اتحاد الكُتّاب يحتفي بالفيروز والجناحي والحتاوي
قال الفنان الدكتور حبيب غلوم إن « الثقافة والفنون حتى الآن لم توضع ضمن أجندة التنمية الحقيقية في الدولة، مقارنة بالمجالات الأخرى، ومازال كل منهما في حاجة إلى أن يرصد بشكل حقيقي، فهما من العناصر الأساسية التي تؤكد هويتنا وانتمائنا، ولابد لمن يبحث في التراث والأصالة والتكوين الاجتماعي للمنطقة أن يقوم برصدهما». جاء ذلك في الأمسية الرمضانية التي نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات -فرع أبوظبي- أول من أمس في مقره في المسرح الوطني، ضمن برنامج أمسياته الرمضانية التي يخصصها للاحتفاء بشخصيات أدبية إماراتية، تم تخصيص هذه الجلسة، للحديث عن الأديب الراحل جمعة الفيروز، والكاتب المسرحي سالم الحتاوي، والكاتب الفنان محمد الجناحي. وتحدث عن الراحل الفيروز صديقه الأديب أحمد العسم، وتحدث عن الحتاوي والجناحي الدكتور الفنان حبيب غلوم.
ودعا المشاركون في الأمسية إلى أن تكون هناك منظومة معينة، أو جهة مسؤولة، تتبنى الاحتفاء بالمبدعين الراحلين من أبناء الدولة، وجمع أعمالهم التي تركوها من دون جمع أو تحقيق، وكتابة سيرتهم، وتكليف نقاد وكتاب بذلك، لكي تحفظ هؤلاء المبدعين في ذاكرة الوطن، وتعرف الأجيال المقبلة بهم، لا أن يظلوا في ذاكرة الفنانين والمثقفين فقط.
واستعرض الدكتور غلوم مساهمات الفنان الراحل محمد الجناحي في تأسيس الحركة الفنية في الإمارات، موضحاً أنه قدم من البحرين في 1966 وكان عمره 30 عاماً، وكان أستاذاً يجيد الكتابة بجوهرها الحقيقي، ما مكنه أن يعطي الكثير للحركة الفنية والثقافية في الدولة، الأمر الذي ظهر في رائعة «أشحفان» التي كانت فكرته مع الفنان سلطان الشاعر، ولكن كتابة السيناريو والحوار اعتمدت بشكل كبير على خبرة الجناحي، حيث كان الاعتماد الأكبر عليه في ذلك، من دون أن ينقص ذلك من إبداع الآخرين.
سفير الفن
وأشار الدكتور غلوم إلى أن الجناحي كان أول من استحق أن يكون «سفير الفن»، وهو أول وأكثر من أسهم في تمثيل أعمال خارج الإمارات، في مصر وسورية ومختلف دول الخليج، ساعده على ذلك قدرته على صياغة السيناريو، وخبرته الفنية، إضافة إلى لكنته البحرينية التي ساعدته على دخول الدراما الكويتية والقطرية. مضيفاً «في تلك الفترة، لم تكن الساحة الفنية العربية تعرف من فناني الإمارات سوى الجناحي، ولكن، بعد قيام الاتحاد وبجهود القنوات الرسمية الإماراتية أصبح لدينا العديد من المبدعين المعروفين في الخارج».
واستعرض غلوم جوانب من مساهمات الجناحي في تأسيس قسم الدراما في إذاعة ابوظبي، واهتمامه بتقديم أعمال محلية تعبر عن المجتمع الإماراتي، لافتاً إلى أن ما تمتع به الجناحي من خبرة ودراسة، كان لهما دور في تأسيس العمل الفني المحلي بمنهجية، الأمر الذي حمى الفن الإماراتي حتى اليوم من الانزلاق نحو الاتجاه التجاري الذي وقعت فيه أعمال كثيرة في الدول الأخرى. واستعاد غلوم ذكرياته عن الأعمال التي جمعته مع الفنان محمد الجناحي، والذي يعتبره أستاذاً له «تعلم منه الكثير، استعان به في تقديم مسرحيات باللغة العربية الفصحى»، بعد ان اتجه غالبية الفنانين لتقديم المسرحيات باللهجـة المحلية.
«مثل الفقع»
أوضح غلوم أن التجربة الحقيقة للكاتب الراحل سالم الحتاوي، التي ينبغي التوقف أمامها، تبدأ منذ ،1994 حيث ظهر على الساحة فجأة «مثل الفقع»، وبمبادرة شخصية منه، من دون انتظار مساعدة من جهة رسمية أو غيرها، ما قد يشير إلى أنه قد يكون هناك مواهب وأشخاص كثيرون يمتلكون مخزوناً ثقافياً وإبداعياً غزيراً ويعيشون حولنا، من دون أن ندري عنهم شيئاً، داعياً كل من يمتلك الموهبة أن يأخذ بزمام المبادرة، وأن تسعى المؤسسات والجهات الرسمية والمختصة للبحث عن المواهب واكتشافها. لافتاً إلى أن جمعية المسرحيين تعمل حالياً على إصدار كتاب يجمع الأعمال الكاملة للكاتب «سالم الحتاوي»، ويتولى تنفيذه محمود أبو العباس، كما تتجه وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع لطباعة كل أعماله على نفقتها الخاصة، على أن يعود ريعها إلى أسرته.
ورأى غلوم أن الحتاوي نجح في تغيير كيان المسرح في الإمارات، فقد أثار الاهتمام باللهجة المحلية، من خلال الأعمال التي قدمها بهذه اللهجة، وتميزت بمستوى فني راق ومتميز، ما جذب غالبية فناني المسرح لتقديم أعمال محلية، بعد أن كان السائد تقديم أعمال عربية أو غربية بعد تعريبها. وشدد على أهمية أن يكون هناك تنوع وتوازن بين طبيعة الأعمال التي يتم تقديمها في الدولة، وأن «نهتم بالمسرح المحلي والعربي والتجريبي وغيرها، حتى لا نقف على حافة السفينة، وعلى العديد من الكتاب الذين حاولوا تقديم أعمال باللهجة المحلية ولم ينجحوا، ان يتجهوا للتجريب في مدارس المسرح الأخرى»، وأشار غلوم إلى أن ما يجمع بين الفيروز والجناحي والحتاوي هو الطيبة والتواضع وحبهم للناس وللحياة، وحرصهم على التواصل مع الشباب.
عاشق الكتب
واعتمد الشاعر أحمد العسم في حديثه عن الأديب الراحل جمعة الفيروز على استعراض لمحات من شخصيته وأسلوبه المتفرد في التعامل مع إبداعه وأصدقائه، ومع الحياة بشكل عام، مؤكداً أن «تأثير الفيروز سيظهر في المستقبل، فكتاباته تملك القدرة على التأثير في الكتاب والشعراء وهو تأثير مستمر ومتواصل»، ولفت إلى ما كان يتميز به الفيروز من حب شديد للقراءة، «فكان يمتلك مكتبة ضخمة، جمعها خلال رحلاته إلى القاهرة والسودان حيث درس هناك، وكان يحب أن ينسخ الكتب بيده، كذلك كان جمعة الفيروز عاشقاً للموسيقى ولآلة العود بشكل خاص، وكانت تلازمه في كل مكان يذهب إليه».
وأشار العسم إلى حرص الفيروز على التواصل مع الشباب، «حيث كان منزله قبلة للكثير من المبدعين والمثقفين، وكان لديه دائما صالون أدبي أو موسيقي، كما كان يقيم ورشاً موسيقية للشباب لتعليمهم النوتة الموسيقية أو العزف على العود». لافتاً إلى أن حياة الأديب الراحل كانت «مزيجاً من السعادة والألم، ولكنه كان يستمتع بألمه ويكتبه، وكان لديه أمل أخضر لا يذبل، حتى رحل في هدوء وصمت».