من فيلم «عماء» حيث البشر لا يرون إلا اللون الأبيض.

أنفلونزا الخنازير والخيال العلمي

نعيش هذه الأيام أجواء فيلم خيال علمي، ولعل نشرات الأخبار ستتيح لنا معايشة الفيلم يومياً، ونحن نرى البشر والأقنعة لا تفارقهم خوفاً من وباء انفلونزا الخنازير، مضافاً إلى ذلك نداء رئيس المكسيك لشعبه بملازمة بيوتهم لثلاثة أيام، الأمر الذي أحال العاصمة المكسيكية إلى مدينة أشباح . هذا الأمر يتطور يومياً من دون تجاهل المخاوف الحقيقية، والتي لها في النهاية أن تكون تجسيداً واقعياً لعدد هائل من الأفلام التي تخيلت فناءً يطال البشرية من جراء وباء فتاك، مع مواربة الباب على أمل يجسده أحدهم له أن يكون بطل الفيلم في إيجاد مخرج أو عقار أو أي شيء يوقف الكارثة.

ولعل أقرب تلك الأفلام فيلم «عماء» لفرناندو ميراليس، المأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه للروائي البرتغالي خوسيه ساراماغو، حيث تصاب البشرية بمرض يحيل كل البشر إلى عميان يرون اللون الأبيض، وعلى ما يشبه ذلك يمضي بنا فيلم ألفونسو كوران «أطفال الإنسان»، حيث يصاب سكان لندن بالعقم ويختفي الأطفال تماماً منها، مع تقديمه انقسام المجتمع الانجليزي إلى أصليين ومهاجرين والذين يوضعون في معسكرات اعتقال.

وتأتي أفلام أخرى من باب التشويق والإثارة بالمزيد من الخيال الجامح، مثلما الحال مع فيلم ويل سميث «أنا أسطورة»، أو سلسلة «بعد ثمانية أسابيع»، وما إلى هناك من أفلام تجد أن البشر أصيبوا بفيروس فتاك يحولهم إلى وحوش، وغير ذلك مما يصلح أن يقدم الفناء من زوايا متعددة تغدو فيها البشرية منقرضة.

لا يخفى على أحد بأن للخيال منابعه ومنطلقاته الواقعية، ولعل وباء يحمله الهواء لن تنجح في مقاومته الأقنعة، وأحياناً الكلمات أو السمع، بمعنى أن ما يصل إلى أذنيك سيكون كفيلاً بقتلك، وهذه الفكرة ليست من عندي، لكنها من رواية للأميركي تشاك بولانيك بعنوان Lullab (هدهدة)، تحمل فكرة خيالية متعلقة بانتشار مرض ينتقل عبر السمع، وإليكم هذه الترجمة لمقطع منها:

«تخيل طاعوناً يصيبك من خلال أذنيك. العصي والحجارة ستكسر عظامك، لكن بمقدور الكلمات الآن أن تقتل أيضاً. الموت الجديد. هذا الطاعون يأتي من أي مكان. أغنية. إعلان. نشرة أخبار. موعظة. عازف موسيقي في الطريق. يمكنك التقاط الموت من مسوّق عبر الهاتف. معلم. ملف إنترنت. هدية عيد ميلاد. ملايين الناس يشاهدون برنامجاً تلفزيونياً، ثم يموتون في الصباح التالي بسبب أغنية في إعلان. تخيل العصر الأسود الجديد. وسائل الاكتشاف والتجارة تستقدم أول الطواعين من الصين إلى أوروبا. لدينا مع وسائل الإعلام طرق عدة لنقله».

واستكمالاً لخيال بولانيك، فإنه يصور حالة الهلع التي تصيب البشر واتلافها لكل الوسائل السمعية والبصرية والكمبيوترات وغير ذلك، وعلى شيء يشبه ذبح الخنازير مثلاً في مصر، أو ملايين الدواجن التي أبيدت مع أنفلونزا الطيور، وقبل ذلك مجازر البقر، خوفاً من «جنون البقر» في بريطانيا بلد المنشأ.

وفي جانب آخر، وعلى شيء من الواقعية المحضة، يمكن الخروج بما يحدث حالياً على سطح الكرة الأرضية، بسيناريو فيلم واقعي حقاً، لا بل له أن يكون مشوقاً في البحث عن أسباب «أنفلونزا الخنازير»، واكتشاف مثلاً حفنة من الأشرار الذين يقفون خلف اطلاقه كما عادة الأفلام الأميركية، أو ربما شركة دوائية عابرة للقارات تطمح لزيادة مبيعاتها من أدوية الأنفلونزا أو الأقنعة، بما يشبه فيلم «البستاني المخلص» الذي تجرب فيه شركات دوائية لقاحاتها على الأطفال الأفارقة. ويمكن للقارئ أن يتخيل السيناريو الذي يرغب لأن ما يحدث صالح للسينما والخيال بامتياز، ولعل الإيمان بأنه ما من شيء مجاني وبريء على سطح هذا الكوكب، سيضعنا في مواجهة أسئلة كبيرة وواقعية بامتياز، لن يكون الخيال إلا إجابة تحمل الكثير من الحقائق.

وفي مقاربة أخرى للحاصل في هذا الكون، سيتيح لنا أيضاً أن نصنع فيلماً تمتزج فيه القرون الوسطى بالقرن الحديث، بإيراد كلمة قراصنة وقرصنة، والسفن المخطوفة يومياً وتلك الناجية بنفسها قريباً من الصومال، بحيث نصبح حيال القراصنة وإلى جانبهم أيضاً وباء لا نعرف إلى الآن حقيقته ومدى المخاطر المقبلة، بمعنى أن وباء إضافة إلى قرصنة إضافة الى أمور مجهولة أخرى لها أن تعيدنا إلى القرون الوسطى.

الأكثر مشاركة