<font size=2>مارسيل خليفة: محمود درويش راحل لن يغيب وأشعاره مقاومة خالدة.تصوير: باتريك كاستيلو</font>

مارسـيل خليفة: أغاني المقاومة أكسجين الصامدين

بمزيج آلف بين ثنائيات كثيرة تقدمتها معاني الصمود والمقاومة والأمل، أحيا الفنان اللبناني مارسيل خليفة حفلين غنائيين أمس وأول من أمس في مسرح كلية دبي للطالبات في القصيص، وهو الحدث الذي رعته هيئة دبي للثقافة والفنون، ويعود ريعه للمساهمة في استقبال وعلاج 20 طفلاً فلسطينياً من ضحايا العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة في مستشفيات دبي.

وقال مارسيل خليفة إن «أشعار الراحل محمود درويش مقاومة خالدة لراحل لن يغيب»، مشيراً إلى أن أهم مقتنياته هي الأعمال الكاملة لدرويش الذي أهداها له، مضيفاً أن الموسيقى لغة عالمية سامية، وأن أغاني أدب المقاومة تعد أكسجين الحياة بالنسبة للصامدين الذين تخيروا فعل المقاومة في المناطق الملتهبة بالأحداث.

وعلى الرغم من خفوت البحث عن المتعة الفنية في تلك النوعية التي تتعلق بمناسبات يكون الهدف من إقامتها إنسانياً في المقام الأول، إلا أن مارسيل بمصاحبة فرقته الموسيقية استطاع أن يلبي لحضور الحفلين تلك الرغبة من خلال تقديمه نخبة متنوعة من ثروته اللحنية والغنائية التي تحلت بجماليات أدب المقاومة الذي عُرف بالإبداع فيه غناءً ولحناً عبر أشعار محرضة على التمسك بخيار المقاومة، ومبشرة بأن في الأفق أضواءً كثيرة تعد بالخلاص العادل من إذلال الاحتلال وقيود الأسر.

نحو 400 شخص هم جملة حضور الحفل الفني في يومه الأول، عاشوا متعة فن لا تعرفه الفضائيات العربية، حسب خليفةنفسه سوى في «مواسم العدوان»، مؤكدين أن للفن الملتزم جمهوراً واعياً يتفاعل مع تلك المعاني، لينتجا معاً حالة شديدة الخصوصية من الإخلاص للقضايا العادلة، مؤمنين بأن شرارة الخلاص قد تكون كلمة شعرية اكتست لحناً لتصبح ترنيمة، تؤجج فعل المقاومة وتحرّض على الخلاص.

توأم قلبي

بمشاعر شديدة التمازج جمعت بين الإحساس بالألم والأمل، المقاومة والانتصار، الفعل وردة الفعل، وغيرها من المترادفات التي قد لا تكون دائماً في سياق دلالي واصل الفنان اللبناني الملتزم مارسيل خليفة شدوه لصالح الإنسانية عموماً وضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة من الأطفال خصوصاً، في كلية دبي للطالبات في أمسيتين غنائيتين كان ابرز عناوينهما الملموسة «محمود درويش.. راحل لم يغب».

وكانت أشعار درويش حاضرة في صوت مارسيل وألحانه وهو ما جعله يؤكد «لم يغب مبدع بهامة محمود درويش برحيله، افتقدت شخصياً بتغييب الموت له جسداً تواتر ثنائيات الإبداع التي جمعتنا، لكن ما قدمه كفيل لاستيلادات كثيرة ستظل رافداً لشعر المقاومة الرافض لمحاولات الإذلال والتركيع والمتطلع دوماً نحو خبز الحرية». وأضاف مارسيل أن آخر أعمال درويش التي أهداه إياها هي أثمن مقتنياته الشعرية، ولخص الراحل الغائب علاقتي به في إهدائه لي عمله الأخير بتصديره الإهداء بعبارة «إلى توأم قلبي»، وتلك بالفعل ما يربطني بدرويش».

شمعة

وعبر مارسيل عن أمله في أن تكون أغانيه وألحانه في الحفل بمثابة شمعة تضيء الظلام الدامس الذي يخيم على العالم، مؤكداً قناعته بأن الموسيقى تظل دائماً بمثابة الأكسجين الذي يملأ حياتنا، من دون أن نتمكن من أن تحتويه قبضتنا على الرغم من أهميته، ودلالته في سياق بقائنا على قيد الحياة، قاصداً في هذا السياق إلى أن جانباً كبيراً من المعاني لا تستطيع الكلمات منفردة أن تفي دلالاتها بمعزل عن الموسيقى.

وقال «الموسيقى هي اللغة الأسمى للمعرفة، أو اللغة العامية للجنس البشري، وبشكل خاص في ما يتعلق بفعل المقاومة داخل الناس المقاومين والصامدين الذين يسكنون في قلب الصفيح الساخن، في فلسطين أو جنوب لبنان أو العراق، وغير ذلك من المناطق الملتهبة في سياق الوطن الأكبر الذي يحتاج لمزيد من الحب والحياة» حد

غائب حاضر

محمود درويش كالعادة كان حاضراً على الرغم من رحيله في إبداع مارسيل خليفة الذي ذكر أن توقيت الرحيل المصيري هذا كان باتراً مشروعات مشتركة كثيرة يعمل حالياً على إنجازها، مؤكداً «مع كل هذا العطاء الذي منحه درويش لوطنه وأمته والإنسانية بشكل عام، إلا أن الرجل كان يحوي المزيد الذي أوقف تدفقه الموت».

وكان حضور أطفال فلسطينيين ممن طالتهم يد العدوان الإسرائيلي الباطشة الحفل بمثابة لوحة شديدة الواقعية، وتوثيق لصدق المعاني التي انطلقت من أعماق حالة لحنية وغنائية وشعرية، احتضنها المسرح وتفاعل معها الحضور إلى حد التلاحم الوجـداني، ليترافـق المرئي مع المسـموع في سـياق مزيـد من التوثـيق لفضائح عدوان يشتهي اغتصاب ومصادرة الحقوق، وشعب يأبى ألا يقاوم، في صور كانت شديدة التـواتر، تحول معها المسرح الذي احـتفى بحالة غنائـية ولحنية، إلى مسرح درامي شديد الالتصاق بالواقع.

وفي ظل تلك المشهدية التي لم يغب عن بال حضورها حقيقة أن القاعة التي استضافتها تعود بالأساس إلى كلية طالبات بكل ما تحمله تلك الشريحة العمرية من معاني التطلع إلى مستقبل عربي أفضل، لم ينسَ خليفة أن يداوم التأكيد بأن محمود درويش الذي مثل بالنسبة له توأماً روحياً في رحلة الإبداع والالتزام بقضايا وطنية وإنسانية لا يجب أن يغيب أو تغيب معانيه التي أفنى عقوداً في نثرها بذوراً في نفوسنا جميعاً، وأرضى أمة تمر بمرحلة مفصلية في تاريخ صراعها ضد محاولات التركيع.

وقال رئيس كلية دبي للطالبات الدكتور هوارد إي ريد إن «كل الاستعدادات لهذا الحفل الذي تنظمه جمعية إغاثة أطفال فلسطين تمت بالتنسيق مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال الخيرية والإنسانية، حيث تم الاتفاق على أن يخصص ريعه لمساعدة 20 طفلاً فلسطينياً من جرحى العدوان الإسرائيلي، بإحضارهم إلى الدولة وتقديم العلاج اللازم لهم بتركيب أطراف صناعية وغيرها». مشيراً إلى أن الكلية قدمت المسرح بمعداته وترتيباته اللوجستية، في إطار دورها الإنساني والمجتمعي .

فنان السلام

لا يتوجه الفنان اللبناني مارسيل خليفة في أي بقعة ي الوطن العربي إلا ويستقبل باحتفاء وتكريم شديدين، يؤشران بقوة إلى التقدير الرسمي والشعبي لدور الفنان الحقيقي المتفاعل مع قضايا وطنه وأمته، ففضلاً عن رعاية هيئة دبي للثقافة والفنون للحفلين اللذين أقامهما في دبي، وتخصيصها مؤتمراً صحافياً سابقاً أتاح الفرصة للفنان في التواصل مع وسائل الإعلام، في حدث احتضنه «فيرجن ميجا ستور» في مول الإمارات، فإن الفندق الذي يحل مارسيل ضيفاً عليه قرر بمبادرة ذاتية إقامة حفل استقبال له اليوم، دعا إليه عدداً كبيراً من الإعلاميين أيضاً احتفاءً واستثماراً لوجود الفنان الحائز على لقب «فنان السلام»، اللقب العالمي الذي حازه أخيراً من منظمة اليونسكو، وعلق عليه خليفة بقوله «منحتني المنظمة العالمية هذا اللقب، بسبب استجابتي للتكليف بالعمل من أجل السلام وقضية أطفال المناطق النائية في البلدان الفقيرة والمنكوبة، وخصوصاً ذوي المواهب التي يمزقها البؤس والجهل والإهمال، فتغرق قبل أن تبحر، فيعلم الجميع أنني أغني من أجل السلام ولمحاربة الفقر والاحتلال وتحرير سجناء الرأي في مختلف أنحاء العالم».

الأكثر مشاركة