلى الخروج من الكباريه قبل انفجاره، كما لو أنه الوحيد الذي يستحق النجاة، وإلى جانب ذلك فإن تصعيد الأحداث بموت والدة جمانة مراد، والانهيار التام لبلعوم وإخفاقه المطبق، إضافة إلى هزيمة فرعون، لم تكن جميعها كافية للكاتب والمخرج، لأن نعرف بأنهم جميعا في طريقهم لأن يسقطوا في هوة لا قرار لها.
النهاية ليست وعظية فقط بل راديكالية، ولا أعرف إن كان تفجير الكباريه سيكون الحل أو الخاتمة أو العقاب الذي تستحقه الشخصيات التي ليست في النهاية إلا مفرزا اجتماعيا لواقع لا يعرف الرحمة، ولدرجة قال لنا الفيلم عبر بوسي التي تهرب من الكباريه إن العالم خارجه أشد وحشية وقسوة، لا بل إنها تقرر العودة إليه هرباً من الاغتصاب الذي يترصدها في كل شارع. لكن هل يعني ذلك تفجير الشوارع مثلاً، أو أن تفجير «الكباريه» سيأخذ بحياة بوسي مثلها مثل غيرها، لا لشيء إلا لأنها موجودة في مكان موبوء.
فيلم «كباريه» ينتهي بما بدأ بإدانته، لا بل بما يتجاوزه أيضاً، إنها النهاية الأخلاقية المجردة، بمعنى أن واقع الشخصيات ودوافعها في انغماسها في أعمال «غير أخلاقية» التي قدمها الفيلم بدقة لا يغفر لها، ولا يمنعها من الموت «الذي تستحقه»، فلا شيء أسهل من الحلول الطهرانية والجذرية سواء في السينما أو الحياة، «اقتلوهم جميعا» وينتهي الأمر.