«أسياد الفن المعاصر».. غرباء يجمعهم الرسم
تحت عنوان «أسياد الفن المعاصر»، حاكت لوحات الفنانين المشاركين في معرض آرت سبيس في دبي مضموناً فنياً واحداً هو التعبير عن الغربة التي يعيشونها، فهم من مختلف الجنسيات ومختلف الأماكن الا أن همهم واحد ووجعهم واحد، فترى الكاتب والرسام الفلسطيني كمال بلاطة الذي يعيش في فرنسا يوثق تاريخ الصراع الاسرائيلي الفلسطيني من خلال مفاهيم لونية وتشكيلية بنى عليها اولوية الهوية الوطنية وهم الشتات الذي يعيشه الفلسطيني اينما حل وارتحل، وفي المقابل ترى المصري عادل السيوي الذي اشتهر برسمه لوجوه الفنانين المصريين في حقبة الستينات ويعيش في ايطاليا، يقتنص الوجوه هذه المرة لعابرين لهم تأثيرهم في مجريات الحياة اليومية، اما في لوحات القطري يوسف احمد فتراه يحكي الحب في لوحة الحب خاصته والتي كتبت بالخط العريض والكبير ورسم حولها كل الحالات التي قد تمر على اي شخص تجاه مشاعر الغرام، ليأتي المغربي زكريا رمحاني المقيم في فرنسا ليرسم الوجوه بكلمات عربية تتداخل في معانيها لتعبر عن الحالة الخاصة التي يعيشها، والحزن له مكان خاص في لوحات العراقي اياد الكاضهي الذي اختصر جميع الألم في لوحته (انا بغداد) التي استخدم فيها خاصية الكولاج الفني حيث استعان بقصاصات من صحف عربية وعالمية، حكى العراق برسمه الخاص الذي تماشى مع كل عناوين الصحف التي اختارها.
الوجوه والتاريخ
على الرغم من اختلاف الخط الفني لكل من السيوي وبلاطة فإنهما اشتركا في عملية الاقتناص، فبلاطة حاول ان يقتنص التاريخ الذي مر على فلسطين وصراعها، مع انه استخدم هذه المرة ألواناً فاتحة وفيها الكثير من الفرح، وهذا لدلالة من قبله بأن الشعب مازال يؤمن بأنه سيحيا يوماً ما، ففي لوحته التي حملت عنوان (اعلان) ينتقل المتفرج من خلال الخطوط المتداخلة والتي شكلت رسماً هندسياً اقرب منه فنياً في الشعور بأن هناك يوجد خطيب أو مناضل أو رئيس يقف خلف تلك التقاطعات يريد ان يدلي بخطاب له الكثير من الفائدة، أو هكذا اعتقد بلاطة الذي ذاق مرارة الشتات والتغريب القصري، فهو مازال يعيش الحلم بألوان زاهية وجميلة تداعب المشاعر وتبث الراحة للعين، في المقابل نرى لدى السيوي اقتناصاً مختلفاً له علاقة بالوجوه، كل الوجوه، العابرة منها او المعروفة لدى ذاكرتنا على الأقل، لكن السيوي يصر على الا تحمل تلك الوجوه اية ملامح، فهي مغبشة او متناثرة التفاصيل، فترى العين مكان الفم والأذن مكان الأنف ودواليك، السيوي لا يبخل ابداً في التعبير عن حالة رفضه لأية قضية اكانت اجتماعية او فنية من خلال رسومه، فتراه يجسد جندي المارينز الأميركي، واضعاً النظارات الشمسية على عيونه ومكبلاً بالأسلحة الفتاكة، وفي الركن الآخر تراه يتجمل بالفن من خلال وجوه تركت أثرها سينمائياً في مر الحقبات، وهو الفنان الذي يولي للوجه المصري اولوية خاصة، لأنه حسب تأكيده «وجه مغرٍ بتفاصيله وحالاته»، فليلى مراد حاضرة بشموخ وسعاد حسني وضحكتها التي لن تتكرر حسب تعبيره فهي «الشقية والبريئة والشريرة»، كل هذه التحولات يلمسها المتفرج بانسيابية.
«الكولاج»
الكولاج وهو نوع من الفنون يستخدم فيه الفنان اكثر من حالة فنية للتعبير عن لوحته، جمع بين الكاضهي واحمد والرمحاني، حيث مزج الخط بالرسم تارة ومزج قصاصات الورق والألوان تارة اخرى، وهذا ما فعله الكاضهي بجل لوحاته وعلى رأسها لوحة حملت عنوان (أنا بغداد) ولوحة حملت عنوان(أعطني حريتي)، فقد قصد الفنان في (أنا بغداد) ان يحكي الظلم الذي تتعرض له تلك المدينة العتيقة على ايدي المحتل الأميركي، وقرر أن يثبت حجته باقتطاع قصاصات حملت اخبار الموت والدمار من مختلف الصحف العربية والعالمية، والصاقها بلوحة رسم فيها الكاضهي وجهاً مفرغاً تملؤه تلك القصاصات، مستخدماً اللون الأحمر ليحكي الغضب الذي لا رباط عليه، ومستخدماً في الوقت نفسه الخط العربي، وكتب ألفاظاً لها علاقة بالدين مثل الكتاب والرسول والرجاء، ما يضع المتلقي في دوامة فك مكنونات تلك اللوحة المؤلمة التي تدمي القلب حزناً على بغداد الحضارة والتاريخ وما آلت اليه.
أما في لوحته (أعطني حريتي) فاستخدم فيها المرأة وهو شيء متوقع، لكنّ امرأة الكاضهي منقبة وعينيها غير مكحلتين، بل فيهما حزن ادى الى جحوظهما، وعمد ايضاً الى تنقيب الرجل وكأنه يريد ان يقول إن حرية المرأة العربية لا يمكن ان تحدث قبل تحرر الرجل العربي من كل القيود، واقتبس كلمات اغنية الراحلة أم كلثوم (أعطني حريتي اطلق يدي»، أما لوحة الحب للقطري أحمد فقد عمد إلى أن يضخ فيها كل المشاعر سواء من خلال كتابتها بخط عريض وكبير، أو من خلال جميع حالات الحب التي قد تمر على أي إنسان، أو حتى من خلال الألوان الصارخة والجريئة التي تثير الرغبة لأي متفرج في أن يعود ويعبر عن حبه لأي كائن كان، هي دعوة للحب أراد ان يحكيها احمد بطريقته الخاصة.
ولم يبعد الرمحاني عن الكولاج بل دخل فيه مستخدماً فنون الخط العربي، لكنها هذه المرة استخدمت لرسم الوجوه، كل الوجوه الجميلة منها والقبيحة، والتي تؤدي كل واحدة منها دورها المهم وغير المهم في الحياة.
إخناتون ووجوه السيوي
يعتبر عادل السيوي أن الوجه تحول الى هاجس لديه، حتى اطلق عليه (ورطة) دعاه إليها لقاء تم بينه وبين بورتريه إخناتون في المتحف المصري، وما يحمله هذا البورتريه من تلخيص غريب لفكرة البعـديـن الرئيسين: «وهمـا العقل والحس، الأنف والفم. فلا يوجد رأس شغل بهذه الطريقة ويحمل جسداً لامرأة ورجل».
وعلى الرغم من أن كمال خليفة ومروان قصاب باشي وفرانسيس بيكون وموديلياني وفناني الحضارات القديمة والنحت الإفريقي والقناع مروا جميعاً بـ«الوجوه» في رحلة الفن، فإن لقاء عادل السيوي مع «بورتريه أخناتون» جعله يدخل الوجوه من بابه الشخصي الذاتي والثقافي الجمالي ولمدة 10 سنوات من دون انقطاع بدأها منذ عام ،2004 وكأن مقولة «الوجه الحسية الجمالية» لم تتعرف بعد على حقيقة حريتها الكاملة» حسب تعبير السيوي.