«الأم».. علاقة خارج حسابات العمر

مشهد من فيلم «الأم».             كمينغ سون

يمكن لفيلم أن يوقظ أفلاماً كثيرة ومواضيع أكثر، ولعله الآن يتجسد بفيلم The Mother (الأم) 2003 للمخرج الجنوب إفريقي روجر ميتشل، والذي سيكون أولاً إبحاراً متقداً بالمناطق الأكثر ظلمة في النفس البشرية، وتعقب تلك الانعطافات التي تنتصر على السائد والمتعارف عليه وغير ذلك.

لكن وقبل التقديم للفيلم، يجب إيضاح مجموعة من المواضيع التي يوقظها هذا الفيلم، وإلى أين سيفضي بنا. نبدأ من كاتب الفيلم الذي كنت طيلة مشاهدتي له أتساءل عنه، من هو؟ وما إلى هنالك، الأمر الذي أدركته مع انتهائه فإذا به الروائي البريطاني حنيف قريشي، واحد من أبرز الأسماء الروائية في اللغة الانجليزية، مع التأكيد على أن جميع رواياته مترجمة إلى العربية بما فيها «جسد» و«حميمة» و«بوذا الضواحي» وغيرها، ولئلا يمسي الحديث أدبياً، فإن سيناريو «الأم» سيكون لافتاً إلى أبعد حد وإحدى نقاط قوة الفيلم وعمقه.

أمر آخر يحيلنا إليه الفيلم يتمثل بأنه من إنتاج الـ«بي بي سي» التي مازالت مصرة على تقديم أفلام خاصة جداً، لها أن تكون في أغلب الأحيان مأخوذة عن أعمال أدبية مهمة أو مكتوبة من قبل كتاب بارزين.

الإشكالية التي يحملها فيلم «الأم» لها أن تكون في العلاقات الانسانية نفسها، بالمناطق العذراء التي سرعان ما يأتي أحدهم وينبشها ويضعها أمامنا على الشاشة في وضع درامي معقد، له أن يذكرنا بفيلم عرض العام الماضي في مسابقة مهرجان كان بعنوان «دلتا» للمخرج البلغاري كورنل موندروزو، والذي كان بحثاً جمالياً في المحظور الذي يضيء على علاقة شاب بأخته التي يراها للمرة الأولى وهو في الـ30 ويقع في حبها، وكيف يقضيا على أيدي أهالي القرية التي يلجأون إليها، أو «لوليتا» رواية فلاديمير نابوكوف واقتباساتها السينمائية المتعددة بما فيها نسخة ستانلي كوبريك عام 1962، وربما أيضاً فيلم «القارئ» القادم إلى صالات العرض الإماراتية.

في «الأم» الأمر أعقد نفسياً من لوليتا ومن هانا في «القارئ»، نحن أمام أم (آني رايد) في طريقها هي وزوجها لزيارة ولديهما في لندن، لكن سرعان ما يتوفى زوجها هناك وتبقى وحيدة لا تقوى على العودة إلى بيتها في الضواحي البعيدة عن العاصمة الانجليزية، وعليه وبعد أن تحاول الاستقرار عند ابنها تكتشف أن زوجته ستضيق بإقامتها، وعليه تحسم أمرها بالاستقرار عند ابنتها بولا ورعاية ابنها.

بولا تكون مطلقة وعلى علاقة مجنونة مع دارين (دانيال كريج) والذي تكون بولا هائمة به ومؤرقة بتلك العلاقة كونه متزوجاً أيضاً ويحتكم على قدر كبير من الجنون والمزاجية. الانعطافة في الفيلم ستكون عبر العلاقة التي ستنشأ بين دارين والأم، ونبش مشاعر الأم وماضيها الدفين من خلال اتصالها بشاب بعمر ابنتها، هي المتجاوزة للـ60، لا بل المضي خلف تلك العلاقة جنباً إلى جنب مع علاقة ابنتها بالعشيق نفسه، ومدى الفحش الذي سيستيقظ لدى الأم، لا بل الغيرة، والغرق بالتنافسية مع ابنتها وغير ذلك مما يضاء بحذافيره.

بناءً على ما تقدم فإن كل ما في الفيلم يمضي إلى وجهات مغايرة عن المعنى المتعارف عليه، بمعنى أن فعل الحب يمسي على قدر هائل الانتقام، والتناقض بين جسد دارين اليافع وجسد الأم الهرم سيمنعها من التواصل مع رجل بعمرها، إضافة لصراعها مع ابنتها ومن ثم مع ابنها، ونبشها لمشاعرها الدفينة تجاه زوجها المتوفى.

كل ذلك يقدم في بنية بصرية لافتة جداً، ومفردات مستثمرة بالكامل، بحيث يأتي الفيلم ومن بدايته بلقطات سريعة وقصيرة متوالية، سرعان ما يهدّئ إيقاعه بقاء الأم وحيدة وتركنا أمام مشاعرها وصراعاتها النفسية، والكيفية التي يتعامل معها ابنها وابنتها لدى اكتشافهم للرسوم الإباحية التي تضيء فيها الأم تفاصيل علاقتها مع دارين، هذا بالإضافة إلى دارين نفسه ودوافعه تجاه امرأة تفوق أمّه عمراً.    

تويتر