عازف «العاشــــقين»: رفضنا الاستمرار لغير فلسطــين فانتهت الفرقة

خالد هباش عزف مع «العاشقين» على مجوز فلسطيني عمره 250 عاماً. تصوير: أشرف العمرة

يعتبر العازف الفلسطيني خالد هباش أحد «العاشقين» الذين قدموا فناً مقاوماً مازال في ذاكرة كثيرين، وشاهداً على تاريخ فرقة كانت سفيراً للأغنية الفلسطينية، ومعايشاً عن قرب لمرحلة الشتات التي فرقت «العاشقين»، بعد أن خلدت بالفن جزءاً من الصمود الفلسطيني في السبعينات والثمانينات، نتيجة للانقسام السياسي الذي أسكت صوتاً عوّل عليه كثيرون.

وحمل هباش مسؤولية تفكك الفرقة إلى الانشقاق الداخلي في الساحة الفلسطينية حينها، مشيراً إلى أنهم جعلوه يستبدل آلة المجوز الفلسطيني الذي كان يعزف عليه مع «العاشقين» بختم مكتوب عليه كلمة إلغاء، على الرغم من أن الرئيس الفلسطيني الراحل أبو عمار لقبه بـ«ابي الاثنين»، حيث كان يعزف على القانون، وعلى مجوز عمره أكثر 150 عاماً حصل عليه من مركز التراث الفلسطيني.

محاولة إحياء

تأسست فرقة أغاني العاشقين الفلسطينية في السبيعنات، واستطاعت أن تؤكد مكانتها، حيث أصبحت نقطة انطلاق الأغنية الوطنية الفلسطينية وسفيرها حول العالم، قدمت حفلات في مهرجانات دولية عدة حول العالم في أوروبا وأميركا واليابان وفنلندا وجميع الدول العربية. ومن أهم الحفلات في المدن العربية، كانت حفلة مدرج بصرى في سورية، حيث كان عدد الجمهور يقدر حينها بأكثر من 60 ألفاً، وكانت لها خصوصية، حيث أقيم في عمان التي كانت تعتبر حلماً بالنسبة ل «العاشقين» بسبب التوترات السياسية ، إلا أن المدرج الروماني استطاع أن يوحد الصفوف في عشق «العاشقين» في ،1989 وتعتبر تلك الحفلة الأخيرة لهم. وتحاول وجوه فلسطينية شابة إعادة إحياء تراث الفرقة، ومواصلة مسيرتها، خصوصاً بعد اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية ،2009 وقدمت الفرقة الوليدة بالفعل حفلات أخيرا. ومن أشهر أغاني «العاشقين» «من سجن عكا» «على دلعونة» «يا شعبي» «فلتسمع كل الدنيا» و«ابو ابراهيم».

ويعمل هباش حالياً في القنصلية الفلسطينية في دبي، ومشرفاً عاماً على فرقة «زهرة المدائن»، وقال لـ«الإمارات اليوم» «أكثر ما يحز في نفسي هو الإهمال من وزارة الثقافة الفلسطينية لمبدعي الشتات الذين قدموا فناً أصيلاً ما زال يردده كثيرون»، مشيراً إلى أن «العاشقين» رفضت الاستمرار لفصيل على حساب آخر، لأن شعارها كان «لفلسطين نغني»، مستدركا «المرة الوحيدة التي غنينا فيها لشخص كان لأبو عمار في مهرجان في عدن، ولم تتكرر».

ونبه إلى أن خطر حقيقي في المرحلة الحالية يكمن في فرق إسرائيلية ترتدي أثوابا فلسطينية مدعية أنها من تاريخها، وتجوب العالم في غياب الأغنية الوطنية الفلسطينية، وقال«هذه مؤامرة، والفلكلور الفلسطيني أصبح بنداً للتفاوض عليه، مثل الأرض».

نواة أولى

وتحدث خالد هباش، مؤلف أغنية القدس عاصمة للثقافة العربية، عن بدايات «العاشقين»، وقال «تعتبر عائلتي من نواة تشكيل الفرقة، فبعد هزيمة ،1967 توجهنا حال كثيرين ممن هجروا من أراضيهم قسراً، إلى دمشق وغيرها من مدن العالم، عشنا في مخيم اليرموك في سورية، وقرر والدي أن نحكي فلسطين من خلال الأغنية، وشكلنا فرقة صغيرة، تكونت من أخي محمد صاحب الصوت الجهوري وسارد المواويل، وأخواتي فاطمة وآمنة وعائشة، وأخي خليل عازف الإيقاع، وانطلقنا في حفلات صغيرة نغني ونحكي آلامنا».

وأضاف «في إحدى الحفلات، شاهدنا الملحن الفلسطيني حسين نازك، وأعجب بفكرة العائلة الواحدة المتعددة المواهب، وقرر حينها أن يشركنا معه في تسجيلاته»، حيث كان نازك وقتها قد اشتهر كملحن من مسلسل الأطفال الشهير «افتح يا سمسم» الذي أنتج في الكويت في عام ،1978 حيث كان معظم الأغاني تسجل في استوديوهات خاصة في دمشق.

وقال هباش «من خلال تسجيلات ألحان نازك الخاصة لبرامج عدة، كنا نسجل أغانينا الخاصة التي جميعها من ألحانه، وقرر وقتها أن يطلق على الفرقة اسم العاشقين، لأن العشق أعلى درجات الحب، وهو المشاعر الحقيقية تجاه الأرض والوطن والإنسان».

ولفت إلى أن شهرة «العاشقين» انطلقت مع الأغاني الخاصة لمسلسل «عز الدين القسام» الذي كان يعرض في السبعينات على شاشات غالبية التلفزات العربية. ، وكثيرون ممن عايشوا تلك الفترة لا ينسون «من سجن عكا» و «أبو ابراهيم ما مات» وغيرها من الأغاني التي أعطت شكلاً للفن المقاوم.

وأضاف «وجهت لنا دعوة خاصة على إثر المسلسل، لتقديم فقرة غنائية قصيرة في أمسية شعرية على مسرح صالة الحمرا في دمشق، أمام شعراء كبار، مثل محمود درويش وأحمد دحبور وتوفيق زياد وأمل دنقل وممدوح عدوان، ومن هناك، انطلقنا كفرقة رسمية، وكان ذلك في ،1979 وقرر حينها الشاعر دحبور أن يكون مؤلف أغاني العاشقين الفلسطينية».

ونوه هباش بدعم منظمة التحرير الفلسطينية ل «العاشقين»، وحرصها على أن تجوب الفرقة العالم تغني لفلسطين، في أوروبا وأميركا وكندا واليابان وجميع الدول العربية، إلى أن بدأ الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام ،1982 حيث كانت غالبية أعضاء الفرقة «مقاومين في جيش التحرير الفلسطيني». وقال «كنا جنودا في الصباح، ومطربين وعازفين في المساء، لم نهدأ لحظة، دحبور يكتب، ونازك يلحن، ومحمد هباش يصدح بالمواويل، إلى أن قمنا بتسجيل أغنية بيروت، اشهد يا عالم علينا وعلى بيروت اشهد على الحرب الشعبية واللي ما شاف في الغربال يا بيروت أعمى بعيون أميركية»، لافتاً إلى أن تلك الأغنية بالتحديد شكلت علامة فارقة في التاريخ الفني للفرقة، وكانت أول مرة يعزف فيها هباش على المجوز و القانون، وحينها لقبه أبو عمار بأبي الاثنين.


فرقة زهرة المدائن التي يشرف عليها هباش.

تساؤل

وأفاد هباش بأن نهاية «العاشقين» كانت إثر الانشقاق في حركة «فتح» في سورية عام ،1984 ما أثر على أعضاء الفرقة، وأوجد جواً من الغضب لدى مسؤولي الفرقة، وفي مقدمتهم حسين نازك الذي رفض أن تحسب «العاشقين» على أي فصيل. وقال «حاولنا ألا نتأثر، وأن نفصل بين الأشياء، إلا أننا لم نستطع، وجاءت الصاعقة في انسحاب نازك من الفرقة، معلناً رفضه أن يكون تابعاً إلا لفلسطين. وتفككت «العاشقين» على الرغم من محاولات دائرة الثقافة الفلسطينية أن تلملم شتاتها، إلا أن الأصوات اختلفت والإيقاع اختلف، فكانت النهاية».

وأوضح أن «الانشقاق في حركة فتح أنهى فرقة العاشقين، ولأننا رفضنا ان نكون خاضعين لحساب أي من المنشقين أوقفوا عنا الرواتب، ولم يعد التمويل موجوداً، ولم نستطع أن نغني مرة أخرى».

وذكر هباش أن الشتات ضرب فرقة العاشقين، كما فلسطينيين كثيرين، موضحاً أن حسين نازك أسس فرقة زنوبيا السورية، والتي لها صيت كبير في الوقت الحالي، ومحمد هباش يعد الموسيقي الأول في فرقة أنانا السورية أيضاً، أما حسين منذر الذي كان صوته يهز الجبال ـ حسب هباش ـ فأصبح سائق تاكسي على خط عمان ـ دمشق، وأنا أصبحت أختم كلمة إلغاء على الجوازات الفلسطينية المنتهية الصلاحية».

وتساءل «لماذا لا تأبه وزارة الثقافة الفلسطينية بنا، وكأننا جزء من اتفاقاتهم على حساب أننا قوة فاعلة على الأرض، أو نوع من الأسلحة الفتاكة التي تحاول إسرائيل أن تخمدها. وفي المقابل، تجوب فرق إسرائيلية أنحاء العالم ترتدي أثوابنا الفلسطينية، مدعية أنها فلكلورها القديم الذي يدل على هويتهم؟».

تويتر