خالد تاجا...أية شخصية تغويني سألعبها

لن يحتاج الحديث عن الممثل السوري خالد تاجا لمقدمات، أو استعادة لإنجازات وأدوار ريادية، وأخرى ماثلة بالذاكرة تمتد لأكثر من 40 سنة، سرعان ما تطفو من الشاشة الكبيرة أولاً، ومن ثم الصغيرة، ومن بينهما نسمع خطواته على خشبة المسرح.

سنسترق السمع إلى ما يقوله، أو نتلصص على ما يفعله في بيته في «دمر» في دمشق، المليء بالتحف والأنتيكات التي جمعها من شتى أرجاء الأرض.

إنه يتابع بحب جمال سليمان في «أفراح إبليس» معلقاً بأنه، أي سليمان، «أصبح أكثر اتقاناً للهجة الصعيدية»، ولا يخفي إعجابه بـ «فنجان الدم» نصاً وإخراجاً، وحين نسأله عن إذا ما كان عرض عليه الاشتراك في أعمال درامية مصرية، يجيب بأن أسامة أنور عكاشة عرض عليه يوماً دوراً، لكن الأمر لم ينجح لسبب أو آخر، وأنه يرحب بأي دور يجده مناسباً في مصر أو غيرها «أنا ممثل في النهاية».

هذا يقود إلى كمية الأدوار التي قدمها، والتي تضيء تنوعاً وثراء كبيرين، لنا أن نجد شرارتها الأولى مع «سائق الشاحنة» ( 1967) أول فيلم أنتجته المؤسسة العامة للسينما في سورية.

غواية الفن

تبدو غواية الفن مع خالد تاجا شاسعة، الأمر الذي يؤكده «طالما أنني لم أغلق نوافذي المشرعة، فأنا دائماً منفتح على تجارب جديدة، والحياة مليئة بالنماذج والشخصيات التي تستحق أن تجسد، فأنت تعيش مع امرأة 30 سنة، وتكتشف أنك لم تعرفها بعد»، ويضيف «ليس لدي شروط مسبقة، أية شخصية تغويني بأن ألعبها، لا أتوانى عن تقديمها».

ويضيف: «لأنني أجد في التمثيل هواية، وعشقي للتمثيل لم يصل إلى درجة الهيام، لكنه بالنسبة لي حالة فرح، حالة تفريغ للهموم السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحيطة بي».

يطالعنا خالد تاجا في مسلسل «زمن العار» المعروض على قناة دبي بشخصية أبومنذر، وهو يعيش قصة حب ملتبسة في خريف العمر، وبعد أن أحيل إلى التقاعد بقليل، إنه الحب متأخراً والهرب من حياة سيكتشف فجأة بأنها كانت تتسرب من بين أصابعه، كل تعابير وجه أبومنذر ستقول لنا ذلك، وسيعلق خالد تاجا على ذلك بأنها سمر سامي من يساعده على الخروج بأداء كهذا، «إنها ممثلة استثنائية وموحية.. ونحن على قدر كبير من التناغم».

يوافق تاجا على أن هذه الشخصية الأكثر تميزاً من بين الشخصيات التي يقدمها هذا الموسم، ولعل هذا التميز يمتد إلى المسلسل نفسه الذي يتصدى للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية لسورية المعاصرة وانعكاسه على الفرد وأخلاقياته وعلاقاته، من خلال سيناريو محكم، كتبه كل من نجيب نصير وحسن سامي يوسف، وتحت إدارة إخراجية مميزة دائماً لرشا شربتجي.

وبما أن الواقعية هي السمة الأكثر طغياناً على انتاجات الدراما السورية لهذا العام، فإننا سنقع على تاجا وهو يجسد شخصية أبو بديع في مسلسل «قاع المدينة» المعروض على الفضائية السورية، التي يعتبرها قريبة بعض الشيء من أبومنذر، والتي أضفى عليها حسب تعبيره بعداً كوميدياً لتتمايز عنها، وليكون دوره في «الحصرم الشامي» المعروض على أوربت بجزئه الثاني ثالث الأعمال التي يقدمها هذا الموسم. الواقعية ستكون في رأي تاجا دليل عافية الدراما السورية، وتصديها لتوثيق المتغيرات الاجتماعية «نابع من بنية ثقافية متينة تقرأ الواقع الجديد وما طرأ عليه، وملامسة هموم الإنسان السوري والعربي عموماً وعلى شيء من الخرق للرقابات التي كانت مفروضة في ما مضى».

يعتبر خالد تاجا أن الواقعية مفتقدة في الدراما الخليجية حين نسأله عن رأيه فيها، ويجد بأنها تحمل إمكانات لما هو أفضل، وعليها «الخروج من القصر والفيلا والبحث عن مشكلات الإنسان العادي والاقتراب من القاع»، مستشهداً بـ «طاش ما طاش» الذي يعتبره محاولة خاصة للاقتراب من الواقع اليومي، لكن، في البداية أي في الأجزاء الأولى، «لقد فقد بريقه الآن، وتحول إلى كوميديا صرفة ولم يعد يتصدى لموضوعات مهمة كما في السابق».

إسرائيل غير موجودة

الحديث مع خالد تاجا متشعب وشيق ومأهول بالفني والسياسي والتاريخي، حين نسأله عن رأيه في باب الحارة سيجيب مباشرة «كان يكفي جزء واحد»، ويضيف «إن نجاح الجزء الأول لا يعني إضافة أجزاء بلا نهاية، الأمر هنا تحول إلى عملية استهلاكية». وعند المضي إلى السؤال عن رأيه في ظاهرة المسلسلات الشبيهة ب «باب الحارة»، فإنه ينتقل إلى الحديث عن الاحتلال العثماني، ويصفه بالمرحلة المشرقة، «لا لشيء إلا لأن إسرائيل لم تكن موجودة حينها»، حديث سيأخذ «أنطوني كوين العرب» كما وصفه الشاعر الراحل محمود درويش إلى شعوره الدائم بالمرارة لما صار إليه الواقع العربي، منتقلاً إلى الحديث عن الخيول العربية الأصيلة التي يقول عنها إنها تتمتع بالكرامة والجمال والقوة، ولا يمتطيها إلا أصحابها «ليت الأنظمة العربية تتمسك بأخلاق تلك الخيول أو تحاول تقليدها».

الطفولة

البارقة الوحيدة التي يجدها خالد تاجا في الواقع العربي تتمثل في المقاومة، وهو معروف بمواقفه في هذا الخصوص، وتأييده الكبير لنهج المقاومة العربية، وله أن يرى في شخصية عماد مغنية رمزاً استثنائياً، الأمر الذي يقوده إلى الحديث باستطراد عن تجربة لقائه بأم الشهيد مغنية التي وجد فيها ما يتخطى الخنساء بكثير وهي تقدم أولادها الثلاثة شهداء، وتتمنى لو كان هناك من رابع لتقدمه على مذبح الحرية والشهادة. يحتفظ خالد تاجا بما يعتبره أغلى ما حصل عليه في حياته، وهو الشال الذي كان يتلفح به الشهيد عماد مغنية ومصحفه الشخصي.

لا يمكن فصل السياسي عن الفني في حديث خالد تاجا، فسعادته بما حققه فيلم حاتم علي «الليل الطويل» من نجاحات وجوائز، كان آخرها في إيطاليا والدور المميز الذي قدمه فيه سيقوده إلى اعتباره خطوة مهمة على صعيد الطرح وارتفاع السقف الرقابي، «طالما أنه يحكي عن سجناء الرأي في سورية وقد فتحت أمامه السجون ليتم التصوير في داخلها».

يغري الحوار مع تاجا سؤاله أسئلة متعلقة بالحياة كونه متوهجاً ومتجدداً دائماً، كيف يقاربها ويعيشها؟ ليعود ويؤكد مجدداً كما في حوار سابق معه «الطفولة، الطفولة» كما لو أنها وصيته الدائمة، سر حياته الذي يجعله على هذا القدر من البراءة والتجدد.

الأكثر مشاركة