جرأة الطرح تفاجئ جمهور «الخليج السينمائي» في سداسية قصيرة

مشهد من فيلم «نصف قلب»، للفنان بلال عبدالله. من المصدر

شكلت الأفلام الستة التي افتتحت عروض أفلام الدورة الثانية لمهرجان الخليج السينمائي الذي انطلق مساء أول من أمس مفاجأة سارة، لمحبي الفن السابع خصوصا والدراما الخليجية عموما، على المستويين النقدي والجماهيري، من حيث جرأة الطرح وارتفاع سقف المسموح بمناقشته بصوت عال، وهو ما علق بصدده مدير المهرجان مسعود أمر الله الذي قال لـ«الإمارات اليوم»: «ليست هناك خطوط حمراء حقيقية الآن في مجال السينما الخليجية، وأشهد أنني على مدار اشتغالي بالسينما، لم أتلمس سوى خطوط يضعها المبدعون لأنفسهم، وهو أمر يستثمره مهرجان الخليج السينمائي بشكل واسع هذا العام».

وعرضه المهرجان في ليلته الافتتاحية تقارير موثقة عن المكرمين، الإماراتي عبدالرحمن صالح، والبحريني خليفة شاهين، والكويتي خالد الصديق، مثلت تأريخا كاشفا لجوانب غير معلومة لكثيرين عن بدايات السينما والدراما في منطقة الخليج.

وكان عدد من مشاهدي فيلم العراقي المقيم في الدنمارك فنار أحمد «أرض الرافدين» قد استغربوا جرأة الدفع بعبارات رأوها جديدة على الفيلم القصير، مثل عبارات جاءت على لسان أحد شخصيات الفيلم ، لكن تفاعل المشاهدين مع الفيلم، والإدراك السريع لمفهوم دلالة رمز المرأة، وإشارته إلى حضن الوطن المسلوب، وخضوعه لهيمنة سطوة واحتلال خارجيين، كان إشارة إيجابية بأن الجرأة تقابل بأفق تحليلي واسع، حتى على مستوى المشاهدة العامة .

وبالوتيرة الإيحائية نفسها، راح الفيلم يجسد معاناة فقدان الوطن من خلال جماعة تعيش في سرداب تحت الأرض في مكان ما على أرض العراق، وتضطر للعيش هناك سنوات طويلة، خشية التعرض للإيذاء من المستعمر، ووسيلتها الوحيدة للتواصل مع ذويهم الذين يعيشون في المهجر الغربي والشرقي جهاز تلغراف قديم ومتهالك، يتحول إلى آلة تحمل كل طموحاتهم في معرفة شؤون أسرهم، قبل أن يكتشف الجميع في النهاية أن الرجل الوحيد المتحكم في الجهاز كان يخدعهم طوال تلك السنين باختراع رسائل لم يكن يتلقاها بالأساس، وأن جهاز التلغراف البالي هذا لا يرسل أصلاً، ليسدل ستار «أرض الرافدين» في النهاية على أفق شديد القتامة، ودمعة تفر من حدقة عين الرجل الذي كان يغافلهم من أجل أن يواسيهم.

قضايا شائكة

وكان الفيلم السعودي «عيون بلا روح» للمخرج سمير عارف الأكثر «جرأة»، من حيث التطرق إلى قضايا لا تروق مناقشتها، وفق رؤى كثيرة، حيث سعى المخرج في اعتماده على كاميرا محمولة شديدة القلق في حركتها إلى رصد حقائق من الجانب المظلم في علاقة الشاب بالفتاة، حينما تختزل في إطار إقامة علاقات مشبوهة، ودور أصدقاء السوء في هذه العلاقات من ناحية، وموقف الأهل السلبي من ناحية أخرى.

قام عارف بمزيد من التعرية لتلك العلاقات التي اكتشف معها المشاهد أنها ليست مجرد تصرفات مدفوعة بثورة شهوات المراهقة الجامحة فحسب، بل يدخل الحرمان عنصراً أساسياً في تأجيجها على نحو يجعل الفتاة تقص لصديقتها على أثر انتهائها من إحدى تلك المغامرات، قائلة «لم يستطع أن يفعل أي شيء، لكن المهم أنه أحضر لي هدية، مشكلتي كيف أخفيها عن أهلي يا نوف»، وهو مشهد كان شديد الصلة بآخر يلوم فيه والد تلك الفتاة ابنه الأصغر لحصوله على حلوى متروكة في المنزل، ليخبره الصغير باختزال دال في سياق أثر الحرمان المادي والمعنوي: «أردت أن آخذها فأخذتها».

«نصف قلب»

العلاقات المشبوهة ودور الأسرة في نشوئها كانت أيضاً محور الفيلم الإماراتي «نصف قلب»، للفنان بلال عبدالله الذي أفادته فيه إلى حد كبير خبرته التمثيلية في تكوين رؤية إخراجية تحتفي بعناصر المشهد الدرامي الذي اكتسب في بعض ملامحه ملامح المشهد المسرحي، لا سيما أن بلال كان أحد أعضاء لجنة التحكيم في الدورة الأخيرة لمهرجان دبي لمسرح الشباب.

وتطرق عبدالله لإشكالية ثنائية الفضيحة والعقاب، بعد أن فوجئ الأب بحمل ابنته سفاحاً نتيجة تلك العلاقة، والانفتاح من تلك الأزمة على تفاصيل ناقشت بمفهومها الأوسع فسادًا أكثر شمولية، معيداً إلى الأذهان تساؤلات مشروعة حول المتسبب الأساسي في الجريمة، وما إذا كان الضحية بالفعل كذلك، أم أنه مشارك بسلبيته في مصيره، سواء بسذاجته أو إهماله .

وجاء الفيلم الكويتي المشارك في العرض الافتتاحي «مجرد إنسان» للمخرج عمر المعصب، أكثر شمولية من خلال تطرقه لمشكلة العولمة التي تجعل الإنسان، كل إنسان، مجرد رقم لا يختلف عن غيره في أي ملامح، من خلال رسومات كانت هي كل شخصيات العمل، والبطل فيها إنسان غائب الملامح، مفتقد لأي هوية سوى أن صورته العامة توحي بأنه إنسان.

ومن خلال حركة سريعة للرسوم، يبدو ذلك الانسان مشغولاً بإعلانه الولاء لرموز كثيرة سريعة التبدل، فما بين الرمز الديني، إلى أحد أهم رموز الاقتصاد العالمي «الدولار»، لبعض الخلفيات التراثية، وأخرى أثرية قديمة، من دون أن تغيب صورة الأقصى، وخربشات لونية غير مفهومة، يسرع ذلك الإنسان إلى التعبير من خلال انحنائه ليعلن إخلاصه وولاءه لها، وهو يبدو شديد الإنهاك لمتابعة حركة انحنائه الدؤوب لرموز تظهر في مختلف أنحاء الشاشة.

الإنهاك التام وارتفاع وتيرة الشهيق والزفير، ومن ثم الاستسلام لحالة تشبه الإغفاءة، يرى خلالها ذلك النموذج فيما يشبه الحلم أفقاً حالك السواد كانت إيذاناً بنهاية العرض الذي ذُيل بعبارة «كنتم مع مقدمة ثلاثية الحياة.. وسنكمل الرحلة».

وتضمن العرض الافتتاحي أيضاً فيلم السدّادة للمخرجة عائشة المقلة من البحرين . وعرض المخرجان داود وياسر الكيومي من سلطنة عمان فيلمهما «اكتشف طاقتك»، وهو ما جعل الليلة الافتتاحية تشمل أعمالاً لفنانين من مختلف الدول الخليجية، باستثناء قطر واليمن.

شهادات موثقة

وسبقت العروض الافتتاحية تقارير تم عرضها في صورة شهادات موثقة للشخصيات الرائدة التي سيكرمها المهرجان بجوائز إنجازات الفنانين، وهم الكاتب الإماراتي عبدالرحمن صالح، والمخرج البحريني خليفة شاهين، والمخرج والمنتج الكويتي خالد الصديق. وكشفت عن تفاصيل كثيرة مهمة في سياق التأريخ الدرامي والسينمائي لمنطقة الخليج العربي، لا سيما في مرحلة بدايات تلك الحركة، وبعض المفاصل المهمة في مسيرتها، على نحو يمكن أن يستفيد منه الباحثون في هذا المجال.

وشكلت الجلسات التي عقدت بشكل تلقائي في الحفل الذي استضافه فندق انتركونتننتال في دبي فيستفال سيتي محوراً آخر لمناقشة تفاصيل وقضايا خاصة بالدراما الخليجية، من خلال حضور فني مهم، حيث حضر من الإمارات، الفنانون عمر غباش، وموزة المزروعي، وناجي الحاي، وجمال مطر، وغزلان، وعبدالله مسعود، وبدور، وسيف الغانم، وسالم الحتاوي، وأشواق، وعلي خميس، وسلطان النيادي، وملاك الخالدي، ويوسف يعقوب، وإبراهيم سالم، وأشجان، وصوغة، وعائشة عبدالرحمن، ومريم سلطان، ومحمد إسماعيل. ومن الكويت، شارك غانم الصالح، وحسين المنصور، في حين مثل السعودية الفنانين ناصر القصبي، وعبدالمحسن النمر، إضافة إلى الممثلين البحرينيين بسام الذوادي، وفاطمة عبدالرحيم، وشيماء سبت، ومريم زيمان، وعبدالله عبدالملك، وأمينة القفاص، وأنور أحمد.

 
الطلبة حاضرون

قال مدير مهرجان الخليج السينمائي مسعود أمر الله إن «المهرجان يولي أهمية كبيرة للإبداع الطلابي، باعتباره القاعدة المستقبلية الحقيقية للسينما الخليجية»، وسوغ تضمن المهرجان عرض 19 فيلماً هندياً بأنه لأجل إفادة فئة الطلبة الخليجيين الموهوبين في صناعة الأفلام، كون القائمين على صناعتها في الأساس طلبة متخصصين بفنون السينما.

ويقدم طلبة الإمارات أربعة أفلام تناقش قضية الهوية، وتعرض سلوى القشيري وسميرة الحوسني ومريم اليافعي فيلم «نايل» عن قصة رجل هندي يكتشف أنه إماراتي، فيقرر الذهاب للقاء عائلته الجديدة. ويتناول فيلمان وثائقيان القضية نفسها من زاوية مختلفة، حيث تحاول مريم السويدي في فيلمها عن تنوع الجنسيات في الإمارات البحث عن الهوية الإماراتية، كما يراها الطلبة والمدرّسون في الشارقة . وتطرح منى المازم في فيلمها «تأملات» تساؤلات حول رأي مختلف الجنسيات المقيمة في الإمارات بالمواطنين الإماراتيين. ويتناول الفيلم الإماراتي «أحمدية» لإبراهيم أستادي رحلة مدرسة الأحمدية، أول مدرسة رسمية في دبي، وتطور مسيرة التعليم في الإمارة.


تويتر