الأعظمي يحيي المقام العراقي في أبــوظبي
لليوم السابع واصل مهرجان «أنغام من الشرق» احتفاءه بألوان التراث الموسيقي الأصيل في العالم العربي، التي شكلت على مدى سنوات طويلة ذاكرة ووجدان الإنسان العربي من المشرق إلى المغرب، ليكون المهرجان الذي تنظمه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بمثابة دليل حي على التنوع والثراء الكبير الذي يتميز به التراث الموسيقي العربي، حيث جاءت أمسية مساء أول من أمس، محملة بنغمات بلاد الرافدين وبعراقة المقام العراقي الشهير، الذي تغنى به الفنان حسين الأعظمي أو «سفير المقام العراقي» كما يطلق عليه.
بغداد قبل ظهوره على خشبة المسرح؛ داعب الفنان حسين الأعظمي مقدمة الحفل مذيعة قناة أبوظبي بغداد أحمد، معلقاً على اسمها بقوله «ما شاء الله إنتي اخترقتينا تماماً». |
بداية الحفل كانت مفاجأة للجمهور الذي فوجئ بدخول ثلاثة عازفين من الفرقة الموسيقية من باب المسرح وهم يعزفون موسيقى فولكلورية، في ما يشبه «الزفة»، والتي تفاعل معها الجميع بالتصفيق والوقوف، كما صاحبتها «زغاريد» بعض الحاضرات، وفي بداية ظهوره على المسرح توجه الأعظمي بالشكر «إلى هيئة أبوظبي للثقافة والتراث على جهودها في تنظيم المهرجان، الذي يعد فكرة رائدة في مجال أرشفة وتوثيق الغناء العربي بكل أنطولوجياته».
كما حرص على تقديم أفراد الفرقة الموسيقية للجمهور، والتي يرأسها عازف العود صفوت الصباغ، وتضم كلاً من وليد حسن على الناي، وعلاء السماوي على القانون، وخالد محمد علي ورافد عبداللطيف على الكمان، وإدوارد على التشيللو، وعبدالكريم هرمود وعلي إسماعيل جاسم على الإيقاع، وأديب محمد شاكر على الطبلة، كما أشار إلى عازف السنطور وسام أيوب والموسيقار وعازف الجوزة حسين كمر اللذين جلسا إلى يمنيه ويساره، واصفاً إياهما «بأهــل المقام»، إشارة إلى ارتباطهما بهذا النوع الغنائي الأصيل.
أمل المقام
بعد ذلك تنقل الأعظمي بالجمهور الكبير الذي ملأ مسرح الظفرة بالمجمع الثقافي، وانتمت غالبيته إلى الجالية العراقية في الدولة، بين المقامات المختلفة التي أداها بصوت قوي بقدر عذوبته، فقدم من مقام «البنجاكاه» موال وأغنية «الليلة حلوة»، ثم موال وأغنية «قهوتك عزاوي»، وهي من الأغنيات الشهيرة، والتي تجاوب معها الجمهور بحفاوة وانسجام، وموال وأغنية «في غرامه سودنني»، ومن مقام «نهاوند» قدم قصيدة من عيون الشعر اتبعها بأغنية «يالزارعين بذر انكوش»، ليعرج إلى مقام «الوجزازي» مشيراً إلى أن هذا المقام غناه مطرب الأجيال محمد القبنجي، والذي يعتبره الأعظمي من المحطات المؤثرة في حياته، حيث سانده عندما استمع إليه وهو يؤدي أحد المقامات فأعجب به، وتوقع أن يكون «أمل المقام العراقي».
ويعود حسين الأعظمي إلى أسرة ارتبطت بالمقامات العراقية لسنوات ؛ وهو ما أشار إليه «أنا من أسرة تؤدي المقام في الشعائر الدينية أباً عن جد، ولكن دون احتراف، ولذا كان اتجاهي للمقام العراقي عفوياً نتيجة لتأثري بالبيئة التي نشأت بها وبعائلتي، ولم يكن اختباراً عقلياً، ومن هنا اعتبر أن التراث يُمتلك ولا يُعطى، ويعتمد على الإحساس لا التعليم، ومع الوقت أدركت أن المقام العراقي سيكون مصير حياتي، وبعد أن كان أول جمهور لي هو عائلتي وأهلي، توسع ليشمل الأصدقاء، حتى بدأت أغني وأكتشف أن لي صوتاً جميلاً، ولهذا حظيت بتشجيعهم على الدوام».
يحلم بالعراق
وعن المواصفات التي يجب أن يتحلى بها من يؤدي المقام، يرى الأعظمي الذي يقيم في الأردن ويحلم بالعودة إلى وطنه العراق، وأن ينعم الله على العراق وأهله بالسلام والأمان لأنه أرض الحضارات والأنبياء، أن من أبرز هذه الصفات امتلاك التعابير الفنية البيئية الحقيقية، والقدرة على غناء الملمح التراثي، وهي صفة لا يمكن تعلمها، لأن قارئ المقام لا بد وأن يكون تربى في بيئة يتوافر فيها أداء المقام بشكل دائم، بالإضافة إلى امتلاك صوت قوي، ذي طاقة كبيرة يمتد لمساحة جيدة من القرارات والجوابات في آن معاً، وارتباط ذلك بحب للتراث العربي والبحث عن مكنونات الأدب والشعر، مشيراً إلى أن المقام يحتاج إلى صوت رجل قوي وخشن، لكن تقديمه بصوت المرأة يمثل نوعاً من التغيير والتنوع المفيد، حيث إن إدخال الرقة في التعبير أمر جيد».
لافتاً إلى أنه أصدر خلال السنوات الماضية كتاباً بعنوان «المقام العراقي بأصوات النساء». يذكر أن حسين الأعظمي ينحدر من مدرسة رائد المقام العراقي المطرب الكبير الراحل ناظم الغزالي، وغنى المقام العراقي في محاولة منه للحفاظ على هذا التراث الفني العربي العريق، كما تولى العديد من المناصب الأكاديمية والفنية وغيرها، منها: مدير ومطرب المقام العراقي في فرقة التراث الموسيقي العراقي، ومدرساً للمقام العراقي والموسيقى في المعهد الموسيقي ببغداد، ومديراً لبيت المقام العراقي وأمين سر اللجنة الوطنية العراقي للموسيقيين، وعضواً في جمعية الملحنين والمؤلفين الفرنسية.
وغنى الأعظمي المقام العراقي في أكثر من سبعين بلداً، ونال العديد من الأوسمة والجوائز والشهادات التقديرية، منها جائزة الإبداع الكبرى في العراق عام 1999 ومنحته وزارة الثقافة العراقية لقب (سفير المقام العراقي) عام .2003 كما نال جائزة (الماستربيس Masterpiece) العالمية من منظمة اليونسكو عام 2003 عن بحوثه وغنائه وتحليله في المقام العراقي. له مجموعة من المؤلفات العلمية في الموسيقى والغناء، كما تم إدراج اسمه في موسوعة أعلام القرن العشرين في العراق.