السينما والرواية.. قصة حب معــــــلن
لم يعلن غابرييل غارسيا ماركيز توبته من السينما بعد تحول روايته «الحب في زمن الكوليرا» إلى فيلم أقل من عادي على يد المخرج الإنجليزي مايك نويل والسيناريست رونالد هارود، حيث كان الفيلم تأكيداً على قيمة العمل الأدبية، العرضة لفضيحة ميلودرامية متى انتقل إلى الشاشة الكبيرة، وكان التعامل معه لا يتعدى تقليب صفحات الرواية.
الآن جاء دور «عن الحب وشياطين أخرى» الرواية الأصلح بالتأكيد للتحول إلى فيلم، وبعيداً عن هوليوود هذه المرة، لكن بإنتاج كولومبي، وعلى يد المخرجة هيلدا هيدلغو في تجربتها السينمائية الروائية الأولى.
ماركيز الذي رفض مراراً عروض انطوني كوين شراء حقوق «مائة عام من العزلة» عازياً ذلك إلى أنه لا يريد له أن يكون العقيد أورليانو وأن تحتل صورته أغلفة طبعاتها، كما كانت حال كوين مع «زوربا»، يدفعنا إلى ملاحقة هذه الحقيقة على أرفف المكتبات حول العالم، حيث لن تعثر على نسخة من رواية «القارئ» للروائي الألماني برينهارت شلينك إلا وصورة كيت وينلست تحتل الغلاف، على الرغم من كون رواية شلينك حققت مبيعات هائلة حول العالم قبل اقتباسها للسينما وحصول وينسلت على أوسكار أفضل ممثلة عن تجسيدها شخصية هانا.
استعارة تافهة
وينسلت ستكون حاضرة مرة أخرى على غلاف رواية أخرى لكن هذه المرة برفقة ليوناردو دي كابريو، إنها «
طريق ثوري» رواية الأميركي ريتشارد يتس (1926 -1992) الوحيدة التي كتبها تحت وطأة طلب ناشره منه أن يكف عن كتابة القصة القصيرة، وها قد حولها سام منديس إلى فيلم. ستكون الأمثلة بلا نهاية، سيتغير عنوان رواية الدبلوماسي الهندي فيكاس سوارب رُّء «سؤال وجواب» وتمس Slumdog Millionaire وغلاف الرواية مماثل تماماً لملصق الفيلم الذي حصد تسع أوسكارات، فيلم سيقول عنه سلمان رشدي «إنه استعارة تافهة »، مضيفاً في مقال موسع في «الغارديان» بأن الفيلم يتماشى مع التغيرات التي طرأت على السياحة الغربية في الهند، وأن الأحياء الفقيرة تشكل بديلاً عن «تقديم علاقة حب بين امرأة شقراء ومهراجا هندي». أعمال رشدي الأدبية بقيت بعيدة عن السينما، ولعل إعلان المخرجة الهندية الكندية ديبا مهتا في نوفمبر 2008 عن اتفاقها مع رشدي على تصوير «أطفال منتصف الليل» سرعان ما ألغي إثر خلافات بينها وبين رشدي، مع احتفاظ الأخير بعلاقة استثنائية بالسينما ورغبته بأن يكون هامفري بوغارت وحديثه عن فيلم مأخوذ عن قصة قصيرة له تلعب فيه زوجته الممثلة بادما لكشمي دور البطولة، طالما أنه يروي قصة حب بين كاتب وممثلة تصغره بالعمر. انتاجات العام الماضي ستقودنا إلى سكوت فيتزغرالد وتجسيد قصته «الحالة العجيبة لبنجامين باتون» مع تعديلات كبيرة على تلك القصة المصورة التي ستعثر عليها في المكتبات وقد أعيدت إليها الحياة مجدداً بعد فيلم ديفيد فينشر الأخير.
سنة روائية
قسم أساسي صار يعرف Film In ستجده حاضراً في أغلب المكتبات حول العالم، إنه خاص بالروايات التي حُولت إلى أفلام، ولعل الاكتشافات ستكون مدهشة، والقول إن العام الماضي كان سنة روائية بامتياز على صعيد ترشيحات الأوسكار، لن يغير الحقيقة الصارخة دائماً بعمق العلاقة بين الرواية والسينما، والتناغم الحاصل عالمياً بين أرقام مبيعات الرواية وانتقالها إلى الشاشة الكبيرة، والأرباح المتبادلة بين صناعة الكتّاب والفيلم، إضافة لقدرة السينما العجيبة على تحويل روايات رديئة إلى أفلام عظيمة والعكس صحيح، الأمر الذي انعكس على أسلوب كتابة الرواية نفسها وتقنياتها، والمؤلف الذي يكتب وعينه على الفيلم. جديد اقتباسات السينما للروايات حول العالم يأتي هذه المرة على يد المخرج البرازيلي والتر سالس صاحب «مفكرة دراجة نارية» والرواية التي ينوي تقديمها هذا العام هي «على الطريق» أشهر أعمال جاك كيرواك وأنجيل جيل «البيت» الأميركي وليكون سالس على موعد مع «فيلم طريق» ثانٍ، كما هي الحال مع تشي غيفارا في «مفكرة».
تحالفات السينما
فيلم Choke «غصة» الذي عرض في الدورة الأخيرة من «ساندس» سيعيد إلى الشاشة الكبيرة أدب تشاك بولانيك، بعد النجاح الاستثنائي الذي حققه فيلم «نادي القتال» المأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه لبولانيك، لكن مع التأكيد على أن ما سيحمله «غصة» الذي أخرجه كلارك غريغ في أول تجربة إخراجية له، لن يكون بوقع فيلم فينشر، وستكون الفكاهة على أشدها ونحن نتعقب أحزان واحباطات فيكتور المهووس جنسياً بحيث تحتل خيالاته ثلث الفيلم. تحالفات السينما التجارية مع الروايات حاضرة دائمة، لا بل إنها تمضي جنبا إلى جنب كما حصل مع فيلم Hanniba Rising الفاشل، الذي أطلق رصاصة الرحمة على هانيبال، حيث تم توقيت عرض الفيلم مع موعد نشر الرواية التي كتبها توماس هاريس صانع شخصية السفاح الشهيرة، وليكون في هذا الجزء الرابع من السلسلة منتج الفيلم أيضاً، ما يدفعنا لاستحضار ستيفن كينغ الذي أصدر في العامين الماضين أربع روايات وجدت جميعها طريقها إلى السينما وسنشاهد ثلاثة منها هذا العام، على اعتبار الطلب على ما يعرف بـ Thriller Mystery على أشده وكون هذه الأنماط الكتابية تشكل الرافد الرئيس لهوليوود في الإثارة والتشويق والرعب.
غواية دائمة
الحديث عن الأعمال الأدبية العظيمة سيجعلها غواية دائمة للمخرجين حول العالم، وهوساً يترافق بتحدٍ إيداعي خاص له أن يحضر مثلاً في ما قدمه بازوليني في ثلاثيته الرائعة «الديكاميرون، ألف ليلة وليلة، وحكايا كونتربيري» ويستدعي مخرجين كانت أغلب أعمالهم مأخوذة عن أعمال أدبية مثلما الحال مع جوزيف سترايك الذي تجرأ وقدم رواية جميس جويس «أوليسيز» في فيلم عام 1967 وأتبعها بـ «صورة الفنان في شبابه» ومن ثم قدم رواية هنري ميلر الشهيرة «مدار السرطان».