"تدبير" فيلم مدرسي للكبار
تمضي أفلام كثيرة باتجاه تقديم مقولة يتأسس حولها كل شيء، وتطويعه في خدمة تلك المقولة، ولتكون عوامل نجاحها السينمائي قليلة، وعلى أصعدة عدة كون السينما تتحول إلى أداة لا أكثر، لها أن تتناغم مع ما يود الفيلم قوله أو قد ينتصر ذلك القول على ما عداه وهذا هو الاحتمال الأكبر.
فيلم Arranged (تدبير) لا أعرف مدى دقة الترجمة طالما أن الفيلم على عكس التدبير، كونه يبني حكايته على الصدفة أولاً، على ان يشكل الفيلم بامتياز مثالاً مخبرياً على ما بدأنا به، وله أن يكون حاملاً لمقولة تتمثل بأن «الصداقة لا دين لها» مثل الفقر ربما، وليقدم لنا هذا الفيلم درساً تعليمياً في عادات مسلمي أميركا وإلى جانبهم يهودها، وإن كانا لا يفعلان شيئاً خارج العبادة والصلاة، وليكون رفض اليهودي للمسلم أشد قوة، كما لو أنه ضحيته، وكل ذلك عبر قصة تتأسس على صداقة تنشأ بين فتاتين، الأولى سورية الأصل ومسلمة محجبة اسمها نصيرة خالدي (فرانسو بنهامو) والثانية يهودية اسمها راخويل (زوي جونز).
قبل المضي في سرد ما يقدمه الفيلم، علينا التأكيد أولاً أن أهمية الفيلم لا تتأتى من قيمة سينمائية، ولا من فيلم يحمل أي جديد على صعيد فني، لكن في طموحه التعريف بعالمين مختلفين في المجتمع الأميركي، ولهما أن يناصبا بعضهما العداء، مقدماً في النهاية نقاط التشابه الكثيرة بين نصيرة وراخويل وبيئتهما المحافظة، ومن ثم الانتصار لخياراتهما المنغلقة التي تحمل الكثير من الخصوصية في مجتمع متعدد ومنفتح.
تتعرف نصيرة على راخويل في المدرسة التي يعملان فيها معلمتين، وسرعان ما تصبحان صديقتين، بعد اكتشافهما نقاطاً مشتركة كثيرة بينهما، فنصيرة محجبة وراخويل تلتزم بثياب شديدة الاحتشام، بينما مديرة المدرسة تقول لهما أن يرتديا شيئاً يليق بعمريهما، وغير ذلك مما لا يخضعان له، كونهما منسجمتين مع العادات والتقاليد المفروضة على كل واحدة منهما، مع تقديس الروابط العائلية، ومن ثم اقتناعهما بأن علاقات الحب محرمة، وأن سبيلهما الوحيد لمعرفة الرجل هو الزواج عن طريق الأهل، وهذا ما يقنعنا الفيلم بصوابه، وأن بالإمكان تحقيق السعادة عبر ذلك، عبر تطويع السيناريو بطريقة قسرية في خدمة هذا الغرض، فنصيرة التي لا يفعل والدها شيئاً إلا الصلاة، لا تقبل بأي أحد، ترفض من يقدمه لها والدها، لكنها تقبل بالشاب الثاني الذي يتقدم أيضاً عن طريق الأب، لكن راخويل التي تمتثل للتقليد العائلي المتمثل بتوكيل أمر الزواج لـ«خاطبة» تعرفها بعشرات الرجال الذين لا يروقون لها، لكنها تقع على شاب يكون برفقة أخي نصيرة فإذا به- ويا للصدفة المدهشة- يهودي فترسل نصيرة بصورته إلى «الخاطبة» وتتحقق سعادة راخويل بالزواج منه.
الفيلم الذي أخرجته كل من ديان غريسبو وستيفان شيفر يقول للمشاهد الأميركي ربما «من قال لكم إن المحافظين ليسوا سعداء؟»، فالمرأة يمكن أن تتزوج بمن يريد لها أهلها وتبقى سعيدة، وهي حرة بأن تكون كذلك، ولنصل هذه النتيجة المدرسية بعد تقديم حياة العائلة المسلمة والعائلة اليهودية، وعلى شيء من التعريف بكليهما، ونسج كل القصة على لقاء عالمين يتفقان تماماً على تقديس العائلة، وسطوة الأب، وتحقيق سعادة المرأة دون تعارضها معهما، بأمان وحنان، ووفق مقاييس حرية فريدة. طبعاً وكما هو واضح فإن مخرجتي الفيلم فاتهما تورية زاوية الرؤية التي قاربتا فيها عالم المسلم، والتي رغم بذلهما مجهوداً كبيراً لم تنجحا بمنع الشعور بأنها مقاربة على معرفة كبيرة باليهود وعاداتهم ومعرفة أقل بالمسلمين، كما أن أي اتهام في الفيلم يكون باتجاه المسلمين لكن سرعان ما تتصدى له راخويل -مشكورة- كونها صارت صديقة نصيرة ولا شيء آخر، بينما ما من اتهام يوجه تجاه اسرائيل على الأقل يستدعي تدخل نصيرة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news