الطيران شيء وركوب الطائرة أمر آخر

الحديث عن التكثيف في فيلم قصير ووفق إملاءات «الأنيماشن» سيضعنا على الفور أمام فكرة كبيرة أو صغيرة مقدمة أمامنا على نحو خاطف وفي استجابة لمتطلبات القول ربما، ووفق بنيتها التي قد تقول لنا ماذا عن الشخصيات التي اخترعتها السينما أليس الضوء والحركة وغيرها من عناصر ستكون عناصرها الحية في الخيال؟ ماذا عن ما يمسي عليه الإنسان إن أمضى حياته كاملة بين أربعة جدران في زنزانة لا تتجاوز بضعة أمتار لا تعد على أصابع اليد الواحدة؟ ماذا أيضاً عن حلم الطيران الذي لم يفارق الإنسان على الرغم من كل تلك الطائرات التي تحتل السماء بكل زرقتها وتحولها إلى معبر جوي لها؟ وسؤل آخر لكنه تحت إملاءات خيال خاص يقدم لنا حياة شخص يصبح بعيداً عن الأشياء المحيطة به 91 سنتيمتراً.

هكذا أسئلة مشروعة ستجد ما يحرضها في أفلام «تحريك» قصيرة قدمت في الدورة الثانية من مهرجان الخليج وعلى شيء من الاستثمار بهذا الفن القادر على حمل أعمق الأفكار وأتفهها في آن معاً، ويحتمل من الجماليات ما قد يجعلنا نستمتع أحياناً فقط بالتكوين البصري للشخوص وتكويناتها وما إلى هنالك.

في فيلم الفرنسي جيرمي كلابين «سكيزين» ما يجعل من المخيلة انطلاقاً نحو فكرة مدهشة حقيقة، ولها أن تكون محط غواية لتقديمها على نحو لافت، فنحن أمام شخص يعاني معاناة خاصة بعد ارتطام مذنب بالأرض على مقربة من بيته، حيث يصير سابقاً لنفسه بـ 91 سنتيمتراً، بمعنى أنه حين يجيب على الهاتف فإنه يقف بعيداً عنه تلك المسافة ويرفع السماعة عن بعد 91 سنتيمتراً ويتكلم، كذلك الأمر في كل شيء: في الحمام حيث يقف على المسافة نفسها من المغسلة ويقوم بغسل وجهـه، والسيارة التـي يقودها وهو جالس بعيداً عن مقعد المقود 91 سنتيمتراً، حيث يكون عملياً خارج السيارة.

أثر الفضاء على الإنسان وإبعاده عن الأشياء بمساحة افتراضية لها أن تتحول إلى واقعية في فيلمنا، ستكون على شيء من السينما، حيث تخلق شخصيات تصبح حاضرة وراسخة من دون أن تكون إلا مجسمات تستجيب للحركة والإضاءة، كما هي الحال في فيلم عادل بن عبدالله «ستوب مو» الذي يضيء كيف لوقوع مكتشفة في استديو أن يضعها في مواجهات مع الديناصورات، وكيف ستساعد كينغ كونغ الذي يكون على صراع مع تلك الكائنات الأسطورية، الأمر بمنتهى البساطة يمكن إيقاف آلة التحريك، أو الاستعانة بالإضاءة، وعلى شيء سيرينا في النهاية حقيقة تلك الكائنات وأسطورتها التي لا حيز لها إلا الاستديو.

وفي سياق ربما قريب بعض الشيء يحضر حلم الطيران في فيلم الفرنسية أورلين مارتينو «ريح»، حيث سنكون أمام رجل مهووس بالطائرات الورقية، وللمفارقـة فإنه يمارس هوسـه بها على سطح حاملة طائرات، وليقوم بالنهايـة بالطيران بالإمساك بخيوط الطائرات الورقية غير آبه بكل تلك الطائرات الحربية التي حوله، كما لتقول أورلين أن حلم الإنسان بالطيران شيء وركوب الطائرة شيء آخر.

بينما سنجد في فيلم التايلاندي ناتابول نارك «ضحية» عالماً كاملاً من نسج مخيلة إنسان محجوز في زنزانة، وعلى شيء يقول لنا إنه أمضى كل حياته في داخلها، وليكون الفيلم مفتوحاً على مصراعيه أمام خيالات وتهيؤات لا تنتهي، وصولاً إلى موته الذي سيكون فسحة حريته الوحيدة.    

تويتر