«الجدار» ترصد «أماكن مأهولة»
ثماني تجارب متباينة ورغبة واحدة في تقديم أعمال فنية متميزة؛ اجتمعت معا في حوار بصري ثري، امتد عبر بياض اللوحات ليرسم بمختلف خامات الرسم ملامح الإنسان وهمومه وأحلامه ومخاوفه، ليمثل الإنسان المصدر الذي تنبع وتتفرع منه وحوله غالبية الموضوعات أو الأبحاث البصرية التي جمعها المعرض السادس لجماعة الجدار الفنية الذي حمل عنوان «أماكن مأهولة»، وافتتح، أول من أمس، في المجمع الثقافي في أبوظبي.
جاء المعرض الذي شهده عدد كبير من محبي الفنون والثقافة من مختلف الجنسيات، وافتتحه الأمين العام للهيئة العامة للشباب والرياضة إبراهيم عبدالملك، ومدير إدارة الثقافة والفنون في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث عبدالله العامري، ليمثل قراءة بصرية في تجارب الفنانين الثمانية أعضاء الجماعة، وهم: إحسان الخطيب، وأحمد حيلوز، وطلال معلا، وعبدالكريم السيد، ومحمد يوسف، ومحمد فهمي، ومحمود الرمحي، ونجاة مكي. وما شهدته هذه التجارب من تطور، ليمثل تأكيدا على ما تقوم به المعارض الجماعية من دور في تحقيق التواصل بين الفنان والمتلقي، والارتقاء بذائقة الجمهور ودعمه للتعرف إلى مدارس فنية وفكرية مختلفة.
مدارس
شاركت الفنانة الإماراتية الدكتورة نجاة مكي في المعرض الذي يستمر حتى الثالث من مايو المقبل بأربعة أعمال انتمت إلى مراحل مختلفة من تجربتها، منها عملان كانا أكثر لفتا للأنظار، تناولت فيهما موضوع الدائرة الذي اتجهت للعمل عليه في الفترة الأخيرة، مستلهمة ما تمتلكه الدائرة من غنى على المستويات، الفلسفي والإنساني والاجتماعي والتراثي. وتميز العملان بالتركيز على اللون الأخضر الذي حمل أجواء الطبيعة والحيوية في تناغم ظاهر مع اللون الأصفر الذي يرمز للصحراء .
وتوسط قاعة العرض عمل للفنان محمد يوسف ينصب في إطار الأسلوب الذي التزمه يوسف في أعماله الفنية، والتي تعبر بخامات من الطبيعة عن روح الطبيعة وجمالياتها.
وتحت عنوان «في انتظار المعتصم»، جاءت مشاركة الفنان عبدالكريم السيد، الذي جسد في خمس لوحات امرأة تبدو مكبلة اليدين خلف ظهرها. وعلى الرغم من عدم تركيز الفنان على ملامح الوجه؛ يلتقط المتلقي مشاعر الحيرة والفزع، ثم الانكسار التي تكتنف المرأة في انتظار دام 60 عاما للمعتصم الذي يهب لنجدتها وفك أسرها.
ويواصل الفنان محمد فهمي عبر أعماله رحلته البحثية في سكون اللوحة وحركتها، فجاءت مسكونة بالألوان التي حولت السكون إلى ضجيج حياة ينبض بالحيوية والمعاني والثقة والتحدي، مثل الأزرق بدرجاته والأصفر والزهري.
وعن مفهوم الجمال وما يخضع له من نسبية، وتبدل المفاهيم والأحوال عبر دورات الزمن، قدم محمود الرمحي أعماله التي تعود إلى مراحل مختلفة من تجربته الفنية، وتتطرق بعضها للأسطورة وتأثيرها في التاريخ والإنسان العربي، كما في لوحة «عشتار» التي تظهر فيها الإلهة عشتار، وهي تحنو على أدونيس الذي كان وفق الأسطورة القديمة نصف إله وكان النصف الآخر بشراً، وهي تحمل في الوقت نفسه طفلا صغيرا، ما يشير ـ بحسب الرمحي ـ إلى دورة الحياة وأنه على الرغم من كل ما يمر علينا من محن ومآسٍ، فلابد أن تبدأ حياة جديدة. وعن نسبية مفهوم الجمال وإحساسنا الفطري به، قدم لوحة «السقوط» التي جسدت شخصا يسقط من ارتفاع إلى فراغ يمتلئ بالألوان الزاهية التي تبعث الفرح، في إشارة إلى أن السقوط ليس دائما سلبيا، فقد يكون إيجابيا مثل السقوط في الحب أو في حياة جديدة واكتشاف عوالم لم تسبق للإنسان معرفتها . وبالتالي، يمكننا أن نجد في مختلف أمور الحياة جانبا سلبيا وآخر إيجابيا، وعلينا أن نحدد إلى أيهما ننحاز.
حالات وخامات
وصنف الفنان إحسان الخطيب لوحاته في المعرض تحت أسلوب «التعبير التجريدي»، ويعبر فيها عن تلقائية العمل وقدرة الفنان على الإمساك بـ«الحالة الفنية» وتجسيدها بكل ما فيها من تلقائية وجمال، تاركا المجال أمام ألوانه لتنساب بحرية على فضاء اللوحة، كحركة المد والجزر، لافتا إلى أنه ليس فنانا حروفيا وإنما في هذه الأعمال بالذات كان لابد من استخدام جمالية الحرف العربي لتبرير الغاية، ولتعبر «ما شاء الله ولا قوة إلا بالله» في اللوحات عن النهضة العمرانية العملاقة التي امتدت في كل إمارات الدولة».
وتحت عنوان «الصمت»، واصل الفنان طلال المعلا بحثه الذي استمر عبر معارضه السابقة في وجوه الناس وملامحهم، وما تخبئه هذه الملامح أو تشف عنه من خبايا وأفكار ومشاعر، فالوجه يمثل تجربة كاملة في أعمال معلا .
و اتجه الفنان أحمد حيلوز في الأعمال التي شارك بها في المعرض إلى تطويع خامة مغايرة لتنطق بجماليات الفن والمدمجة في ثنايا الحياة اليومية، وهي الألواح المعدنية المستخدمة في طباعة الصحف، والتي عمل عليها بخامات مختلفة مثل الأحبار والعجائن وغيرها، من دون أن يسعى إلى إخفاء النصوص الأصلية التي حملتها الألواح، بما تتضمنه من أخبار سارة ومحزنة وأحداث تشكل محور ملامح الحياة اليومية للإنسان.