أوجاع العراق «بين النحت والشعر»

أعمال المعرض طوّعت الخزف والبرونز شعرياً. تصوير: إيريك أرازاس

«بين النحت والشعر» عنوان المعرض الذي جمع الفنانين العراقيين، أوس عبدالمنعم ومعتصم الكبيسي، اللذين عمدا فيه إلى تطويع الخزف والبرونز، كما يطوع الشاعر كلماته للتعبير عن آلام وهموم الوطن والإنسان، فكانت معاناة العراق وأهله حاضره بوضوح في أعمالهما التي تميزت بقدر كبير من الاحترافية والجمال.

وقال أوس عبدالمنعم لـ«الإمارات اليوم» أنه يعتبر أن الحروب والحرمان والمعاناة غالباً ما تمثل دوافع للفنان أن يقدم إبداعاً متميزاً يستلهم فيه كل ما يحيط به من ظروف وأحوال، وأن «ما حملته السنوات الماضية في العراق من حصار وحرب واحتلال أوجدت في داخل الفنان العراقي رغبة قوية للتأكيد أمام العالم على أنه مازال موجوداً وقادراً على الإبداع، على الرغم من كل ما يمر به ويعانيه».

ذاكرة الروح

وقدم عبدالمنعم في المعرض الذي افتتح، أول من أمس، في قاعة قباب في أبوظبي، أعمالا لافتة، منها كرسي متهالك ومن أسفله أسماك نافقة أو تصارع الموت . وأيضا حقيبة سفر ألصق عليها طلب لجوء، في إشارة إلى أوضاع المواطن العراقي الذي أصبح لاجئاً في مختلف أنحاء العالم، وغيرهما من الأعمال المتنوعة.

وتتضمن مشاركة أوس عبد المنعم 26 قطعة خزفية، تحمل روح العراق من خلال موضوعات اختزنتها ذاكرته عن الوطن، وأشخاصا أثروا فيه وفي تكوينه. وقال «استخدمت في أعمالي الأسلوب التعبيري، لأعبر من خلال هذه الأعمال عما انطبع في ذاكرتي طوال 10 سنوات، هي فترة الحصار وقيام الحرب الأخيرة على العراق التي شهدت متغيرات سياسية كثيرة على الساحة العراقية، وهي المشاهدات التي ألهمتني موضوعات عديدة ظلت تتفاعل في داخلي . وأعتقد أنني نجحت في التعبير عنها في الأعمال الخزفية التي أطلقت عليها «ذاكرة الروح».

وعن ثيمات وأشكال ظهرت وتكررت في أعماله، مثل الأسماك؛ أوضح أن الفنان يميل في أحيان كثيرة إلى استخدام الرمز للتعبير عن أفكار أو أشياء معينة في أعماله، وهذا ما عمد إليه في بعض أعماله في المعرض، مثل الأسماك التي قصد بها الإشارة إلى أشخاص . كما أن رموزاً أخرى استخدمها لتعطي دلالات عن مواقف صادفها في الحياة، وارتأى تقديمها بالرمز، ما يزيد من قيمتها وجمالياتها الفنية، فالمباشرة الشديدة في الفن تفقد العمل الكثير من جمالياته، بحسب تعبيره .

ألوان معدنية وزجاجية

وعن الألوان الزاهية والصريحة التي تميزت بها أعماله، على الرغم من المعاناة التي تبرزها، أشار عبد المنعم إلى سعيه في أعماله إلى أن يصل بالخزف إلى مراحل فنية متقدمة، «وهو هم موجود بشكل دائم في داخلي»، لافتاً إلى أن «كثرة الألوان وتمازجها قد تكون غريبة عن الخزف في الوقت الجاري، خصوصاً أنني أستخدم في جميع القطع تقريباً الألوان المعدنية، كالذهب والبلاتين، إلى جانب الألوان الزجاجية الاعتيادية، وهي تتطلب مراحل عدة في التنفيذ قد تصل إلى معالجة القطعة أكثر من أربع مرات، وتحتاج إلى استخدام عدة أفران للحصول على الشكل المطلوب الذي يجعلها قريبة إلى البصر والمتلقي. وبذلك، تتضمن عملية تنفيذ هذه الأعمال ثلاثة فنون تشكيلية مختلفة، هي النحت والخزف والرسم للحصول على العمل الفني الذي أطمح إليه ويرضيني».

رموز ودلالات

وقدم الفنان معتصم الكبيسي ما يقرب من 21 منحوتة، استخدم البرونز في تنفيذها، عمد فيها إلى تجسيد معاناة العراق في فترة ما قبل دخول قوات الاحتلال إليه وما بعدها، معتمداً على رموز ودلالات تقود المتلقي إلى فتح أبواب التأويل، بعيداً عن التلقي السهل الذي يقدم كل المعلومات للمشاهد بوضوح ومباشرة. وقال «يصعب التعامل مع العمل الفني باعتباره قصة على الفنان أن يقصها على الجمهور. ولكن، عليه أن يقدم رموزاً ذات معنى تحفز المشاهد لتأويل العمل، مستنيراً بهذه الرموز وأيضاً بالخلفية التي يستند إليها الفنان من حيث الزمان والمكان، والبيئة التي نشأ فيها، والمجتمع الذي يعيش فيه، وما يشهده هذا المجتمع من واقع يومي». وتضمنت أعمال الكبيسي منحوتات لرجال بلا رؤوس، وآخرين يخفون وجوههم خلف أقنعة، وهي أقنعة ترمز ـ كما أوضح ـ للوجوه المتعددة التي قد يضطر الإنسان لارتدائها في اليوم الواحد. وقد تكون إشارة إلى أن بعضهم يعيشون حياتهم خلف أقنعة تخفي ما يقومون به من أدوار وأفعال بعيداً عن الضوء، بينما تعبر المجسمات التي بلا رأس عن أن العقل لم يعد مرغوباً في هذا الزمان.

تويتر