عبدالعزيز جاسم: الدراما الخليجية تُعرّي الواقع ولا تفضح المجتمع

الفنان الراحل عبدالعزيز جاسم.

يرى الفنان القطري عبدالعزيز جاسم أن الدراما الخليجية الناضجة تعري الواقع اليومي للمواطن الخليجي، من دون أن يمثل ذلك فضحاً للمجتمع كما يروج بعضهم، رافضاً فكرة أن «أعمالا درامية تتطرق لظواهر سلبية في المجتمع تروج بشكل أو بآخر لنموذج سلبي، يكون بمثابة الفضح لهذا المجتمع، على نحو يسيء للقيم السائدة». ويعتبر أن «الدراما الحقيقية يجب أن تعالج الآفات والأمراض والظواهر المجتمعية السلبية، ولو من خلال نكأ الجراح المؤلمة» .

وقال جاسم الذي خاض مشواراً فنيا طويلا، تجاوز 30 عملاً تلفزيونياً و20 مسرحية، في حوار لـ«الإمارات اليوم»، «لا يمكن أن تكون الدراما بعيدة عن نبض الشارع الذي تمثله، وإلا كنا في صدد (تابلوهات) تجميلية خادعة، يقترب تأثيرها من تأثير المخدر الذي لا يشفي مريضاً في غياب مشرط الجراح الماهر» .

ولعب جاسم واحداً من أفضل أدواره الكوميدية على شاشة قناة دبي الفضائية عبر مسلسل «المقاريد» في ثنائية مع الفنان الإماراتي جابر نغموش، وهو يتمنى أن تكون هناك نية لدى مؤسسة دبي للإعلام في إنتاج جزء ثان من العمل العام المقبل، بعدما تأكد غياب «المقاريد» للعام الثاني على التوالي في رمضان المقبل، موضحا أن طبيعة المسلسل تحتمل مد خطوطها الدرامية لجزئين تاليين، على نحو بعيد عن الافتعال والتطويل .

رصاصة رحمة

وحول جديده هذا العام، أفاد جاسم بأنه انتهى مؤخراً من تصوير مسلسل (رصاصة رحمة)، إخراج منير الزغبي وتأليف هبة حمادة، ويشاركه البطولة فيه إبراهيم الحربي وإلهام الفضالة ولمياء طارق وطيف، ويتطرق إلى قضايا مهمة، مثل تعامل المجتمع مع الفوارق الطبقية في مسألة الزواج، وتعدد الزوجات، ومعاناة الطلبة الخليجيين الذين يدرسون في الخارج ومشكلات تأقلمهم مع مجتمعات ذات قيم وتقاليد مغايرة لنسقهم القيمي .

وذكر أن العمل أصبح جاهزاً للعرض التلفزيوني على شاشة دبي الفضائية، والمتوقع أن يبدأ عرضه خلال أيام أو أسابيع، مستبقاً الموسم الرمضاني الذي سيطل فيه عبد العزيز جاسم على المشاهدين بعملين آخرين، هما (امرأة أخرى) و(قلب للإيجار) المتوقع عرضه أيضاً على شاشة دبي الفضائية خلال رمضان المقبل، وهو من تأليف وداد الكواري وإخراج محمد القفاص، ويشارك فيه باسمة حمادة وابتسام العطاوي ووفاء مكي وعبدالله بهمن .

ومسلسل «امرأة أخرى» من تأليف طالب الدوس، وإنتاج عبدالعزيز جلسم الشخصي، ويشاركه البطولة فيه فاطمة عبدالرحيم، وإبراهيم الحربي، وإلهام الفضالة، ومحمود بوشهري، ويعقوب عبدالله، وشيماء علي وغيرهم. وسيعرض على شاشة قناة «الراي» . وأوضح أن تواجده في ثلاثة أعمال تلفزيونية دفعة واحدة ليس إفراطاً في الظهور، بقدر ما هو استثمار لظروف إنتاجية وإخراجية، تواكبت مع نصوص جيدة تم عرضها عليه.

وحول الغزارة الإنتاجية التي أصبحت مواكبة للدراما الخليجية بشكل عام، قال «ليست هناك إشكالية نظرية في حالة وجود كم لا يفتقد المعايير الفنية، بحيث تجمع الأعمال شروط الكيف أيضاً، و للأسف هذا غير متحقق في معظم الأعمال التي يدخل منتوجها كل عام في صراع سنوي، من أجل اللحاق بالموسم الرمضاني بشكل خاص»، مشيراً إلى أن كثرة الفضائيات الخليجية ودخولها في تنافس شديد فيما بينها هو السبب وراء شيوع الظاهرة .

واعتبر جاسم أن الإنتاج في ظل قناة فضائية بعينها يبدو دائما الخيار الأفضل بالنسبة للمنتج الذي يعمل في هذه الحالة في ظل ظروف إنتاجية أفضل، وتملؤه ثقة بأن عمله سوف يتم عرضه في النهاية، ولن يضطر إلى تقديم تنازلات من أجل الحصول على فرصة تسويقية لا تلبي طموحاته، وهو أمر لا يعتمد على مقاييس معينة، بقدر ما يعتمد على خيارات الجهات المخولة بالتعاقدات وشراء حقوق بث الأعمال داخل كل قناة فضائية على حدة، مؤكداً أن تضاؤل الفرص التسويقية لمسلسل بعينه ليس دليلاً تقييمياً قاطعاً على ضعفه الفني.

مسؤولية كبيرة

ويرى جاسم في الوقت نفسه أن على القنوات الفضائية الخليجية مسؤولية كبيرة في مواصلة النهوض بالدراما الخليجية، وفق المعطيات التي سبقت الإشارة إليها، لأن المتحكمين في اختيار الأعمال الآن هم من يملكون القوة الفعلية الحقيقية لإبعاد الدخلاء عن المتاجرة بحاضر ومستقبل تلك الصناعة الواعدة، عن طريق وجود لا ينظر سوى للربح السريح وتحقيق صفقات استثمارية لا تأخذ مصلحة الدراما الخليجية بعين الاعتبار»، مستشهداً في هذا السياق بمقولة «أعط الخبز لخبازه»، مؤكداً أن «ظاهرة المنتج المنفذ حققت في بعض تجاربها نجاحات مبهرة، حينما كان هذا المنتج فناناً وليس تاجراً، في الوقت الذي فشلت فيه تجارب مماثلة، لم يكن فيها المنتج سوى تاجر باحث عن الربح المادي».

وبرر جاسم ضعف الإنتاج القطري في مجال الدراما بعوامل عدة، أبرزها «ندرة الموارد البشرية القطرية، ممثلة في عدد محدود من الممثلين، على الرغم من تمتعهم بطاقات ومواهب تمثيلية هائلة، يستعان بها بشكل دائم في العملية الإنتاجية في الكويت والإمارات بشكل خاص». وقال «التلفزيون القطري الرسمي أسهم في تحجيم مساهمة قطر في إنتاج دراما وطنية متميزة، من خلال مراهنته على أعمال متواضعة وتبنيها، بدلاً من تحديد مقاييس فنية واضحة، يتم الاحتكام إليها في تحديد خياراته الإنتاجية».

وحدة درامية

ودعا الفنان القطري الجهات الإنتاجية الرسمية والخاصة إلى السعي إلى تحقيق وحدة عربية فنية تتجاوز الحدود، وقال «الفنانون العرب والخليجيون قادرون على تقديم أعمال عالمية استثنائية في حال تجاوزوا حدود القطرية»، مشيراً إلى أن «التجربة الدرامية الخليجية جديرة بأن تعمم على نطاق أوسع، لا سيما فيما يتعلق بالتعاون الكبير بين الفنانين والجهات، بشكل جعل من دول مجلس التعاون الست بالفعل بمثابة دولة واحدة».

واستبعد جاسم أن يكون اختلاف اللهجات العربية مدعاة لعدم نجاح أعمال عربية ذات طاقة إنتاجية كبيرة تجمع الأكفأ من مختلف الدول العربية، بعيداً عن استسهال اختيار الألمع من الأسماء.

وقال «اعتياد الجمهور لهجات عربية متنوعة واحدة من إيجابيات نادرة لأسراب الفــضائيات الجديدة، في مقابل الكثير من الفوضى الإنتاجية العارمة التي أحدثتها».

خبز «الفن»

يرى الفنان القطري عبدالعزيز جاسم أن أعمالا خليجية كثيرة يتم الزج بها في الموسم الرمضاني تفتقد لمميزات (الطبخ على النار الهادئة)، الأمر الذي يضر في المحصلة بصيت الدراما الخليجية التي أصبحت لها مكانة مهمة تنافس نظيرتيها المصرية والسورية، عازياً الأمر إلى أن «معظم الفنانين الخليجيين هم في الأساس موظفون، يسعون إلى تحسين دخلهم عن طريق الفن الذي يتحول إلى مصدر لخبزهم اليومي» .

وعلى الرغم من ذلك، لم يقر جاسم الظرف السابق مسوغاً لضعف المستوى الفني لأعمال خليجية، مؤكداً أن مصلحة الفنان الخليجي تحتم عليه مزيداً من الاشتغال على أدواته الفنية، وقدراً أكبر في تحري الدقة، في ما يتعلق باختيار جديده الدرامي، من دون أن يخضع لإغراء استسهال قبول أعمال ضعيفة، لمجرد الحضور على الساحة.

تويتر