«احتفالية القدس».. موسيقى وشعر وتشكيل وتراث
جمعت الليلة الفلسطينية التي نظمتها دائرة الثقافة والإعلام في عجمان، أول من أمس، الموسيقى والغناء والشعر والفن التشكيلي والأزياء والتراث، ضمن احتفالية الدائرة بالقدس عاصمة للثقافة العربية للعام الجاري. وتضمنت الليلة التي حضرها جمهور كبير في باحة متحف عجمان حوارية بين فنون متعددة، احتفالاً بالقدس، زهرة المدائن، التي تتعرض لحملة تهويد شرسة من الاحتلال الإسرائيلي. وتضمنت الحوارية معرض ملصقات عن القدس، ومعرضاً للتطريز الفلسطيني وأمسية شعرية، شارك فيها ستة شعراء، وعرض أزياء للأثواب التي تميز مناطق فلسطين، من الجليل التي تقل فيها درجة تطريز الثوب النسائي، إلى بئر السبع التي تزداد كثافة التطريز في الثوب، مروراً بمدن يافا والخليل والقدس وطولكرم ورام الله وغيرها من المدن.
وتضمنت الليلة الفلسطينية حفلاً لفرقة «زهرة المدائن» بقيادة الموسيقار خالد هباش، صاحب التجربة المميزة في التلحين لفرقة «العاشقين» التي حققت نجاحاً فائقاً في الثمانينات من القرن الماضي. وجاءت فعاليات الليلة ضمن «مهرجان التراث العالمي الثالث» الذي تنظمه دائرة الثقافة في عجمان، احتفالاً باليوم العالمي للتراث.
حضر «احتفالية القدس» الشيخ الدكتور ماجد بن سعيد النعيمي رئيس الديوان الأميري في عجمان، والمستشار الثقافي في القنصلية العامة لدولة فلسطين في دبي الدكتور رمضان عبد الله عبدالهادي، ومدير عام دائرة الثقافة والإعلام في عجمان إبراهيم سعيد الظاهري. وفي كلمة له، أكد مدير متحف عجمان علي المطروشي على «القيمة الثقافية لهذه المناسبة، حين يتناغم الفن والأدب والتراث والموسيقى معاً»، قائلاً إن «هذا اليوم خصص للاحتفال بمناسبة عزيزة على قلب كل عربي ومسلم، ألا وهي اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية».
وأكد المستشار الدكتور عبدالهادي على «التواشج الإنساني والمعاني الحضارية والثقافية بين الشعبين الإماراتي والفلسطيني»، موضحاً أنه «في مثل هذه الاحتفالات، تتجسد أواصر الأخوة في أعلى معانيها، وتتلاقى مشاعر المحبة والواجب مستمدة جذوتها من عروبتنا وديننا الحنيف». وافتتح رئيس الديوان الأميري يصاحبه المستشار الثقافي الفلسطيني معرضين، أحدهما «القدس 2009»، و يتضمن ملصقات عن القدس، والآخر معرض للتطريز اليدوي الفلسطيني. وتفقدا جناحاً لأشهر المأكولات الشعبية الفلسطينية.
تطريز هوية
على الألحان التراثية الفلسطينية، أقيم عرض للأزياء قُدم خلاله 12 ثوباً من التطريز الفلسطيني، مثّلت مدن الخليل وغزة ونابلس ويافا وبئر السبع وبيت لحم ورام الله وطولكرم والقدس. وقالت المشرفة على العرض، عايدة الكاشف، «تعد الأزياء الشعبية الفلسطينية من أبرز مكونات الهوية الوطنية الفلسطينية التي حاول الاحتلال الإسرائيلي طمسها، كونها متوارثة ومطورة عبر الأجيال». وأضافت أن تلك الأزياء «مستوحاة من البيئة الفلسطينية بكل أشكال الحياة والفرح».
وأوضحت الكاشف «يتميز الثوب الفلسطيني بالتطريز الذي تختلف أشكاله وكميته من منطقة إلى أخرى. فكلما اتجهنا شمالاً تقل كمية التطريز، حيث تكون قليلة جدا في الجليل، وتصبح كثيفة جداً في الجنوب، أي في منطقة بئر السبع. ويغلب اللون الأسود على الثوب الفلسطيني. وفي أغلب المناطق يكون مطرزاً باللون الأرجواني، بالإضافة إلى ألوان أخرى. وتتميز مناطق الوسط مثل رام الله ويافا باللون الأبيض». |
معرضان
وتضمن معرض الملصق (البوستر) 30 عملاً وفكرة عن القدس عاصمة للثقافة العربية، شارك فيه 15 فنانا معظمهم من أعضاء جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، ولفت منسق المعرضين التشكيلي الفلسطيني أحمد حيلوز إلى تنوع أفكار الفنانين، واشتراكهم في الوقت نفسه في تبني الأساليب الحديثة. وقال «بعضهم نقل قبة الصخرة وأمامها ريشة وقلم رمزاً للثقافة، وهناك من استخدم في التصوير كتباً، ومن كتب شعراً ومن صوّر القدس وهي سجينة وتعاني نتيجة لعزلتها عن العواصم العربية».
وضم معرض التطريز اليدوي 30 عملاً تناولت موضوعات عديدة، منها العادات والتقاليد والعرس الفلسطيني وامرأة تجلس وتطحن القمح وقطف الزيتون وأنواع من التطريز الذي يشمل البداوة، وآخر يمثل الفلاحة والمدنية. وتضمن أيضا عرض أنواع التطريز التي مثلت المدن الفلسطينية ولوحات فنية مطرزة . وأوضح حيلوز أن «التطريز موروث شعبي من التراث الذي يخص الأجداد القدامى، وكل منطقة فلسطينية تمثل غرزة معينة في التطريز».
قصائد
أقيمت أمسية شعرية للشعراء إبراهيم محمد إبراهيم ويوسف أبولوز وعلي العامري وشيخة المطيري ووائل الجشي وبهجت الحديثي، أنشدوا من عبق المكان الزاخر بتراث الوطن ونسيم القصائد كحدث ثقافي للتفاعل والوحدة والضمير ورسالة شوق ومحبة لزهرة المدائن، وقدم للأمسية الشاعر جهاد هديب .
بدأ الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم قصيدته «لغزة قلبي» بحكايات الجرح الفلسطيني المفتوح إلى السماء، حين يتناغم دم القصيدة بحنين النبض المسكون برائحة التراب المحاصر، فيزداد شوق الروح للخلاص، ولمدينة القلب وهي تصبغ جبهتها بألوان الجوع والحب والنزيف والوفاء معاً. وقال إبراهيم في قصيدته: «لغزة قلبي في الهوى ما تقلّبا ومن دمها يختط للعزّ مسربا دعاني مُحيّاها للَثم جبينها فعفّرت وجهي في ثراها تأدلابا توالى عليها النار من كل وجهة فما زادها الإحراق إلا تذهّبا».
ومن بهاء الرمز وما يحمله من معان تضرب في عمق جذور المأساة ، قرأ الشاعر يوسف أبولوز قصيدة «ضفاف»، وبسرد حكائي يتخذ من صراع الأخوة دلالة رمزية لأفق الصراخ وهو يحاكي التراب والدمع والماء والبلاد: «تبعتُ دموع أخي .. كان قابيل يبكي ويدفنني في مياه . لذا قد نهضت من القبر أتبع دمعاً على الماء قلت : أخي يا أخي لماذا دفنت أخاك هنا، والتراب كثير أما في البلاد لهابيل قبر».
أما الشاعر علي العامري، فكان وجع المكان وأوراق ذاكرة الرحيل حاضرة بقوة في قصيدته «الغرفة» التي حملت في جسدها دلالات الفقد ومسارات الغربة التي تفتح في أفقها على موت، لتصبح الغرفة وطناً والوطن جسداً وروحاً في قميص: «الغرفة لا تَنسى الغرفة تبكي حين أغادرها وتُلملمُ ما يتطاير من ريشٍ ممسوس تجلس قرب الأوراق تحكّ الوحدة والصلبان وتفتح أنهاراً تائهة في الصيف الشاسع».
وبلغة عفوية وبروح ندية، قرأت الشاعرة شيخة المطيري قصيدتها «فجر الشهداء» التي جنحت فيها صوب مدينة السلام وهي تسامر عرس البطولة في صباحات الكبرياء وأدعية البوح وقلق أزهار الدروب التي تنتظر دمعة الفرح المسافر: «لا تقلقي، أنا قادم هذا المساء لأضم عينيك جئت أنسيها البكاء فتأنقي كعروس حارتنا القديمة وارفلي وتتوجي بالكبرياء يا قدس، دمعك دمعنا ونواحنا وإذا ابتهجت فنحن أصوات الغناء».
وبصوت مسكون بوجدان التأمل والبطولة والحنين، أنشد الشاعر الدكتور بهجت الحديثي قصيدته «أنت الحبيب»، بلغة تكسوها دلالات العشق ومشاعر اللقاء ولهفة الوجع، معبراً عن هموم الأمة العربية والدمار الذي لحق بفلسطين والعراق: «ما للفؤاد وما للدمع ينسكب هل شفه الوجد أم أزرى به النَصَبُ لا تعذليه فإن القلب في ولهٍ وحامل الحب يضني قلبه التعب».
وبقصيدة «من عمق الضمير»، اختتم الشاعر وائل الجشي الأمسية، مستذكراً هتافات الضمير الحي في وريد الصراخ وشمس الروح التي تشتهي غصن الكرامة قريباً من مدائن الوفاء: «دمي يتدفق عبر جراح الحروب فيزهر غصن الكرامة في جنبات الفداء وتكتحل الأرض بالكبرياء ولون الدماء ويلتحف الترب بالزهر يفترش الدرب للشهداء».
دبكة وموسيقى
اختتمت الاحتفالية بحفل أحيته فرقة «زهرة المدائن». وقدمت الفرقة عروضا للدبكة الفلسطينية الشهيرة على أغاني «طلت خيلنا» و«جفرا» و«الشعبية» و«وديتلك محرمة». كما قدمت أغاني «القدس» و«فلسطين مزيونة» و«شوارع المخيم» و«يا ديرتي» و«يمشي على الجمر» وغيرها. وأثارت أغاني الفرقة حماس الحضور وحنينهم، وأبدع الموسيقار خالد هباش في تنويع إيقاعات الأغاني، بين الحماسية والهادئة، موظفاً الثراث الغنائي الفلسطيني ومفرداته الموسـيقية، في صيغة تحـكي سيرة شعب يعاني من الاحتلال الإسرائيلي الذي احتل الأرض، ولايزال يحاول احتلال التراث أيضا. ومجد كثيرٌ من أغاني الفرقة روح الصمود الفلسطيني، معبرة عن الروح الفلسطينية التي لا تقبل الهوان. وأفاد هباش في نهاية الحفل إن الفرقة التي تتخذ من القدس اسما لها تضم مجموعة متطوعين من طلاب المدارس، وعاملين في مجالات عدة غير الموسيقى، مؤكداً أن «أعضاء الفرقة المتطوعين يبذلون قصارى جهدهم من أجل فلسطين والحفاظ على تراثها الفني الغني». واختتم حديثه بالقول إن «شعوب الأرض تولد في أوطانها، لكننا نحن الفلسطينيين يولد وطننا فينا».
علي العامري.
يوسف أبولوز.