«عـدن في الغرب».. أوديسة المهاجـر وجنته
القوارب المحملة بالمهاجرين تكاد لا تفارق نشرات الأخبار، مقتل من كان على متنها والقضاء غرقاً، إلقاء القبض عليهم، ووصول من وصل إلى شواطئ أوروبا وأميركا مع مصائر غامضة وغائمة، وللنجاة أن تكون وعدا بجنة ما غالباً ما تكون جحيماً، خصوصاً مع قوانين الهجرة المتجددة دائماً نحو نزع الصفات الإنسانية عنها كلما تفاقمت قضية المهاجرين غير الشرعيين.
مقدمة صالحة تماماً لمقاربة جديد المخرج اليوناني ـ الفرنسي كوستا غافراس «جنة عدن في الغرب» إن صحت الترجمة لعنوان له أن يكون تحويراً لفيلم إيليا كازان «شرق عدن» المأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه لجون شتاينبك عام 1955 ،ولعله أي عنوان فيلم كافراس يقول الكثير في ما يخص الفيلم نفسه، وعلى شيء من المفارقة والسخرية من الجنة التي يبحث عنها المهاجر في الغرب، والتي ستكون أي الجنة بانتظار مهاجر يصل شواطئ اليونان المهاجر من دون جنسية محددة - ويضع رحاله في منتجع اسمه «منتجع عدن» حيث يكون أول الأمر على شاطئ عراة، وللهرب من الشرطة التي تبحث عنه يقوم بالتعري والاختلاط برواد المنتجع، وهكذا ينجح بالهرب لكن مؤقتاً، ونحن نرى الشرطة موجودة في كل مكان وفي بحث متواصل عن المتسللين.
يقدم غافراس فيلمه بوصفه «أدويسة المهاجر» بمعنى أن إلياس (الممثل الإيطالي ريكاردو سكاماريتشو) الذي يتسلل إلى أوروبا في رحلة معاكسة للتي قام بها أوليسيس وهو يعود إلى دياره، بينما يكون إلياس هارباً من بلده باتجاه المجهول، وليمضي الفيلم في ملاحقة ما يتعرض إليه بوصفه وعلى شيء من المفارقة ملحمة هربه المتواصل، والذي يبدأ من محاولاته الخروج من المنتجع، والذي يعمل فيه حمالاً في يوم، وينام في الحدائق، ثم تأخذه امرأة خمسينية مقدمة له ملجأ مؤقتاً في الشاليه الذي تستأجره، وعش غرام يبادلها إياه إلياس مقابل ذلك، كما يلتقي ساحراً، يعطيه بطاقته ويقول له ان يلحقه إلى باريس وتحديداً في «التوليدو»، وعليه نجده يهرب من المرأة ويسرق منها بعض المال الذي يضع مكانه خاتمه، لا بل إنها تراه يسرقها لكنها تتجاهل الأمر، وليجد في قارب شراعي صغير وسيلته الوحيدة للهرب من المنتجع المحصن، وليراه أيضاً مدير الفندق ويتغاضى عنه كون الأخير مثلي وقد كان معجباً به، وهكذا نتابع رحلته والمصادفات الكثيرة في طريقه الطويلة إلى باريس، وكيف يستقبله الفلاحون، ومن ثم عمله هنا وهناك، ومساعدة العمال غير الشرعيين له، وكل من ينتمي إلى الطبقات الدنيا كما هي الحال في باريس وهو مطارد دائماً من الشرطة، وعلى شيء من المغامرات المتصلة التي لا يتوقف فيها لالتقاط أنفاسه وعلى تتابع متواصل، كما لو أنه في سباق للمسافات الطويلة والحواجز وكل أنواع السباقات التي عليه من خلالها أن يصل باريس ويقع على ذلك الساحر الذي يشكل خلاصه.
الفيلم سيكون حافلاً بالأحداث والانعطافات، وله في النهاية أن يصل نهاية رمزية ومفتوحة، ولها أن تحتمل تأويلات عدة: فإلياس يعثر في النهاية على الساحر، والذي يقابله ببرود ولا يتذكر من يكون، لكنه يعطيه عصا تشبه العصا السحرية، يفتحها ويوجهها إلى برج إيفل البعيد الذي يتلألأ كاستجابة للعصا، بينما يقف بعيداً عنه وعلى يمينه رجال شرطة مدججون بالسلاح، وعلى الرغم من ذلك يمشي باتجاه ايفل البعيد.
هذه النهاية محط تفكير وإعادة تفكير، لها أن تتراوح بين الأمل أو السراب، وغير ذلك، ويبقى السؤال: هل يمكن أن يكون إيفل أملاً جديداً مثلما كان عليه الساحر، والشرطة واقع لا يجب الاستسلام له؟ لا بل إن الفيلم مدعاة للوقوف عنده ووضعه في سياق منجز غافراس السينمائي، مع اختبار ما وصلت إليه آراؤه اليسارية المعروفة، هو صاحب «حنا كاف» و«زد» وغيرهما من أفلام حفرت عميقاً في الذاكرة، ولعل فيلمه «الساطور» 2005 السابق عن «جنة عدن في الغرب» يضيء مقاربة أخرى لعالمنا المعاصر له أن تكون باختزال الإنسان بسيرته الذاتية أي الـ«سي في».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news