خيول حرة في لوحات دون سماء
17 لوحة دون سماء، تضج بالحركة والحياة وبالتفاصيل الغنية التي يعزّزها ثراء الألوان ووضوحها، تضمنها معرض الفنان الجزائري حسين زياني، الذي يقام في المجمع الثقافي في أبوظبي، ويستمر حتى 17 من أبريل الجاري، وتضمنت موضوعات ارتبطت بشكل مباشر بالحياة العربية بشكل عام، والصحراوية بشكل خاص، حيث احتلت الخيول والفروسية وسباقات الخيل ورحلات الصيد بالصقور الموضوعات التي تناولها الفنان في لوحاته، كما ظهرت الخيول في أعماله مفعّمة بالحرية والحيوية والجمال، وهو ما أوضحه زياني، الذي يقيم في فرنسا، في حديثه لـ«الإمارات اليوم» معلقاً على أجواء لوحاته التي قد يجد فيها البعض مقاربة لأجواء الأعمال الاستشراقية: «لست مستشرقاً.. ولكنني شرقي، وثقافتي تجمع بين الشرق والغرب، فقد ولدت وتربيت في بلدي الجزائر، وتأثرت ببيئتها وأجوائها في طفولتي وشبابي، وبالتالي انعكس على موضوعاتي، كما أنني لا أحاول النقل عن أي فنان، ولم اتجه لأن تنتمي أعمالي إلى أية مدرسة فنية، فأنا فنان عصامي ولم أدرس الرسم في مدرسة الفنون الجميلة، لذا بقيت حراً ولم أتأثر بأية مدرسة».
رسائل متعدّدة
على الرغم من أن النظرة العامة والأولى للوحات التي تضمنها المعرض الذي افتتحه الشيخ محمد بن نهيان بن مبارك آل نهيان، مساء أول من أمس، بحضور مدير إدارة الثقافة والفنون في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث عبدالله العامري، تبرز فيها موضوعات واضحة تتصدر المشهد وتضج بالحركة واللون، إلا أنه وبنظرة أخرى أكثر دقة تبرز للمتلقي ملامح أخرى للعمل، آثر الفنان أن تبدو غارقة في غبار مضيء يشبه السراب، ليمنح زياني الذي تنقل في مشواره بين أساليب تشكيلية متنوّعة مثل البورتريه، والمشاهد الحية، والمناظر الطبيعية، والرسوم التاريخية، والفانتازيا (العجائبية)، للمتلقي رسالة ذات مستويات متراوحة من كل عمل يقدمه، كما في لوحة «الشيخ زايد» التي يبدو فيها المغفور له الشيخ زايد رحمه الله وهو يحنو على طالب وهو يستذكر دروسه، في رسالة واضحة تشير لدور الشيخ زايد في دعم العلم والتعليم داخل الإمارات وخارجها، بينما تلمح نظرة أكثر تدقيقاً للوحة كرة أرضية تبدو في زاوية العمل، وهي جزء آخر من رسالة الفنان من خلال ما تمثله من رمز السلطة والحكم، أيضا ظهر ذلك في لوحات الطبيعة الصامتة التي استخدم فيها انواع من الفاكهة تحمل دلالات معينة مثل التين والرمان والتمر، وهي تشير إلى معاني الخصوبة وتعدد النسل وتواصله، والبخور التي ترتبط بالهوية وأجواء روحانية ودينية، كذلك كان للعدد «خمسة» حضور متكرر في أعمال الفنان مثل لوحات «الاندفاع والجياد الخمسة» و«الجياد الخمسة» و«الجياد الخمسة ومسابقو الريح»، نظراً للدلالات الغنية ذات الأبعاد المتعددة التي يحملها هذا الرقم، فهو كما يوضح الفنان أنه عدد الاتحاد والوسط ورمز التجانس والتوازن، وهو أيضا رمز الكمال والنظام.
حرية اللوحة
وقال زياني: «يستطيع الفنان في أعماله أن يرسم أشياء من دون أن يرسمها؛ ففي لوحاتي لا توجد سماء، فأنا لا أرسم السماء بشكلها المعتاد وارفض تماماً أن يكون في لوحاتي خط الأفق الذي تلتقي عنده السماء والأرض، لأنه في نظري يقطع المشهد ويمنع تكامله واسترساله بعفوية».
ولفت إلى أن «الرسام لا يفرض ما تقوله اللوحة حتى لا يفقدها حريتها في التعبير، ولذا عليه أن يترك للمتلقي أن ينظر للعمل من وجهة نظره الخاصة، التي تتأثر بخلفيته الفكرية والاجتماعية والثقافية».
ويشير زياني إلى أن «الموضوع لا يمثل الركن الرئيس في العمل الفني، وهو لا يمنح الفنان اسلوبه الخاص، بل الاسلوب الفني هو الذي يحدد كيفية تناول الفنان للموضوع، ولذا يتنقل الفنان من موضوع لآخر ويظل اسلوبه واحداً لا يتغير، والموضوع هو السبب الذي يدفع الفنان لأن يبدع عملاً تشكيلياً يتصف بالجمال والتوازن اللوني، بدليل أن الفنان يمكنه أن يرسم موضوعاً قاسياً ومؤلماً مثل الحروب وعلى الرغم من ذلك يقدمه في صورة معبرة تزخر بالجماليات».
عودة للواقعية
وحول تمسكه بالمدرسة الواقعية منذ بداية مشواره قال زياني: «كانت بدايتي الفنية في فترة السبعينات، حيث كان التجريد هو الاتجاه الجارف في عالم الفن التشكيلي، وعلى الرغم من ذلك اتجهت للواقعية، ما أثار العديد من التساؤلات، والحقيقة انني لم اختر الواقعية، ولكنني وجدت نفسي اتبعها، فالطفل عندما يبدأ في الرسم يتجه إلى رسم أشياء من الواقع المحيط به، ولم تمنعني الصعوبات الكثيرة التي قابلتها عن مواصلة الطريق الذي اخترته، أما اليوم فهناك عودة واضحة للمدرسة الواقعية على مستوى العالم.
واكد زياني بعد ان كان من المستحيل أن تقبل صالة فنية في أوروبا عرض أعمال لفنان واقعي في فترة السبعينات والثمانينات، أصبحت الصالات الفنية تعرض لعشرات الفنانين الواقعيين بعد ان أدرك الانسان ضرورة أن يرتبط الفن بالواقع الذي نعيشه ولم يعد بحاجة لتجاهل الواقـع والتحـليق بعيداً بحلمه كما كان يفعل في فترة السبعينات، التي شهدت إطلاق الصواريـخ في الفضاء، وهبوط الإنسان على القمر».