«سمنهرور».. جماليّـات تعالج تشوّهات الواقع
تمثّل مسرحية «سمنهرور» التي استضافها نادي تراث الإمارات في أبوظبي، مساء أول من أمس، وعلى مدى يومين، واحدة من تجليات العلاقة بين المسرح والحياة، تلك العلاقة الوثيقة التي لم تنجح الاتجاهات الفكرية والفنية التي حاولت الفصل بينهما، وجذب المسرح للتحليق في عوالم بعيدة عن واقع المجتمع وهموم الإنسان في خرق هذه العلاقة أو إضعافها.
أعد المسرحية إسماعيل عبدالله عن مسرحية «أخبار سمنهرور وما لحق بها من شرور» للكاتب السوري عبدالرحمن حمادي، من إخراج حسن رجب، وجمعت بين ممثلين شباب من مختلف مسارح الدولة، تتسلل عبر حكاية بسيطة إلى واقع العالم العربي، اليوم، وما يعاني من أوضاع وأخطار تحيق به من الداخل والخارج، محاولة عبر جماليات المسرح من حوار حي وطازج، وديكور معبر، ولوحات راقصة معالجة قبح مشكلات الواقع.
وبحسب إسماعيل عبدالله في تقديمه للعمل عندما عرض ضمن الاسبوع الثقافي الإماراتي في دمشق، المسرح « من أشكال المواجهة مع الواقع، ووظيفته الانقضاض على هذا الواقع وتعريته، وتشخيص الكامن من علله. ولذا، ارتأينا أن نقوم بإعداد هذا النص المسرحي العربي المهم لما فيه من إسقاطات، ينوء بها واقع أمتنا الأليم، بعدما تاهت بنا الخطى، وانعزلنا عن أنفسنا بجدار صنعناه بأيدينا، منشغلين بكل ما هو سطحي وهامشي، متناسين قضايا وهموماً أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها كارثية».
وتقوم «سمنهرور» على استغلال حكاية بسيطة من الموروث الشعبي العربي، لتقديم إسقاطات واضحة على الواقع والعلل التي يعاني منها العالم العربي، من خلال خلاف ينشب بين أهل العروس والعريس في ليلة العرس، ليظهر الملا الذي يقوم أيضاً بدور الراوي، محاولاً فض الخلاف بين العائلتين، محذراً الجميع من عواقب الانسياق وراء خلافات بسيطة لتتضخم حتى تصبح تهديداً للمجتمع كله، وتقديم الموعظة لهم من خلال قصة «سمنهرور»، المدينة الهادئة التي يعيش أهلها في سلام من دون خلافات أو ضغائن، وتنقلب أحوالهم عقب خلاف بين الحمالي والشواي، واتجاه ولاة الأمر في بيت الأحكام لإشعال الخلاف بدلاً من حله، حتى تقع البلدة بكاملها في حالة من الفوضى وتصبح فريسة للصوص.
حمل الحوار والمقاطع الغنائية في العرض مقاربات وربط صريح حيناً، وغير مباشر حيناً آخر، مع واقع الدول العربية في الوقت الراهن، ودعوة للعرب إلى الاستيقاظ ورؤية ما يحيق بهم من أخطار، ونبذ الخلافات التي بينهم، والتي تعد بسيطة وسهلة الحل، مقارنة بالنتائج التي يمكن أن تترتب على تركها أو مقارنة بالأخطار الخارجية.
واستطاع مخرج العرض أن يضيف للحكاية البسيطة أبعاداً جديدة شكلت عوامل جذب للعرض من خلال توظيف أشكال فنية مختلفة، مثل الموسيقى والمقاطع الغنائية التي جاءت متميزة، وشكلت إضافة إيجابية للعرض، وتداخلت مع نسيج النص في انسجام وتكامل واضح وبسيط، إلى جانب توظيف حركات الممثلين والمجموعات على المسرح، بينما اعتمد على الديكورات المتغيرة التي يتم تعليقها في سقف المسرح، مستخدماً الجزء الخلفي من المسرح مكاناً لتبديل ملابس الممثلين وتجمعهم، فاصلاً بين هذا الجزء والجزء الأمامي والجمهور.
ومثلت اللوحات الفنية الاستعراضية التي قدمتها فرقة أورنينا السورية إضافة حقيقية للعرض، وعنصراً من عناصر الجذب الجماهيري للعرض، خصوصاً استعراض اللصوص وهجومهم على «سمنهرور»، والذي تم توظيفه بنجاح كبير، وأثرى العمل.
فريق العمل
جمع عرض «سمنهرور» الذي أشرف عليه عبيد علي إبراهيم من وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، عدداً كبيراً من ممثلي مختلف مسارح الدولة، غلب عليهم عنصر الشباب، فقام بدور الحمالي، مروان صالح، وبدور الشواي موسى البقشي، وقام جمعة علي بدور الملا والراوي، وعادل ابراهيم «القاضي»، وأمل محمد «أم العروس»، وعبدالله بوشامس «الوالي»، وحميد فارس «المستشار»، وريم الفيصل «شريفة، أديبة، أم العريس»، وسعيد عبدالعزيز «قائد الحرس»، ويوسف الكعبي «بوسعيد، الحكيم» وسعود عبدالرحيم «وزير ثالث، البائع»، وعادل الخميسي «وزير ثانٍ، أبوعمر».
|