«دبي لموسيقى السلام» يهدي فلســــــطين «زهرة المدائن»
مستلهماً فكرته من تناغم العيش المشترك بين أبناء الثقافات المختلفة على أرض دبي، اختتمت مساء أمس في فندق شنغريللا فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان دبي لموسيقى السلام للناشئين المبدعين، الذي قامت بتنظيمه على مدار ثلاثة أيام متتابعة هيئة دبي للثقافة والفنون «دبي للثقافة» تحت رعاية حرم صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي سموّ الأميرة هيا بنت الحسين، بمشاركة «أوركسترا الإمارات السيمفونية للناشئة»، والأوركسترا السيمفونية الشبابية في كلية بريميير للموسيقى في براغ.
ومن خلال ناشئة ينتمون إلى 25 دولة جمعتهم الموهبة الموسيقية، وطموح المساهمة في سيادة السلام قدم طلاب أوركسترا الإمارات الوطني عدداً من السيمفونيات الموسيقية المتنوعة سواء المنفردة او المصاحبة لمجموعة من الأغاني المختارة التي ترافق عبرها جماليات الأداء الصوتي بسحر الموسيقى الكلاسيكية الراقية، فيما شهد أداء أغنية «زهرة المدائن» بصوت إحدى الطالبات تفاعلاً كبيراً من الحضور احتفاء من المهرجان باختيار مدينة القدس عاصمة للثقافة العربية للعام الجاري.
حميمية ودفء
وشكل المهرجان الذي يأتي في سياقه العام ضمن المنظومة الثقافية لدبي الساعية دوماً إلى مد جسور التواصل مع الآخر، رسالة مهمة للمجتمع الدولي لا سيما في ظل فريق جل عناصره من الأطفال المختلفين ثقافة والمتوحدين هماً في هدف سيادة السلام العالمي، ورفع المعاناة عن أطفال العالم المنكوبين، وبشكل خاص أطفال غزة في ظل ما تعرضوا له أخيراً من أبشع أساليب الإيذاء الجسدي والمعنوي في ظل العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة.
رغم ذلك لم تفقد موسيقى المهرجان دفئها، وتمكن العازفون الصغار من التغلب على هواجس غياب السلام الذي يدعون إلى سيادته في مناطق كثيرة من العالم، وراحوا يذيقون جمهورهم بانوراما موسيقية متنوعة رشفت من مدارس شرقية وغربية في تأكيد جديد بأنه إذا كانت الموسيقى لغة جامعة تتلاشى أمامها الفوارق اللغوية وحواجز اللغات المختلفة، فإن المجتمع الدولي يمكن أن يتواصل بالفعل على نحو أكثر إيجابية من أجل توحيد جهوده لصالح قيم الخير والعدل والجمال التي تحفز عليها «موسيقى السلام».
جسر التواصل
وبعيداً عن جدلية المصطلح «موسيقى السلام» الذي يعتبره البعض إشكالياً، مشيرين إلى أن إكساب موسيقى ما دلالات نفسانية معينة يعود إلى فعل الاقتران بين الموسيقى والدلالة المستحدثة، فإن المهرجان لا يمكن قراءته بمعزل عن المهمة الإنسانية والحضارية والثقافية التي كلفت بها دبي نفسها لأن تكون دائماً جسراً فعالاً تلتقي عبره حضارات العالم المختلفة، وهو ما انعكس بشكل عملي خلال المهرجان الذي امتدت فعالياته إلى إمارة الشارقة أيضاً، أولهما تعدد جنسيات الناشئة الذين شاركوا في عزف المقطوعات والسيمفونيات الموسيقية من جهة، والتنوع الكبير أيضاً في انتماءات الحضور في مشهد ثقافي جمع بين الإمتاع الفني، والتصالح مع القيم الإنسانية الإيجابية. وتهدف «دبي للثقافة» عبر ترسيخ مكانة المهرجان إلى تشجيع جيل الشباب على الاهتمام بالموسيقى الكلاسيكية ورعاية وصقل المواهب، سعياً إلى تأسيس أوركسترا سيمفونية وطنية تضم في صلبها كادراً متميزاً من الشباب الإماراتي الموهوب وهو هدف يتوازى مع آخر أكثر شمولية لأنشطة المهرجان، يتمثل في نشر رسالة السلام، والتي يجسدها من خلال اثنين من أكثر رموز السلام تعبيراً على المستوى العالمي، وهما الموسيقى والطفل.
رسالة
التعددية التي حملها الفعل الموسيقي الممتع ليس التنوع الوحيد في مشهدية الفعاليات التي صدحت عبرها موسيقى السلام في ربوع دبي لليال ثلاث، حاملة رسالة شديدة الخصوصية لطرفي السلام ما بين فاعلين في غيابه، ومنشدين لسيادته، حيث لفت انتباه الحضور التنوع الشديد في ملامح العازفين من الناشئة، ما بين عازف كمان ذي ملامح يابانية واضحة، إلى آخر تبدو عليه سمات ابناء أوروبا الشرقية، وآخرين من جنوب شرق آسيا مجاورين لزملاء لهم من المنطقة العربية وأميركا وإفريقيا السمراء، وغير ذلك من مختلف مناطق عالم مترامي الأطراف يأمل العازفون الصغار بأن يكون غده أكثر أماناً لهم ولنظرائهم. |
لغة عالمية
في هذا الإطار قال الرئيس التنفيذي للمشاريع في هيئة دبي للثقافة والفنون (دبي للثقافة) سعيد النابودة: «يأتي التركيز على السلام والهوية المتعددة الثقافات للمهرجان ولأوركسترا الإمارات السيمفونية للناشئة متناسباً تماماً مع أهدافنا، ومن ضمنها رغبتنا في الاحتفاء بالتنوع، وتشجيع الحوار الثقافي بين الجنسيات المختلفة من كل أنحاء العالم، والمساهمة في إحياء الثقافة والفنون في المنطقة».
من جانبه قال مؤسس ومدير ومايسترو أوركسترا الإمارات السيمفونية للناشئة رياض قدسي: «تكتسب الموسيقى أهمية كبرى بالنسبة للأجيال، الحالية والمستقبلية، ويمكن للموسيقى الكلاسيكية أن تكون لغة عالمية تتخطى جميع الثقافات والحدود، مما يشكل أساساً قوياً للسلام الذي نطمح إليه جميعاً. وعندما نرعى المواهب الشابة، فإننا نزرع بذور هذا السلام المنشود». ويعتبر «المهرجان الدولي للموسيقى» واحداً من أبرز الفعاليات التي بادرت «هيئة دبي للثقافة والفنون» (دبي للثقافة) إلى دعمها منذ إعلانها عن هويتها المؤسسية الجديدة، والتي جاءت لتعكس مرحلة جديدة من التغيرات على المشهد الثقافي، وتنسجم مع تنوع المسؤوليات التي تنهض بها الهيئة. وتتمثل رؤية «دبي للثقافة» في تكريس مكانة دبي كمدينة عربية للثقافة والفنون ذات طابع عالمي من خلال تطوير بنية تحتية محفزة للابتكار والإبداع في كل المجالات الثقافية.
يذكر أن أوركسترا الإمارات السيمفونية للناشئة منذ أن أسسها رياض قدسي في عام ،1993 تمكنت من المشاركة في العديد من مهرجانات الموسيقى الدولية في جمهورية التشيك، وفرنسا، والكويت، وعُمان. وحصل عدد من أعضاء الفرقة السابقين، الذين أتموا دراساتهم الأكاديمية على يد قدسي، على منح رفيعة لمتابعة دراساتهم الموسيقية في العزف على الكمان، فيما شكل مقرها الدائم في مدينة دبي للإعلام بؤرة انطلاقة حقيقية لها نحو العالمية التي ساهمت فيها أيضاً الشهرة الواسعة لمؤسسها السوري الذي يحمل جواز سفر تشيكياً الموسيقار العالمي رياض قدسي.