قصّة أضخم فيلم في التاريخ
مازالت السينما حول العالم وكل ما حملته من إنتاجات ضخمة عاجزة عن الاقتراب من الفيلم الروسي «الحرب والسلام»، لا بل إن سرد قصة ذلك الفيلم الذي استغرق إنجازه سبع سنوات سيضعنا مباشرة أمام أعجوبة سينمائية، تتخطى الفيلم نفسه الذي يشكل بذاته تحفة فنية لم ولن تتكرر على مر الأزمان، وعلى شيء من الثقة التي تعزّزها حقائق كثيرة.
توصيف الفيلم بالملحمي أمر بديهي، فهو مأخوذ عن عمل أدبي شهير في التراث الإنساني، هو رواية ليو تولستوي «الحرب والسلام»، والتي تشكل وثيقة فنية وتاريخية وسياسية واجتماعية واقتصادية لروسيا القيصرية في مواجهة اجتياح نابليون لأراضيها، بما لا يترك جانباً من الحياة لا يوثق له وبالتفصيل، بدءاً من الأزياء واللهجات واللغات، مروراً بالشخصيات التاريخية والأخرى المتخيلة، وصولاً إلى وصف كل المعارك التي دارت بين جيوش نابليون والجيوش القيصرية والنمساوية والألمانية، بالتناغم مع نظريات وبحوث تولستوي التاريخية وسرده الخاص، الذي يضعنا أمام أكثر من 120 شخصية نمضي خلفها على مدى أربعة مجلدات.
بعد هذا الوصف السريع لعمل تولستوي الأدبي، فإن الفيلم المأخوذ عنه جاء ليقدم ما حملته الرواية ونقلها بحذافيرها إلى السينما، وبإخراج سيرجي بوندار تشك الذي أصيب بنوبتين قلبيتين، قبل أن ينهي الفيلم الذي بدأ تصويره في 1960 ،ولم تنته كل عملياته الفنية حتى 1967 سنة بدء عرضه.
سنكتفي في ما يلي بحقائق وأرقام مذهلة متعلقة بهذا الفيلم، لها أن تبين عظمة المنجز ومعجزته، فقد ضم الفيلم 300 شخصية ناطقة ليس بالروسية فحسب، بل بالفرنسية والألمانية أيضاً، و120 ألف عنصر وكومبارس، ووضعت الحكومة السوفييتية كل ما لديها في خدمة الفيلم، وشاركت فرق كاملة من الجيش الأحمر في تنفيذ المعارك، ومعها أعداد هائلة من سكان موسكو الذين تطوعوا للمشاركة في هذا الفيلم، لا بل أعيد بناء وسط موسكو كما كان عليه في 1805 ،وأحرق كاملاً في المشهد الخاص بإقدام نابليون على حرقها.
لا بل إن معركة «بورودينو» وحدها استغرق إنجازها كاملة أكثر من سنتين، واستخدم فيها أكثر من 200 مدفع و120 ألف بندقية، وصورت في موقع الحدث التاريخي، واستخدمت للمرة الأولى كاميرات يتحكم فيها من بعد وصل إلى 300 متر. وفي مثال آخر عما كانت تأخذه كل لقطة من مخرج الفيلم بوندار تشك، فإن رقصة ناتاشا روستوفا الأولى مع أندريه بولكونسكي شارك في إنجازها 150 ممثلا وعازفاً موسيقياً.
يمكن الحديث إلى ما لا نهاية عن أعاجيب هذا الفيلم، كمشاركة 100 أستديو في إنجازه بنيت خصيصاً له، مع استخدام مجوهرات ولوحات ومقتنيات أصلية تحتويها المتاحف الروسية في تلك الفترة، لنكون في النهاية أمام فيلم سيكون توصيفه تحصيل حاصل أمام حقيقة صارخة لها أن تشكل الخوف الرئيس من إنجاز هكذا فيلم، وهو الاتساق، وتتابع الأحداث وعدم معاناة الفيلم من أية هنات أو انخفاضات تضيع النسق الذي مضى خلفه بوندار تشك في خط لم تطل منه أي انزياحات أو انقطاعات لها أن تحيد عن تناغم الفيلم وإيقاعه الملحمي.
خرج الفيلم بمدة أبقته إلى الآن أطول فيلم في التاريخ، إذ إنه يمتد لأكثر من تسع ساعات، وتم عرضه في أربعة أجزاء، شاهدها في الاتحاد السوفييتي السابق أكثر من 135 مليون مشاهد في عامين، وعرض في أكثر من 117 بلداً حول العالم، وحصل في 1969على أوسكار أفضل فيلم أجنبي.
استعراض ما سبق من معلومات متعلقة بالفيلم ستكون كافية وحدها لتقديم ما الذي يمكن أن يكون عليه هكذا فيلم، ولعل العودة إلى تمجيده والتغني بعظمته لن يكونا بشيء ذي بال أمام حقيقة تصرخ بنا بأن للفيلم أن يكون أيضاً وثيقة ومنجزاً يتخطى السينما إلى التاريخ، وبصمة يصعب محوها لشعب بأكمله، يؤمن بأن الفن الأداة الأولى لخلوده.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news