«تحرّ».. مسرحية على هيئة فيلم
هناك ما يجمع بين المسرح والسينما لا محالة، وهناك ما يفرّق بينهما أيضاً، وبالتأكيد بوصف كلّ منهما فناً قائماً بذاته، تختلف الأدوات بينهما بالمطلق، كما أن ما يلتقيان عليه ليس متطابقا، بمعنى التمثيل أو الحوار، فالمسرح أولاً وأخيراً فن الحوار، بينما الصورة لغة السينما.
مقدمة سريعة يستدعيها فيلم Sleuth (تحرٍ) المعروض حالياً في دور العرض المحلية، والذي يمكن وصفه تجاوزاً بالفيلم المسرحي، وصف نخترعه الآن وإن كان في الأمر خلطاً ما، لكنه حقيقة كذلك، لا بل إنه مأخوذ عن مسرحية لأنتوني شيفر، عالجها وحولها إلى سيناريو الكاتب المسرحي الكبير هارولد بنتر (نوبل 2005)، وأخرج الفيلم كينيث براناه، وما أدراكم من هو براناه في المسرح، الذي لم تنجح كل الأفلام التي مثّلها أو أخرجها في إبعاده عن الخشبة، لا بل إنه نقلها إلى السينما، ولنا في تقديمه «هاملت» شكسبير عام 1996 في فيلم تجاوز الأربع ساعات مثالاً على ما يعنيه المسرح لهذا الرجل، وكيف صور المشهد الذي يقول فيه هاملت عبارته الشهيرة «أنت تكون أو لا تكون هذا هو السؤال» لمئات المرات، وهو يقولها أمام مرآة كونه عدا عن إخراجه الفيلم جسّد شخصية هاملت. ماذا سنتوقع من الفيلم غير المسرح، هذا ولم نقل شيئاً بعد عن الممثل الكبير مايكل كين ويا له من مسكون بالمسرح أيضاً وإلى جانبه جود لو.
إنها المرة الثانية التي يصور فيها هذا الفيلم، الأولى في ،1972 ولعب البطولة فيه أيضاً مايكل كين، وكان إلى جانبه حينها لورانس أوليفير، لكن، يبقى السؤال المشروع، ما الذي قدمه الفيلم الجديد؟
من البديهي أن يكون الجواب في مشاهدته، ولنخرج منه، وقد التبس الأمر علينا بين مسرحية أو فيلم، ولنتأكد من أنه في الحقيقة فيلم طالما أنه يظهر أمامنا على الشاشة، لكن وكل ما نشاهده ممسرح، وموقع التصوير لا يتجاوز بيت أندرو (مايكل كين) كاتب القصص البوليسية، بيت مجهز بتقنيات عالية تجعل منه متحكماً في كل شيء فيه بواسطة جهاز تحكم عن بعد، وليستقبل فيه ميلو (جود لو) الذي من اللحظة التي يستقبله فيها أندرو يتضح الخلاف الجوهري بينهما، يسأله ومازال عند عتبة باب بيته «أين سياراتك؟» رغم أنه لا وجود إلا لسيارتين، الأولى لأندرو والثانية يجب أن تكون سيارة ميلو، لكنه يسأله ليقول له «إنها السيارة الصغيرة» التي تكون صغيرة مقارنة بسيارة أندرو الكبيرة.
الحوار يتحكم في كل شيء، يسرد ويتصاعد، ميلو عشيق زوجة أندرو، وهو يزوره ليقنعه بطلاقها، لكن سرعان ما تنقلب الأمور، بحيث يتفق أندرو مع ميلو على أن يقوم الأخير بسرقة مجوهرات ثمينة يملكها، ومن ثم يقوم بترهيبه، إذ يطلق عليه النار، رصاصتان حقيقيتان تستقران في الجدار، وأخرى توهم ميلو بأنه مات، وليهرب بعد ذلك، ثم يعود ميلو متنكراً في هيئة محقق شرطة، سرعان ما يكتشف أندروا أنها رد على لعبته وحيلته السابقة، وهكذا يصبحان متساويين، إلى أن نصل إلى نشوء علاقة بينهما، تنتهي على يد أندروا الذي يؤجل موت ميلو للنهاية.
لن أخوض في صراعات الشخصية وبنائها المحكم، وما إلى هنالك، لا لشيء إلا لخيانتها السينما أولاً، وقول المشاهد إن الفيلم ممل، شيء مفهوم ومدرك وله أسبابه الكثيرة، ولعل أبرزها مسرحة السينما، وفشل كل ما احتوى عليه بيت أندرو على جعلنا ننسى أنه على شيء من السينوغرافيا، ولنقول: كل ما في الفيلم كبير، عدا كونه فيلماً.